مع انطلاقه في جولة أوروبية، وعشية مشاركته في مؤتمر بروكسيل للنازحين الأربعاء، وجّه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري رسالة بالغة الوضوح والصراحة إلى المجتمع الدولي عبّر فيها بلسان كل اللبنانيين عن حراجة الوضع «الضاغط جداً» على بلدهم ولقمة عيشهم وعلى مختلف جوانب حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والحيوية والبنيوية نتيجة تحمل المجتمع اللبناني ثقل الأعباء المتأتية عن استضافة نحو مليوني لاجئ سوري وفلسطيني.. وعلى قدر الأعباء أتت الرسالة لتضع الأسرة الدولية أمام مسؤولياتها: قمنا بواجبنا تجاه النازحين السوريين فقوموا بواجبكم تجاه اللبنانيين والنازحين.
الحريري، وفي مقابلة مع “فرانس 24” بُثت مساء أمس تباعاً عبر قنواتها الأجنبية والعربية، قال: “نحن نعاني من وجود مليون ونصف مليون نازح سوري استقبلناهم بسبب الحرب السورية التي تؤثر على كل المنطقة، واجبنا أن نستقبلهم ولكن أيضاً واجب المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته أمام المجتمع اللبناني وأمام النازحين”.
وأردف مضيفاً: “40% من سكان لبنان أصبحوا من النازحين، الشعب اللبناني لا يستطيع تحمّل كل هذا الضغط، فرص العمل غير متاحة للبنانيين، ضغط على الكهرباء وعلى الأمور الحياتية والصحية ولقمة العيش، الوضع أصبح ضاغطاً جداً، تحمّلنا ما تحمّلناه ويجب على المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤولياته من خلال الاستثمار في لبنان”.
ورداً على سؤال، أجاب: “الشعب اللبناني غير مسؤول عن تحمّل كل هذه المسؤولية بالنسبة للنازحين بل يجب أن يتحمّل المجتمع الدولي (المسؤولية) مع لبنان ومع النازحين، نحن استقبلنا النازحين السوريين ولن نتخذ أي خطوة تكون مؤذية لمصالحهم لكن إذا لم يستثمر المجتمع الدولي في لبنان قد نتخذ خطوات ليكون النازحون في بلد غير لبنان”.
وعما إذا كان يقصد إعادتهم إلى سوريا، أوضح الحريري أن ذلك ممكن فقط في حال توفير “مناطق آمنة لهم داخل الأراضي السورية برعاية الأمم المتحدة”، وفي ما عدا ذلك لن تقوم الحكومة اللبنانية بإعادتهم قسراً إلى سوريا، غير أنه لفت الانتباه الأوروبي في المقابل إلى أنّ “الوضع المزري قد يدفع بالنازحين إلى ترك لبنان وهذا شأن لا تستطيع الحكومة التحكم به”، مذكراً بأنّ الدولة اللبنانية تعلي صوتها “وتصرخ منذ 6 سنوات لإعداد مشروع خاص بلبنان دعماً للمجتمع اللبناني وللسوريين” من دون أي استجابة توازي حجم الأعباء، وأضاف: “نريد أن نُعلّم النازحين وأن نتيح لهم فرص عمل لكنني كرئيس مجلس وزراء مسؤول عن اللبنانيين كما عن النازحين ويجب أن تكون لدينا إمكانيات لتحمّل أعباء النزوح”.
ولدى سؤاله عما إذا كان يلوّح باتخاذ خطوات تشبه تلك التي اتخذتها تركيا ومن شأنها ترحيل النازحين إلى أوروبا، أجاب: «نحن لا نقول إننا نريدهم أن يذهبوا إلى أوروبا بل ما نقوله هو أنه إذا صار الوضع أصعب عمّا هو عليه اليوم فلن نستطيع السيطرة عليه»، مضيفاً: “الاستثمار الذي نطالب به في لبنان هو لبقاء النازحين ليس إلى الأبد لكن حتى تنتهي الحرب في وطنهم أو إقامة مناطق آمنة لهم تحت رعاية أممية”.
وإذ سأل “لماذا ترفض أوروبا استقبال اللاجئين السوريين؟ نحن نستقبلهم لكن ماذا يقدّم الأميركيون أو الأوروبيون للذين يستقبلونهم؟”، أردف موضحاً: “المساعدات الإنسانية مشكورة طبعاً لكنها لا تكفي، نريد إعادة إعمار لبنان لأنه سيفيد اللبنانيين ويساعد في تعليم السوريين وفي إعطائهم فرص عمل ضمن ما يسمح به القانون”، مشيراً إلى أنه سواءً “في فرنسا أو ألمانيا أو أي دولة أوروبية هناك وظائف يمكن للنازح أو أي مواطن عربي ممارستها وأخرى لا يستطيع، كما أنه سيحتاج إلى إجازة عمل، وكذلك هو الحال في لبنان بغرض حماية المواطن اللبناني”.
