الجمعة 18 رمضان 1445 ﻫ - 29 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

ميقاتي ينأى عن تعطيل حكومته ويحشر عون دوليًّا

محمد شقير - الشرق الأوسط
A A A
طباعة المقال

استبق «التيار الوطني الحر» ردّ رئيس الجمهورية ميشال عون على التشكيلة الوزارية التي تسلّمها من رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وبادر إلى رفضها، بعد أن تولى تسريبها إلى معظم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وهذا ما أزعج ميقاتي، وكان وراء اتهام مصادر مقربة من دوائر القصر الجمهوري بأنها تولّت تسريبها، برغم أنه كتب أسماء الوزراء الواردة في التشكيلة بخط يده لقطع الطريق على تسريبها.

«التيار الوطني الحر»، كما تقول المصادر المقربة، لم ينتظر رد فعل عون على التشكيلة الوزارية، وسمح لنفسه بأن ينوب عنه في رفضها برعايته للحملة الإعلامية المنظّمة التي استهدفتها بطلب مباشر من النائب جبران باسيل، مع أنه يدرك سلفاً أن ما قام به ميقاتي يأتي في سياق صلاحياته الدستورية التي تمنحه حق اختيار الوزراء، ويعود لعون أن يطلب إدخال تعديلات عليها، أو يمتنع عن التوقيع على مرسوم تشكيلها.

كما أن «التيار الوطني الحر» وإن فوجئ بتوجّه ميقاتي إلى بعبدا لتسليم عون نسخة من التشكيلة الوزارية بعد أقل من 24 ساعة على انتهائه من الاستشارات النيابية، فإن مفاجأته تكمن بعدم تخصيص اللقاء الأول بينهما بعد الاستشارات، لإطلاع رئيس الجمهورية على نتائجها والتشاور معه في الإطار السياسي للتركيبة الوزارية المنشودة، إضافة إلى أنه سلّم عون التشكيلة إصراراً منه على عدم إدخال شريك ينوب عن عون، ويتولى التفاوض مع الرئيس المكلف، على غرار ما كان يحصل في السابق.

وربما أخطأ «التيار الوطني الحر» في تقديره لعامل السرعة الذي أملى على ميقاتي اختيار التوقيت المناسب لإيداعه التشكيلة الوزارية لدى عون، لئلا يقحم نفسه في لعبة الابتزاز ورفع سقف المطالب؛ خصوصاً أن عون سيحيله على باسيل، ليس للوقوف على رأيه فحسب، وإنما لتلبية بعض شروطه؛ خصوصاً أن عون، كما يقول مرجع حكومي سابق لـ«الشرق الأوسط»، لا يحرّك ساكناً من وراء ظهر وريثه السياسي، فكيف إذا كانت المسألة تتعلق بتشكيل آخر الحكومات في عهد عون؟

ويلفت المرجع الحكومي إلى أن عون يخطئ إذا اعتقد أنه لا يزال في الموقع الذي يتيح له إملاء شروطه لأنه لن يجد من يشاركه وصهره باسيل في تعطيل تشكيل الحكومة العتيدة، وتحديداً في حال قرر الاعتماد على حليفه «حزب الله» الذي لن يجاريه في تصعيده السياسي، لأنه لا يعترض على التشكيلة الوزارية المطعّمة التي أعدها ميقاتي، وأمّن لها شبكة الأمان، لتوفير كل أشكال الحماية لحكومته التي يمكن أن يعيق عون ولادتها.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن «حزب الله» ليس في وارده تسجيل اعتراضه أو تحفّظه على التشكيلة الوزارية، وأن رئيس المجلس النيابي نبيه بري وافق عليها، وهو لم ينقطع عن التواصل مع ميقاتي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحزب «التقدمي الاشتراكي» الذي اتخذ قراره بتسهيل مهمة الرئيس المكلف، من دون أن يشارك في الحكومة، ويمكن أن يعيد النظر في موقفه باتجاه منحها الثقة، بعد أن أدى التعديل الوزاري إلى استبعاد الوزير عصام شرف الدين، المحسوب على النائب السابق طلال أرسلان، واستبداله بالوزير وليد عساف الذي يدور في فلك «اللقاء الديمقراطي».

فالحكومة المطعّمة التي تقدّم بها ميقاتي تُعتبر من وجهة نظر المرجع الحكومي السابق أفضل الممكن، وإن كانت أقل من المطلوب، ولا خيار أمام الرئيس المكلف سوى الإسراع في إعدادها، لأن ضيق الوقت لا يسمح بالمراوحة، وتأتي استجابته لإصرار معظم الكتل النيابية التي أيدت تكليفه بتشكيلها على ضرورة الإسراع في إنجازها.

لكن يبقى الأهم من وجهة نظر مصدر سياسي بارز أن ميقاتي أراد أن يوجّه رسالة يتجاوز فيها الداخل إلى الخارج، مع استعداد لبنان لاستضافة مؤتمر وزراء الخارجية غداً (السبت) لإعلام المؤتمرين بأنه يتحمّل مسؤوليته بالكامل، ولن يسمح بهدر الوقت وإضاعة الفرصة بتشكيل حكومة تأخذ على عاتقها مواصلة الجهود لإنقاذ البلد.

كما أن ميقاتي، وفق المصدر نفسه، أراد أن يتوجّه بموقفه إلى المجتمع الدولي بأنه ماضٍ في تحمّل مسؤوليته ولن يستسلم للابتزاز أو للشروط التي تمنعه من الالتفات إليه طلباً لمساعدة لبنان لإخراجه من أزماته الكارثية، وهذا ما سيؤدي حكماً إلى إحراج عون، في حال بادر إلى تصعيد موقفه لمنع تشكيل حكومة لا تأتي على قياس باسيل وتلبي طموحاته.

وعليه، يتحصّن ميقاتي برعاية دولية وعربية، ليس لرفع المسؤولية عنه في تأخير تشكيل الحكومة فحسب، وإنما لمحاصرة عون الذي لن يكون أمامه خيار سوى رفض التشكيلة الوزارية، ما يضطر ميقاتي إلى إحراجه بطرح صيغة بديلة قد تكون الأخيرة، مع أن مثل هذا الخيار لم يتم التداول فيه، وقد يكون البديل الذي هو في متناول اليد الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال، وإنما هذه المرة على وقع اندلاع اشتباك سياسي لن يبقى محصوراً بعون وميقاتي، وإنما قد يتمدد باتجاه الدول الداعمة لاستمرار ميقاتي على رأس الحكومة.

ومع أن عون أبلغ معظم السفراء المعتمدين لدى لبنان أنه لن يبقى دقيقة واحدة في بعبدا بعد منتصف ليل 31 تشرين الأول، فإن فريقه السياسي يسعى الآن لابتداع «فذلكة» دستورية تجيز له التمديد لمنع إغراق البلد في الفراغ، في حال تعذّر انتخاب رئيس جديد خلال المهلة الدستورية، ويمكن إذا ما تقيّد بها أن تجلب الويلات له في ردّ فعل المجتمع الدولي حيال عدم التزامه بالدستور؛ خصوصاً أن الظروف الدولية والعربية التي كانت وراء عدم انتخاب رئيس خلفاً للرئيس أمين الجميل لم تعد قائمة، وهذا ما سيؤدي إلى إطباق الحصار الدولي على عون.