الجمعة 16 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

لبنان يواجه صفقة التوطين

نُذُر صفقة القرن تطل من البحرين اليوم الثلاثاء، دخولاً من باب الاقتصاد قبل السياسة، عبر المؤتمر الذي تستضيفه العاصمة البحرينية المنامة اليوم وغداً الأربعاء، والذي استبقه قبل يومين، جاريد كوشنر مهندس الصفقة وصهر الرئيس الاميركي دونالد ترمب بعظة إغرائية لدول المنطقة، عنوانها التحضير لما يمكن وصفه بالهجوم الاستثماري بما يزيد عن 50 مليار دولار، سيتم توزيعها على بعض الدول ومن بينها لبنان، الذي يقاطع أعمال مؤتمر البحرين.

كان اللافت للانتباه في الساعات الماضية هو تصاعد المواقف الاعتراضية حول ما يحضّر للمنطقة ولبنان ضمناً، من مؤتمر البحرين كتوطئة لصفقة القرن”.

وأجمعت هذه المواقف على رفض الصفقة وما يترتب عليها، ولاسيما لجهة فرض التوطين على لبنان وشرائه بحفنة من الدولارات، على حدّ قول رئيس مجلس النواب نبيه بري. واعتبر أنّ “مؤتمر البحرين، محاولة لرشوتنا من جيوبنا لتمرير صفقة القرن والقرارات الأميركية”. وهو ما اكّدت عليه المواقف السياسية والحزبية من غير اتجاه، وصولاً الى بكركي التي تؤكّد على رفضها أي محاولة لتوطين الفلسطينيين في لبنان وعلى حقهم في العودة الى بلادهم.

وقالت مصادر ديبلوماسية لـ”الجمهورية”، إنّ “المنطقة أمام عملية تغيير شديدة الخطورة، آثارها مدمّرة، وتشرّع المنطقة على كلّ أنواع الكوارث التي قد تحصل في اي وقت”.

ولفتت الى انّ “الاميركيين ما كانوا ليقدموا على رسم خريطة جديدة للمنطقة، عبر ما تُسمّى خطة السلام الأميركية، ومحاولة فرضها، لولا الواقع المريع الذي يشهده العالم العربي والتشرذم الحاصل فيه. ولبنان سيكون من الدول الاكثر تضرراً جرّاء هذه الخطة، او بالاحرى الصفقة، لما يهدّده توطين الفلسطينيين لبنيته الداخلية”.

واعتبرت المصادر أن “صفقة القرن يقدّمها الاميركيون بوصفها خطة سلام أكبر من قدرة اي بلد عربي مهدّد بها، على الاعتراض عليها، ومؤتمر المنامة ما هو الّا تمهيد واضح لهذه الصفقة، وُضع له عنوان مغرٍ السلام من أجل الازدهار، فيما هو في جوهره ليس فرصة للازدهار والاستثمار كما يجري التسويق له، بل هو محطة لدفع المنطقة كلها الى الخراب والانتحار”.

ولاحظت المصادر الاستعجال الذي ظهر في هذه الفترة لإثارة موضوع صفقة القرن، ووضعها على نار التنفيذ، والذي يتزامن مع تراجع الرئيس الاميركي دونالد ترمب عن قرار توجيه ضربات الى ايران رداً على اسقاط طائرة الاستطلاع الاميركية، فربما يكون الهدف هو نقل الاهتمام الاميركي والدولي في اتجاه آخر، علما انّ الاميركيين انفسهم كانوا شكّكوا في امكان ان تتمكن صفقة القرن من تحقيق الغاية منها، مقرّين بأنّ هذه الصفقة تخدم اسرائيل، وهو ما قاله وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو قبل ايام وفق صحيفة “واشنطن بوست” الاميركية، وقال في اجتماع مغلق مع رؤساء أكبر المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة: “إنّ الخطة يمكن أن تفيد الحكومة الإسرائيلية فقط”.

وعمّا إذا كان لبنان قادراً على مواجهة خطر التوطين، أردفت المصادر: “في ظل هذا الواقع العربي الهش، فإنّ لبنان قد يكون في مواجهة هذا الخطر شبه وحيد، او بالأحرى مواجهة الخطرين، الأول المتمثل بتوطين الفلسطينيين، والثاني بالتوطين المقنّع للنازحين السوريين.”

