لم تتأخّر إسرائيل في تحويل مسيَّرة «صياد 107» التي استهدف بها «حزب الله»، أمس، منزلَ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في قيساريا (وسط)، إلى «صنارة» لاصطيادِ أكثر من هدفٍ في إطار الحرب المحتدمة مع الحزب، كما المواجهة مع إيران التي خَرَجتْ اضطرارياً عن استراتيجية «الصراع بالوكالة» وحتى عن ارتداء «القفازات» في الإبراز النافر لـ «فائض القوة» والقدرة على الإمرة في «بلاد الأرز» و«التحكم والسيطرة» على القرارات الإستراتيجية فيها، ما استوجب «انتفاضة» نادرة من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «ضد محاولة تكريس وصاية مرفوضة على لبنان».
ففي وقت كانت تل أبيب تحت وَقْع صدمة نجاح واحدةٍ من 3 مسيّرات أرسلها «حزب الله» في الإفلات من «كل رقابة» وبلوغ منزل نتنياهو (لم يكن بداخله)، وهو التطور الذي حقق فيه الحزب «نقطة معنوية» بالغة الأهمية ظهّرتْ أيضاً إخفاقاً أمنياً إسرائيلياً متكرراً، سارَعَ رئيس الوزراء، لتحويل «الضربة فرصة» انقضّ معها على 3 محاور:
– تأكيده أن «حلفاء ايران» الذين حاولوا اغتياله هو وزوجته سارة، «ارتبكوا خطأ كبيراً»، قائلاً «للإيرانيين وشركائهم في محور الشر: كل من يمس مواطني دولة إسرائيل بسوء سيدفع ثمناً باهظاً».
– الوعود التي كان أعطاها لواشنطن بتخفيف استهداف بيروت وضاحيتها الجنوبية، إذ كرّس بـ 15 غارة عنيفة متسلسلة شنّها في نحو ساعتين على معقل «حزب الله» الرئيسي (الضاحية) وعلى امتدادها في الشويفات، واستُكملت بعدها على دفعات، أنه في بات في حلّ من أي تعهداتٍ سابقة على هذا الصعيد كانت عاشت معها هذه البقعة ما يشبه «خفض تصعيدٍ» كبير لنحو 10 أيام.
– المساعي التي كان أشيع أنها أفضت إلى هندسة ردّ إسرائيلي على ضربة إيران الصاروخية، يحيّد القادة والمنشآت النووية والحيوية، وهو ما عبّر عنه إعلان تل أبيب عن «محاولةِ اغتيالٍ» لنتنياهو من طهران، وسط اقتناعٍ بأن مسارعة إسرائيل لتوجيه أصابع الاتهام في هذا الاتجاه وتأكيد رئيس الوزراء بعدها «لا شيء سيردع إسرائيل، وسنواصل حتى النهاية» يمهّد لـ «تذخيرِ الضربة»، التي وافَقَ على مضض أن تكون «مسحوبة الدسم»، وكان أعلن أنه صادَقَ على أهدافها التي يُخشى أن يعاود تعديلها وتفعيل «الخطة أ» تحت عنوان «شكراً إيران على الهدية» لـ«صياد الفرص».
وفي ضوء استهداف منزل نتنياهو وما تلاه من تَحَفُّزٍ إسرائيلي ضدّ إيران واستعادة الضربات المكثّفة للضاحية الجنوبية، وذلك بعد توسيعِ رقعة الاستهدافات لتطاول للمرة الأولى منطقة جونية (كسروان)، حيث اغتالتْ مسيّرة أحد كوادر «حزب الله» وسيدة كانت برفقته على الطريق العام، وشتورا وبلدة بعلول (البقاع الغربي) التي سقط فيها رئيس بلدية سحمر (حيدر شهلا) ومعه 3 أشخاص وجُرح 12، بدا واضحاً أن مرحلةً أكثر ضراوة من الصراع فتحت على مصرعيها وفي «الاتجاه المعاكس» للمناخ الذي ساد بأن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار، يمكن أن يمهّد الطريق لإنهاء حرب غزة وتالياً إحداث كوةٍ في جدار «حرب لبنان الثالثة»، التي تَمْضي إسرائيل فيها جواً وبحراً كما في البرّ، الذي تعلن تباعاً عن تعميق التوغّل على الحافة الحدودية وإن بأثمان باهظة على جيشها الذي تم تدعيم فرقه الخمسة بلواء احتياطٍ آخَر للمهام العملياتية على الجبهة الشمالية.
وفي حين خَلَطَتْ «صياد 107»، وكانت استُخدمت في الضربة الموجعة التي تلقاها لواء غولاني في قاعدة بنيامينا في جنوب حيفا قبل 6 أيام، الأوراق كما التوقعات حيال مآلات الميدان ومنسوب التصعيد فيه الذي بدا أمام جولة أعتى، فإن أوساطاً مطلعة رأت أن ربْط تل أبيب لطهران في عملية قيساريا يزيد من إحراج لبنان الرسمي وفي الوقت نفسه يعزّز مصلحته في أول «ابتعادٍ» له عن طهران وإعلان رفْض الوقوع «تحت تأثير» إدارتها الأحادية الجانب لملفّ التفاوض لوقْف الحرب على «بلاد الأرز» بما يخدم مقتضيات ومشروع «محور الممانعة»، وتالياً محاولة انتزاع حصرية التفاوض للدولة اللبنانية أقله في «قرار السلم» ما دام قرار الحرب في يد «حزب الله».
