مخطئ من يظن أنه قادر على منح جواب يقين بشأن مصير وقف إطلاق النار في لبنان، حتى وإن تقاطعت القراءات والتحليلات بشأن مدة الحرب وكثرة التوقعات بإطالتها، وكل ذلك بناء على معطيات ومواقف من الطرفين المشاركين فيها. وفي ظل هذا الاقرار، يتحول المشهد إلى أكثر سوداوية خصوصًا مع انعدام الأمل بالتوصل إلى أي اتفاق وشيك. فلا إسرائيل ولا “حزب الله” على استعداد لأي تراجع في حرب باتت كلفتها باهظة جدًا على البلد سواء بالنسبة إلى خسائر الأرواح أو مسح وجود قرى وبلدات. مؤشر واحد في أن يعدل في السيناريو المتبع وهو ضربة إسرائيل لإيران وحجمها في سياق الرد ومن ثم رد إيران عليها، وهذه مسألة تتبلور قريبًا. وفي هذه الأثناء، جاء مؤتمر دعم لبنان في فرنسا كخطوة أساسية في الانطلاق نحو ترتيب مبادرات إنسانية كما الخوض في اتصالات تتولاها الدولة الفرنسية من أجل مطلب وقف إطلاق النار.
وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية مطلعة لـ “اللواء” أن المحاولة الجدية الوحيدة لبحث وقف إطلاق النار هي الأفكار التي حملها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، بعض هذه الأفكار لم يتقبلها الجانب اللبناني، بسبب تضمينها إملاءات إسرائيلية كحق التحليق في الأجواء اللبنانية والتدقيق في تنفيذ القرار ١٧٠١، وكان متوقعًا رفض هذه النقاط والأساس هو القرار ١٧٠١، وتجميد أي نقاش عائد إلى وجود تفسيرين لهذا القرار، فالتفسير اللبناني الذي أعلن عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لجهة تنفيذ القرار، كما هو من دون أي تعديل أو تفسير كما كان عليه الأمر في العام ٢٠٠٦، اما التفسير الإسرائيلي فيتحدث عن توسيع الـ١٧٠١ ومنح مهمات إضافية للقوات الدولية مع ما يتناسب والشروط التي وضعوها.
وكما بات معلومًا فإن الرئيس بري قدم مقترحات التي تجعل من تنفيد هذا القرار ممكنا وفق القراءة اللبنانية، واقنع الموفد الأميركي بأن فكرة الـ ١٧٠١ “بلس” لن تسير، فقدم اقتراحات تقارب آلية تطبيق القرار ولا تمس جوهره ونصه، وتبدأ بوقف إطلاق النار وتستكمل بعد ذلك، ويفترض أن يكون هوكستين قد أبلغ الجانب الإسرائيلي بهذه الأفكار وطلب مهلة لتقديم الأجوبة، من دون تحديدها وقال ستكون بضعة أيام، ولكن ما حصل أنه بعد مغادرة هوكستين بيروت كانت هناك إشارات ازعجت رئيس مجلس النواب أن لجهة القصف الذي طاول منطقة الجناح ومحيط مستشفى الرئيس الشهيد رفيق الحريري والأوزاعي واستمرار القصف على الجنوب واستهداف مدينة صور، كل هذه الأمكنة تشكل حضورا لحركة أمل.
وتعتبر المصادر أن هذه الأعمال العسكرية فسرت وكأنها رسالة من الاسرائيليين إلى بري بشأن عدم الأخذ بأفكاره وبالتالي حصلت اتصالات مع الموفد الأميركي على إثر الاعتداءات تؤكد أن هذه الرسائل غير مقبولة بالشكل الذي تمت فيه، وإنما الجانب الأميركي قال أنه يتابع كل ما جرى، فعمليا المفتاح بيد رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اما أن يقبل بهذه الاقتراحات أو لا، وحتى الآن لا تدلل المؤشرات على وجود موافقة إسرائيلية على الآلية التي طرحها بري حتى الآن، وقد يتطلب ذلك ضغطا أكبر من الأميركيين على الإسرائيليين، وهذا الضغط الأميركي يفترض أن يتبلور في الساعات المقبلة بحيث تتضح الصورة أكثر، فيما عدا ذلك لا يمكن التكهن بما يحصل أو القول أن الأمور ستتجه إلى التهدئة أو إلى التصعيد، هناك انطباع مفاده أن نتنياهو لا يبدي أي حماسة في ذلك بدليل أن التصريحات التي تصدر من الجانب الإسرائيلي توحي بالتصعيد أكثر من التهدئة.
