كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
فيما استمر العدوان الوحشي الإسرائيلي على لبنان بلا أي ضوابط أو قيود، وصف ديبلوماسي رفيع مهمّة الموفدين الرئاسيين الأميركيين آموس هوكشتاين وبريت ماكغورك إلى إسرائيل يوم الخميس الماضي، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بأنّها «كانت محاولة يائسة للاستفادة منها في الانتخابات الرئاسية الأميركية يوم الثلاثاء المقبل».
وكشف الديبلوماسي لـ» الجمهورية»، انّ الترويج الإعلامي لوجود تقدّم في المفاوضات، وبث مناخ إيجابي لإمكان الوصول إلى صفقة «كان مخالفاً لكل المعطيات والوقائع، لأنّ لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل تريد، في العمق، وقف الحرب الآن قبل تنفيذ أهدافها الاستراتيجية، ولا «حزب الله» في وارد القبول بالشروط المطروحة».
وأشار الديبلوماسي لـ«الجمهورية»، انّه حتى لو وافق لبنان و»حزب الله» على الشروط الواردة في المقترح الأميركي، فإنّ إسرائيل لن تكتفي بالعودة إلى ما قبل السابع من اكتوبر من العام الماضي ولا بتطبيق القرار الدولي 1701.
وأضاف: «أولاً، مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية الاميركية الثلاثاء المقبل، تلاشت قدرة واشنطن على ممارسة اي ضغط على إسرائيل. وثانياً، إنّ واشنطن في الأصل، تشارك رؤية نتنياهو في محاولته إخضاع «حزب الله» عسكرياً وأمنياً، لا بل تؤازره في تحقيق هذا الهدف. اما المحاولة الأخيرة لهدنة ووقف إطلاق نار، فيمكن قراءتها من زاوية السعي إلى الحصول على نقاط انتخابية لا اكثر ولا اقل».
تطور في موقف «حزب الله»
في المقابل، اكّدت مصادر قريبة من «حزب الله» لـ«الجمهورية»، أنّه في الأساس لم يكن هناك مفاوضات، ولم يتحدث أحد مع الحزب في موضوع وقف اطلاق النار والمقترحات التي نُشرت في وسائل إعلام أميركية واسرائيلية.
وفي السياق، كشف مصدر مسؤول لـ«الجمهورية» انّ المحاولة الأميركية الاخيرة بُنيت على تطور جديد في موقف «حزب الله»، وتمّ إبلاغه إلى هوكشتاين خلال زيارته قبل أسبوعين إلى بيروت ولقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وهذا التطور هو موافقة «حزب الله» على وقف إطلاق النار في لبنان بمعزل عن حرب غزة، اي ما فُسّر بأنّه وقف لإسناد «حماس» وفصل لوحدة الساحات.
وأكّد المصدر، ان ّالمحاولة الأميركية الأخيرة كُتب لها الفشل حتى قبل أن يأتي هوكشتاين وزميله ماكغورك إلى اسرائيل، لأنّ هدف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو الحسم العسكري وليس الحل السياسي، خصوصاً بعد ما راكمته القوات الإسرائيلية من إنجازات عسكرية وأمنية ضخمة من اغتيالات لقيادات الحزب وقوة الرضوان وتفجير أجهزة التواصل من «بيجرات» وأجهزة لاسلكية وتدمير هائل لبناه التحتية في عدد كبير من المناطق.
وإذ كان معلوماً انّ هوكشتاين لن يأتي إلى لبنان إلّا في حال حصوله على شيء جديد من إسرائيل يمكن البحث فيه والبناء عليه، فقد استعاض الموفد الأميركي عن الزيارة باتصالات هاتفية مع عدد محدود من المسؤولين، ليضعهم في نتائج مهمّته. ونقل زوار عن مسؤول هاتفه هوكشتاين، لـ«الجمهورية»، انّ الموفد الأميركي كان يزوّده بأجواء إيجابية وتفاؤلية حتى مساء الخميس، غير انّه كاشفه صباح امس بأنّ المحاولة فشلت، وبالتالي لا بدّ من الانتظار حتى انتهاء الانتخابات الأميركية، لمعاودة مساعي البحث عن حل ديبلوماسي ووقف إطلاق النار.