وقد عبّرتْ عن هذا المنحى «غضبةُ» ميقاتي بوجه تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف حول أن طهران مستعدة للتفاوض حول تطبيق القرار 1701 مع فرنسا، «التي ستعمل كدولة وسيط بين حزب الله وإسرائيل»، وهي الغضبة التي تم التعاطي معها أيضاً على أنها تنطوي على «عدم ممانعةٍ» ضمنية من رئيس البرلمان نبيه بري، الذي سبق أن فوّضه «حزب الله» التفاوض باسمه وبوصفه «الأخ الأكبر» ليأتي موقف قاليباف وقبله وزير الخارجية عباس عراقجي من بيروت وكأنه «يسحب البساط» من تحت أقدامه ولبنان الرسمي، في الوقت الذي يسود بيروت مناخان:
– الأول استشعار الغالبية الساحقة من القوى السياسية، ولا سيما من المعارضة، بمخاطر ترْك البلاد «فريسة» حسابات إيران التي باتت نفسها في دائرة النار ويُخشى أن تمضي في «القتال بآخِر لبناني حمايةً لنفسها وما بقي من قوس نفوذها».
– والثاني أن من مصلحة المكوّن الشيعي بلوغ تسويةٍ بـ «توقيت لبناني» يراعي الميدانَ بموازينه الحالية وقبل أي انتكاساتٍ أكبر قد تجعل من الصعب أكثر «الحدّ من الأضرار المميتة».
وكان ميقاتي وعلى طريقة «ضرْب اليد على الطاولة»، استغرب إعلان قاليباف أن طهران مستعدة للتفاوض مع باريس حول ملف لبنان.
وقال «هذا الموقف يشكل تدخلاً فاضحاً في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان. علماً أننا كنا أبلغنا وزير خارجية إيران ورئيس مجلس الشورى خلال زيارتيهما لبنان أخيراً بضرورة تفهم الوضع اللبناني، وخصوصاً أن لبنان يتعرض لعدوان إسرائيلي غير مسبوق ونعمل لدى جميع أصدقاء لبنان ومنهم فرنسا للضغط على إسرائيل لوقف النار».
وأضاف «إن موضوع التفاوض لتطبيق القرار الدولي الرقم 1701 تتولاه الدولة اللبنانية، ومطلوب من الجميع دعمها في هذا التوجه، لا السعي لفرض وصايات جديدة مرفوضة بكل الاعتبارات الوطنية والسيادية».
وفيما سارع قالبياف الى نفي ما نسبته اليه صحيفة «لوفيغارو» الباريسية في هذا الإطار، ترجم وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب، طلب ميقاتي منه استدعاء القائم بالأعمال الإيراني وتسليمه الموقف اللبناني، وهو ما حصل حيث حضر ميتم قهرماني وسلّم بوحبيب «ترجمة مصححة» لكلام رئيس مجلس الشورى الإيراني وأبلغه أن طهران لا تقبل التدخل بسيادة البلاد، وتترك الخيار لبنان والمقاومة باتخاذ القرار في شأن الـ 1701، ووقف النار.
وقال «ما تؤيده الحكومة والمقاومة في لبنان بشأن وقف النار ستؤيده إيران».
وأعلن مصدر قريب من قاليباف انه «لا ينبغي لأي طرف أن يعتقد بأنه يمكنه التوصل إلى اتفاق سياسي مستدام من دون الحصول على موافقة المقاومة».
ونقلت «وكالة إسنا للأنباء» عن المصدر، أن «ما تم استنتاجه من تصريحات قاليباف، عبر وسائل الإعلام، غير صحيح تماماً».
وأضاف أن مواقفه تجاه التطورات الجارية في لبنان «لم تختلف عمّا طُرح في زيارته الأخيرة للبنان، وكذلك خلال حديثه مع وسائل الإعلام».
وقال: «هذه المواقف واضحة تماماً، وتتمثل في أن إيران تدعم كل ما توافق عليه الحكومة والمقاومة في لبنان من أجل الوصول إلى وقف نار دائم».
وإذ برز إعلان الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط، أن «حكومة لبنان وحدها المخولة بالتفاوض باسم البلاد لوقف إطلاق النار»، أكد وزير خارجية مصر بدرعبد العاطي خلال اتصال أجراه به نظيره اللبناني أن «القاهرة تسعى بكل قوة لوقف النار في لبنان وتنفيذ القرار 1701، ولوضع حدّ للشغور الرئاسي».
وشدد على أنه «ليس من حق أي طرف خارجي وضع فيتو على أي مرشح رئاسي يتوافق عليه اللبنانيون، أو فرض أي مرشح عليهم».