يُشار على صعيد موضوع النازحين، الى موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي أبلغه أمس الى وفد مجموعة العمل المكلفة من الكونغرس الاميركي دراسة الوضع في سوريا، ومفاده انّ “عودة النازحين السوريين الموجودين في لبنان لا يمكن ان تنتظر تحقيق الحل السياسي للأزمة السورية، الذي قد يأخذ وقتاً بسبب التجاذبات الدولية حيال الوضع السوري، خصوصاً انّ موجة النزوح السورية تركت تداعيات سلبية على القطاعات اللبنانية كافة”.

وهذا الخطر يقترب، في الوقت الذي ينوء فيه لبنان من جهة بثقل عبوة النازحين السوريين، التي توازيها بخطورتها وتهديدها للنسيج اللبناني. ومن جهة ثانية، بثقل أزمة اقتصادية خانقة تبدو فيها ابواب الانفراج موصدة بالكامل، لا تنفع معها المسكنات الشكلية التي يقدّمها اصحاب الشأن في الدولة.

والأخطر في هذا المجال، انّه على الرغم من الانصراف الداخلي نحو إقرار موازنة العام 2019، فإنّ التطمينات التي تتوالى من قِبل المراجع الحكومية والوزارية، حول أنّ الازمة باتت تحت السيطرة جرّاء الوصول الى نسبة عجز مقبولة في الموازنة. الّا انّ هذه التطمينات لا تنفي حقيقة الانحدار الذي يسلكه الوضع الاقتصادي بوتيرة فائقة السرعة، تتزايد فيها حدّة المخاوف من تجاوزه الخطوط الحمر وبلوغه نقطة اللاعودة، وهو ما يجمع على التحذير منه الخبراء الاقتصاديون، كما على العجز الحكومي الواضح في ايجاد الحلول، ويجمعون ايضاً على اعلان حالة طوارئ اقتصادية مقرونة بخريطة طريق واضحة للإنقاذ، وبعقلية منفتحة على الحلول الجدّية وليس على الحلول الوهمية، شرطها الأول والاساس، النأي بالنفس عن التنافس السياسي والشعبوي والمحاصصات التي يصرّ البعض في السلطة الحاكمة على فرضها على بساط التعيينات المعطلة لهذا السبب، بالتوازي مع رعاية بعض النافذين لمحميات إفقار الخزينة، المستشرية في كل مفاصل الدولة. ما أحبط سلفاً الحرب على الفساد، التي سبق ان أُعلنت بطريقة حماسية، ولكن مع وقف التنفيذ.

واذا كانت موازنة العام 2019، يجري تسويقها على انّها كابح للانحدار الاقتصادي، وانّها قاعدة سيُبنى عليها في موازنة العام 2020 للوصول الى نسبة عجز اقل، فأنّ التوقعات حولها تبقى موضع شك، في غياب الرؤية الاقتصادية الضرورية التي ينبغي ان تقترن بها، وخصوصاً لناحية اجراء الاصلاحات البنيوية التي تُعتبر في رأي الخبراء في علم الاقتصاد، الاساس الصلب الذي يمكن ان يُبنى عليه، بوصفه واحداً من العلاجات المطلوبة والملحّة للأزمة الاقتصادية في لبنان، ومن دون يبقى كل كلام عن علاجات وتطمينات نظرية مجرد كلام وارقام في شيكات بلا ارصدة.

واللافت للانتباه في هذا السياق، انّ لبنان لا يزال يتلقى إشارات إيجابية من الخارج، تحفّزه على المضي الجدّي في العلاجات لأزمته واجراء الاصلاحات المطلوبة. الّا انّ هذا الخارج، بحسب ما يؤكّد اقتصاديون لـ”الجمهورية”، ما زال ينظر بعين الريبة الى أداء الحكومة اللبنانية، وتتلبسه الخشية من عدم جدّية الجانب اللبناني في التجاوب مع النصائح التي تُسدى له لمعالجة ازمته، وهذه الخشية راكمها عدم مبادرة الحكومة اللبنانية الى الاستجابة العملية لمتطلبات مؤتمر “سيدر” والقيام بالإصلاحات المطلوبة. فصحيح انّ تخفيض العجز في الموازنة الى ما دون 9% هو امر جيد، الّا انّ أهمية ذلك، تذوب امام تجاهل الامور الأخرى المكمّلة لهذا الامر.

 

المصدر صحيفة الجمهورية