بري: الـ1701 خيار وحيد
في السياق، استقبل الرئيس بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة أمس، القائد العام لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان اللواء آرولدو لاثارو، وتناول البحث تطورات الأوضاع الميدانية جراء مواصلة إسرائيل لعدوانها على لبنان، وخصوصاً الأوضاع في منطقة عمل قوات «اليونيفيل» في جنوب الليطاني وما تتعرّض له مواقع هذه القوات من اعتداءات.
ونوّه بري بتضحيات قوات الطوارئ وصمودها في مواجهة إستهدافها من قبل العدو الاسرائيلي. واضاف: «إنّ إسرائيل أهدرت أقله منذ أيلول الفائت أكثر من فرصة محققة لوقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 وعودة الهدوء والنازحين على جانبي الحدود».
وقدّم رئيس المجلس شرحاً مسهباً لقائد «اليونيفيل» حول التفاهم الذي أُنجز مع الموفد الرئاسي الاميركي في أطار سعيه لوقف النار وتطبيق القرار 1701.
واكّد بري التزام لبنان بتنفيذ القرار 1701 باعتباره الخيار الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
ميقاتي: تعنت تل أبيب
من جهته، قال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي امس، إنّ التصريحات الإسرائيلية والمؤشرات الديبلوماسية التي تلقتها بيروت تؤكّد على تعنت تل أبيب ورفضها للقبول بالحلول المقترحة، مصرّةً بدلاً من ذلك على مسار العنف والدمار.
جاءت تصريحات ميقاتي خلال اجتماعه مع الجنرال أرنالد لازارو. وشدّد ميقاتي على أنّ «التصعيد الأخير من قبل إسرائيل هو دليل واضح على رفضها لكافة الجهود الرامية إلى تحقيق وقف إطلاق النار وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 بالكامل.»
وأشار إلى أنّ الجهود الديبلوماسية المماثلة المتعلقة بالأوضاع في غزة لم تؤدِ إلى نتائج، في حين «ازدادت الفظائع الإسرائيلية على كلا الجبهتين».
أما وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، عبد الله بو حبيب، فقد أعلن أنّ المحادثات من أجل وقف إطلاق النار لا تزال جارية. وأكّد اننا «ما زلنا مستمرين في المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار وجلب السلام إلى لبنان».
باريس: الـ 1701
أعربت وزارة الخارجية الفرنسية عن الحاجة الملحّة لوقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، مؤكّدة على ضرورة التوصل إلى تسوية ديبلوماسية تستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701. وأوضحت أنّ القرار 1701 يُعدّ إطاراً أساسياً لضمان أمن السكان في كل من لبنان وإسرائيل، ويُعزز العودة الآمنة للنازحين الذين تأثروا بالأحداث الحالية.
ميدانياً: غارات وشهداء
تواصل العدوان الإسرائيلي أمس، حيث شنت المقاتلات الإسرائيلية غارات عنيفة استهدفت أماكن جديدة في الضاحية الجنوبية لبيروت فجر أمس، وتكثفت الغارات نهاراً جنوباً وبقاعاً حاصدة مزيداً من الشهداء والجرحى. واستهدفت ليلاً شقة سكنية في عين الرمانة -عاليه لجهة بلدة القماطية، ما ادّى إلى استشهاد ثلاثة أشخاص وإصابة 5 آخرين بجروح.
وفي البقاع، شنّ الطيران المعادي غارات على حي الزهراء في بعلبك، وبلدتي طاريا وبوداي غرب بعلبك، ومرتفعات بلدة قصرنبا والبزالية وأطراف بلدة رسم الحدث لجهة حربتا في البقاع الشمالي وعلى اللبوة ونحلة. وأغار على منزل في أمهز، أشارت الحصيلة الأولية إلى سقوط 8 شهداء. ودمّر الطيران الحربي منزلاً في رأس العين في بعلبك، عند مدخل حي مأهول بالسكان.