وفي المقابل، هناك قناعة وفق هذه المصادر بأن يعطى الجانب الأميركي المزيد من الوقت لتسهيل الأمور أكثر مع الخشية بأن يستغل نتنياهو هذه المهلة الإضافية للنقاش لتحقيق المزيد من الجرائم والتدمير خصوصا في الضاحية الجنوبية وأطراف بيروت أي في الأوزاعي كما في صور وبعض المدن والقرى الجنوبية تحت ذرائع “أماكن وجود مسؤولين في الحزب، مؤسسات قرض الحسن”، وهي التي يعتبرها الجانب اللبناني حججًا واهية.
وفي السياق عينه، يرى بعض المراقبين أن الأمور لن تحسم قبل الانتخابات الأميركية في الخامس من تشرين الثاني المقبل، لأن نتنباهو لا يبدي حماسة بأن يعطي لفريق الرئيس جو بايدن أي “إنجاز” يمكن أن يستثمر في هذه الأنتخابات، لكن هذا الأمر يحتاج إلى المزيد من التشدد من إدارة بايدن لدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تقديم تنازلات والقبول بوقف إطلاق النار على أن تبقى الأمور الأخرى معلقة إلى ما بعد هذه الأنتخابات، ما يعني أن عنوان المرحلة المقبلة هو تعليق الأعمال العسكرية إلى ما بعد الانتخابات الأميركية لمعرفة التوجه المقبل، ونتنياهو لا يريد أن يقدم أي إنجاز مهم لأدارة بايدن في الوقت الحاضر وإن كان هناك ضغط بأن يقبل بتعليق الأعمال الحربية من دون تسميتها بوقف إطلاق النار أو هدنة، وهذا التعليق يعني التخفيف من حدتها أو تعليقها كليا لاسيما في المناطق السكنية.
وهذا المسعى الذي تقوم به الإدارة الأميركية إذا لقي الصدى الإيجابي، فإنّه أمر جيد وإن قوبل بالعكس، فقد يستمرّ التصعيد على أكثر من جهة كما هو حاصل اليوم وامس وما قبل ذلك تحت ذرائع مختلفة.
إلى ذلك تفيد المصادر نفسها أن ما يعول عليه هو قيام اتصالات بعيدا عن الأضواء خصوصا بين الأميركيين والجهات التي تولت سابقا التنسيق مع الجانب الإيراني وتعد ضابط ارتباط خفي غير معلن بين الأميركيين والايرانيبن في محاولة للوصول الى واقع معين، إنّما هذه الاتصالات لم تفض إلى شيء لأن الجانب الإيراني وقبل تقديم أي موقف ينتظر ما سيكون عليه الرد العسكري الإسرائيلي على إيران، وهو أمر يتم ارجاؤه من وقت إلى آخر وهو النقطة المفصلية لجهة مستقبل البحث في وقف إطلاق النار، اي لن يقوم أي التزام جدي بوقف إطلاق النار من قبل الإسرائيليين أو من قِبل “حزب الله” إلا بعد معرفة حجم الرد الإسرائيلي على إيران، ومعلوم أنه تأخر نتيجة السعي الأميركي بأن يكون محدودا ولا يستهدف المنشآت النووية أو المنشآت النفطية وغير ذلك. ولقد مضت أيام يتحدث فيه المسؤولون السياسيون والعسكريون في إسرائيل عن ان الرد الإسرائيلي على إيران بات جاهزا وإن الأمر لا ينتظر إلا “الضغط على الزر”، وهذا الأمر لم يحصل بعد، مما جمد عمليا كل إمكانية للوصول إلى نتيجة فعلية لجهة مستقبل وقف إطلاق النار أو العكس، فالايرانيون و”حزب الله” من جهة والإسرائيليون من جهة ثانية ينتظرون الرد والرد المضاد. وقبل معرفة حجم الرد الإسرائيلي على إيران واحتمال الرد الإيراني على هذا الرد، لا يعتقد المراقبون أن هناك إمكانية للوصول إلى بت نهائي وفعلي لموضوع وقف إطلاق النار أو التجاوب مع المساعي الأميركية للتهدئة، لذلك فإن ما اقدم عليه هوكشتين لم يكن انجازا كاملا إنما قد يشكل بداية أو خطوط عريضة لما يمكن أن يكون عليه الحل، ولكن هذا الحل لن يتبلور قبل تفهم طبيعة الرد الإسرائيلي على لبنان وما سيكون عليه الرد الإيراني على إسرائيل بعد ذلك، ولعل الساعات المقبلة تحمل الاجابة على هذه التساؤلات.