علم لبنان
في وقت يتركز الاهتمام على الانتخابات النيابية، حول الرئيس عون الأنظار إلى الاستحقاق الرئاسي، محدداً مواصفات الرئيس الذي سيسلمه، ومحذراً من الوصول إلى فراغ ومن أنه “لن يسلم إلى فراغ”. وهذا ما فتح الباب واسعاً أمام البحث في كل احتمالات واستحقاقات المرحلة المقبلة ووضع كل الأوراق والخيارات على الطاولة.
مما لا شك فيه أن هناك صلة وثيقة بين الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية، بمعنى أن مصير الثانية يتوقف بشكل مباشر على مصير الأولى. فإذا جرت انتخابات نيابية، وهذا ما هو مرجح ومفترض أن يحصل في ظل رغبة داخلية جامحة ومراقبة دولية مشددة، يسلك الوضع طريقه في اتجاه عملية انتقال سلس للسلطة إلى برلمان جديد وحكومة جديدة ورئيس جديد.
الإشكالية التي يمكن أن تطرح في حالة إجراء الانتخابات النيابية أن يتعذر بعدها تشكيل حكومة جديدة في الفترة القصيرة المتبقية من العهد، في وقت تصبح الحكومة الحالية حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في حكم المستقيلة بمجرد قيام برلمان جديد.
ومع الوصول إلى محطة الانتخابات الرئاسية وتعذر انتخاب رئيس جديد، ليتكرر وللمرة الثالثة الفراغ الذي حصل في نهاية عهدي الرئيسين اميل لحود وميشال سليمان، فإن حكومة تصريف الأعمال لا يمكنها أن تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية، والرئيس عون أفصح عن أنه لا يستطيع أن يسلم صلاحياته إلى «الفراغ»، أي إلى حكومة مستقيلة لا يمكنها أن تجتمع ولا أن تملأ الشغور الرئاسي، لأن الدستور نص على أنه في حال تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية تنتقل صلاحيات الرئاسة إلى «مجلس الوزراء مجتمعا». وهذه الحالة التي تحدث في نهاية عهد عون بحكم الانتخابات النيابية التي ستجعل حكومة ميقاتي مستقيلة حكما، لم تحدث في نهاية عهد كل من الرئيسين السابقين لحود وسليمان عندما كانت هناك حكومة دستورية كاملة المواصفات والصلاحيات.
لكن السيناريو الآخر الأكثر تداولا والأكثر مدعاة للقلق يبدأ بعدم حصول الانتخابات النيابية رغم كل المطالبات بها والآمال المعلقة عليها والتحذيرات الدولية من مغبة عدم حصولها. والمخاوف والشكوك بشأن الانتخابات تعاظمت في الفترة الأخيرة في ضوء تطورين: الأول اهتزاز صورة الوضع الأمني، والثاني الخلاف حول قانون الانتخابات وتعديلاته وموعد إجرائها والطعن المقدم أمام المجلس الدستوري، وما يمكن أن يؤدي اليه من «خربطة المهل».
إن تأجيل الانتخابات يتلازم كل مرة مع التمديد للمجلس النيابي، لكن هذه المرة الوضع مختلف مع بروز توجهات جدية وحازمة لدى كتل أساسية إلى تقديم استقالات جماعية، وبما يؤدي إلى قيام هذه المعادلة: تطيير الانتخابات يقابله تطيير المجلس النيابي وإسقاطه.
في هذه الحالة ينشأ الفراغ النيابي لأول مرة في تاريخ لبنان ويؤدي حكما إلى فراغ رئاسي، إذ لن يكون هناك من مجلس نيابي لينتخب رئيسا للجمهورية.. وفي هذه الحالة فإن المؤسسة الدستورية الوحيدة المتبقية، والتي تكون قد أفلتت من حالة الفراغ والسقوط، هي الحكومة.
لكن الحكومة الحالية مشكوك في قدرتها على الاستمرار والصمود وسط هذا الصراع السياسي العنيف، وإذا صمدت فستكون وضعيتها كحكومة شرعية دستورية عرضة للشكوك مع سقوط المجلس النيابي الذي تستمد منه سلطتها وشرعيتها.. ومثل هذا الفراغ الشامل الذي يعني الانهيار الكامل للدولة ومؤسساتها وسلطاتها الدستورية هو «السيناريو الأسوأ» الوارد نظريا والذي يمكن أن يحصل عمليا إذا سقط مشروع الانتخابات النيابية.. والذي يضع البلاد أمام المجهول وأمام تساؤلات كبيرة: من يتولى إدارة الوضع والأزمة في البلاد في هذه المرحلة الانتقالية «الفارغة»؟! هل تناط هذه المسؤولية بالجيش اللبناني، وكيف سيحصل ذلك وماذا سيكون عليه موقف حزب الله؟! وهل تنتهي أزمة الفراغ الكبير إلى «طائف جديد» وما هو أبعد وأعمق، وتفتح مرحلة إعادة تأسيس النظام السياسي وإعادة بناء الدولة اللبنانية؟