السبت 11 شوال 1445 ﻫ - 20 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

الدولة الفاشلة دمّرت عاصمتها وقتلت مواطنيها

كتب جو ماكرون في صحيفة الجزيرة، أنّ لبنان أصبح في 4 آب، دولة فاشلة، من خلال الإهمال والفساد، حيث دمرت عاصمتها وقتلت مواطنيها.

 

إن الدمار الذي أحدثه الانفجار الهائل الذي اجتاح بيروت في 4 آب يتجاوز أي كابوس في البلاد. الانفجار، الذي ربطه المسؤولون بتخزين حوالي 2,750 طن من نترات الأمونيوم في ميناء بيروت منذ سبتمبر 2013، خلف ما لا يقل عن 137 قتيلا و 5000 جريح.

كما تمددت ترددات الصدمة التابعة للانفجار في جميع أنحاء المدينة، مما أدى إلى إلحاق أضرار واسعة النطاق بالمباني وتحطيم النوافذ حتى في ضواحي العاصمة اللبنانية.

تُعرف بيروت بكونها مدينة تنهض من الرماد-يقال إنها دمرت وأعيد بناؤها سبع مرات خلال تاريخها الذي دام خمسة آلاف عام. غير أنّ هذه الكارثة الأخيرة هي أكثر مأساوية من أي حرب أو غزو أو زلزال سابق دمر المدينة القديمة، لأنها لم تنتج عن قوة خارجية معادية أو كارثة طبيعية، بل عن النخبة الحاكمة في لبنان نفسه.

فإنه لا يزال من غير الواضح تماماً ما أثار الانفجار في سفينة شحن محملة بمواد شديدة الاشتعال تركت في ميناء مدني على نحو متهور منذ هجرها في ميناء بيروت قبل ما يقارب سبع سنوات.

بيد أنه لا شك في أنّ ما حدث يوم الثلاثاء لم يكن مجرد حادث. فكان ذلك نتيجة مميتة لثقافة الفساد وانعدام الكفاءة والإهمال المتأصلة في جهاز الدولة اللبناني.

ويعمل ميناء بيروت دون أي إشراف حكومي حقيقي. وتشترك في إدارته هيئة الجمارك وهيئة ميناء بيروت. كل من هذه السلطات العامة تشرف عليها الحكومة من الناحية الفنية، ولكن من الناحية العملية، فإنها لا تخضع لأي تسلسل هرمي رسمي أو سيطرة برلمانية مثل جميع السلطات والمؤسسات اللبنانية الأخرى التي لا تتبع إلا للزعيم الطائفي أو الجماعة التي تحميها.

ونظراً لسجل لبنان الكئيب في التحقيق في الإهمال الحكومي والفساد، فإنّ العديد ممن ساهموا في المأساة هم على أعلى مستوى في الدولة اللبنانية وهم على الأرجح لن يواجهوا أبداً العدالة. هذا ما يثير إشكالية كبيرة لأنها تؤدي إلى تصدّع ثقة الشعب في الحكومة.

وسيكون للانفجار أيضا أثراً مدمراً على اقتصاد لبنان الذي طالت معاناته، وعلى الوضع السياسي الهش الراهن، وعلى الصمود على الصعيد الدولي.

ومن غير الواضح ما إذا كانت الحكومة قادرة على تأمين المبلغ النقدي الذي تحتاجه لتوفير المأوى لـ 000 300 شخص فقدوا منازلهم وضمان تدفق السلع الأساسية عقب الانفجار. وسيضطر لبنان في نهاية المطاف إلى أن يضيف إلى ديونه المحلية والخارجية القائمة لدفع تكاليف الإنعاش والتعمير، مما يجعل الحكومة اللبنانية أكثر اعتماداً على المعونة الخارجية، ويضعف موقفها التفاوضي مع صندوق النقد الدولي.

ونتيجة لذلك، ستتفاقم الانقسامات القائمة في البلد بشأن السياسة الخارجية، حيث تختلف الجماعات السياسية المتنافسة حول المكان الذي ينبغي أن تلجأ إليه بيروت طلباً للمساعدة في هذا الوقت الذي تشتد فيه الحاجة. وقد بدأت الولايات المتحدة وفرنسا وإيران بالفعل في تقديم المساعدة، فيما يطرح البعض بالفعل فكرة دعوة الصين لإعادة بناء ميناء بيروت.

إنّ الدمار والغضب الشعبي العلني اللذين سببهما الانفجار، بالإضافة إلى زيادة مشاركة القوى الأجنبية في البلد، سيزيدان من ضعف الحكومة اللبنانية وسيزيدان من حدة التوتر السياسي الداخلي القائم.

واليوم، يواجه الشعب اللبناني مأساة لم يسبق لها مثيل. فبعد أن عانوا من انهيار اقتصادي مدمر ومحاولة درء وباء بموارد محدودة، فإنهم يواجهون الآن مهمة هائلة تتمثل في شفاء جرحاهم وإعادة بناء عاصمتهم ومينائها الرئيسي. لا شكّ بأنه هناك إحساساً بالغضب والإرهاق بعد كل ما تمر به البلاد.

ولا شك أن الشعب اللبناني يحتاج إلى كل المساعدة التي يمكن أن يتلقاها من المجتمع الدولي. ولكن النخبة في البلد، المسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن هذه المأساة، ينبغي ألا يسمح لها باستخدام المعونة الدولية كسترة حياة لإنقاذ نفسها من المحاسبة. ويبدو أن المجتمع الدولي يميل إلى النظر إلى الانفجار الذي وقع في بيروت باعتباره أزمة إنسانية فقط.

إنّ تقديم المساعدة إلى النظام السياسي اللبناني دون التشكيك في دوره في تحقيق هذه المأساة والانهيار الاقتصادي سيؤذي الشعب اللبناني ولن يساعده. وسيتيح فرصة أخرى للنخبة الفاسدة لتفادي المساءلة، ونقل المسؤولية، وتجنب تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي يحتاج إليها البلد بشدة. فهناك طرق لمساعدة لبنان دون المرور عبر القنوات الرسمية التقليدية.

لذلك إذا كان المجتمع الدولي يرغب حقاً في مساعدة لبنان على الشفاء، فلا ينبغي له أن يرسل المعونة ويقدم الدعم فحسب، بل أن يعترف أيضاً بما حدث فعلاً في بيروت في 4 آب: دولة فاشلة، من خلال الإهمال وعدم الكفاءة والفساد، دمرت عاصمتها وقتلت مواطنيها.