اما جنوباً، فشنّ الطيران الإسرائيلي صباح أمس غارات على مدينة بنت جبيل، وبلدة وادي جيلو – عيتيت في قضاء صور، تزامناً مع تحليق الطيران المسيّر والاستطلاعي في أجواء صور ومحيطها. كما شنّ غارات واسعة استهدفت بلدات كونين، عيناثا، الجميجمة، برعشيت، حانين ومجدل سلم، وأطراف بلدتَي الشهابية والمجادل، تزامناً مع قصف مدفعي متقطع طاول مدينة بنت جبيل وبلدات حانين والطيري وكونين. وفجراً، أغار الطيران الحربي على حسينية بلدة خربة سلم ومستوصف تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية في البلدة ما أدّى إلى تدميره.
كما استهدفت الغارات منزلاً في بلدة يحمر الشقيف، قضاء النبطية، فدمّرته وسّوته بالأرض. وشنّ 5 غارات عنيفة على الحيَّين الشرقي والغربي في البلدة تسبّبت بتدمير منازل. كما شنّ سلسلة غارات على صور، ترافق ذلك مع قصف مدفعي على أحياء عدة في يحمر الشقيف، وصولاً إلى بلدة ارنون ومحيط قلعة الشقيف لجهة الخردلي مع تحليق لمسيّرات فوق يحمر أرنون كفرتبنيت والزوطرين الغربية والشرقية ومزرعة الحمرا وقلعة أرنون.
ردّ المقاومة
في المقابل، دوّت صفارات الإنذار في مستوطنات عدة في إصبع الجليل بينها كريات شمونة. وأعلن الجيش الإسرائيلي «رصد حوالى 10 صواريخ عبرت من لبنان، حيث تمّ اعتراض بعضها وسقطت أخرى في مناطق مفتوحة». كما أطلقت صفارات الإنذار في قرية الغجر في القطاع الشرقي من الحدود مع لبنان.
مساعدة فرنسية
من جهة أخرى، أشرف السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو على تسليم المساعدات التي وصلت صباح امس إلى مبنى الشحن في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت والتي أُقرّت في المؤتمر الدولي لدعم لبنان في باريس.
منسقة الأمم المتحدة
وحذّرت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت من المخاطر التي تشكّلها الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل على المواقع الأثرية، لا سيما في مدينتي بعلبك في شرق البلاد وصور في الجنوب، اللتين تعرّضتا لغارات مكثفة مؤخّراً. وأشارت بلاسخارت في منشور على منصة «إكس» إلى أنّ «مدناً فينيقية قديمة ضاربة في التاريخ تواجه خطراً شديداً قد يؤدي إلى تدميرها»، مضيفةً أنّه «يجب ألاّ يصبح التراث الثقافي اللبناني ضحية أخرى لهذا الصراع المدمّر».
استهداف المرافق الصحية
وأعربت منظمة الصحة العالمية عن «قلق بالغ» من الهجمات الإسرائيلية التي تطال مرافق صحية وعاملين في القطاع الصحي في لبنان.
وقالت المتحدثة باسم المنظمة مارغريت هاريس في إحاطة صحافية في جنيف: «نحن قلقون فعلاً، نشعر بقلق بالغ جراء الهجمات المتنامية على عاملين في المجال الصحي ومنشآت صحية في لبنان، ونجدد التأكيد مراراً وتكراراً أنّ الرعاية الصحية يجب ألّا تكون هدفاً وأنّ العاملين في المجال الصحي يجب ألّا يكونوا هدفاً»، مشيرة إلى انّ «رغم التحقق من وقوع 55 هجوماً، من المرجح أن يكون العدد الفعلي أعلى بكثير».