وبشأن ما سيُطالب به في مؤتمر بروكسيل، أوضح الحريري أنّ لبنان يريد من المجتمع الدولي “الاستثمار في مشاريع على مدى 7 سنوات بقيمة تراوح بين 10 مليارات إلى 12 مليار دولار” في لبنان، وأضاف: «نحن نعرف قوتنا الاستيعابية ونعلم ماذا نريد لمصلحة اللبنانيين من خلال بناء الجسور والمدارس والطرقات وتعزيز الكهرباء والاتصالات بشكل سيسمح كذلك بإيجاد فرص عمل للسوريين النازحين”.
ورداً على سؤال حول الموقف الغربي من رئيس النظام السوري بشار الأسد، لم يرَ الحريري أي فارق في الموقف “بين الكلام الأميركي والأوروبي بحيث كان الأوروبيون منذ بداية الأزمة يقولون إنّ الشعب السوري هو من يقرر مستقبله”، إلا أنه لفت في الوقت عينه إلى وجود “قوة دولية تلعب في الساحة السورية”، مشدداً على أنه في نهاية المطاف “الشعب السوري هو الوحيد الذي عليه أن يحدد من يرأسه، فحتى ولو اتفق كل المجتمع الدولي على “فلان” رئيساً لسوريا هذا لا يعني أن الشعب السوري سيقبل به”، وجدد في هذا السياق التعبير عن وجهة نظره تجاه الحل السوري المنشود والتي تؤكد أنّ “الحل هو بالخلاص من داعش والأسد”.
وأضاف: “هناك بعض القوى تريد أن يبقى الأسد، لكن مَن قتل 700 ألف سوري هو النظام السوري وليس داعش وإذا كان المجتمع الدولي يريد أن يتحمل في ذمته هذا النوع من الإجرام فبرأيي يكون بذلك يرتكب خطأً كبيراً”. إلا أنّه لفت في الوقت ذاته إلى أنّ “المرحلة التي ستمر فيها عملية التغيير في سوريا يجب أن يشارك الجميع فيها وأن يجلسوا سوياً إلى الطاولة للاتفاق على إدارة المرحلة الانتقالية”.
وفي ما يتعلق بدور “حزب الله” في الحرب السورية وعما إذا كان الحزب يُعرّض لبنان للخطر جراء تدخله العسكري في سوريا، أكد الحريري وجود اختلاف في الموقف حيال هذا الموضوع بينه وبين الحزب لكنّ هذا الخلاف “لا يجب أن يؤثر على إدارة البلد”، وقال: “برأيي ما يقوم به خطأ وهو يعتبره صواباً، نحن نقول إنّ ذلك يؤثر على الوضع الأمني في البلد، وهو يقول إنه لا يؤثر، لا هو سوف يقنعني بوجهة نظره ولا أنا سأقنعه بوجهة نظري، هناك اختلاف سياسي وما يهمني هو الاستقرار في لبنان”.
وعن إمكانية اندلاع حرب جديدة مع إسرائيل، شدد رئيس الحكومة على أنّ “إسرائيل هي من يريد الحرب وليس “حزب الله” لأنها لا تريد للعرب أن يكونوا مرتاحين في أي مكان”، معرباً عن اعتقاده بأنّ “حزب الله” لن يُقدم على أي خطوة استفزازية لإشعال الحرب مع إسرائيل، ومذكّراً في المقابل بالخروقات الإسرائيلية اليومية في الأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية.
ورداً على سؤال حول نتائج زيارته الأخيرة إلى الرياض، أجاب الحريري: “نحن ننطلق في علاقتنا مع المملكة العربية السعودية من العلاقة التاريخية بين البلدين، حصل بعض الشوائب خلال العامين المنصرمين في العلاقات وواجباتي أن نصحح هذه العلاقة ونعيدها إلى طبيعتها”. وأضاف: “اتفقنا خلال زيارة الرياض على عقد “لجنة عليا” مشتركة ستدرس كل الأمور الاقتصادية والعسكرية وهناك انفتاح من المملكة تجاه لبنان والأمور عادت إلى ما كانت عليه وسنراها أفضل”.
وعن مسألة الهبة السعودية المجمّدة لتزويد الجيش اللبناني بأسلحة فرنسية، قال: “سنتشاور بعد مجيئي إلى لبنان، واللجنة العليا ستنعقد في الرياض ثم في بيروت وستدرس مشاريع اقتصادية وصناعية وعسكرية، وسنوقّع اتفاقات وسنجري حواراً حول (اتفاقية) السلاح الفرنسي الذي كان مقرراً تقديمه للبنان”، وأردف: “تكلمنا في هذا الموضوع وسنناقش الأمور خلال شهر في المملكة وأنا متفائل”.
وحول ملف قانون الإنتخاب ، لفت رئيس الحكومة إلى أنه في ظل الوقت الضاغط راهناً بات من الصعب إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، موضحاً بالقول: “نقوم بتطوير قانون إنتخاب لكي يتمّ اعتماده لمدة طويله ولأكثر من استحقاق إنتخابي بحيث يصبح متضمّناً نظامَيّ النسبية والمختلط أو النسبية فقط وهذا تطور كبير يستوجب تأخيراً لأسباب تقنية”، وختم: “أنا متفائل جداً بأننا سنصل إلى قانون جديد قريباً جداً”.
مصادر