الجمعة 19 رمضان 1445 ﻫ - 29 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

إدلب الممنوعة من الدعم.. والنظام المأخوذ بالفراغ

لم تحرك عشرات الصور المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي، للضربات في ادلب، ساكناً في العالم، للتضامن مع المدنيين، رغم ثقل القصف، والتقدم السوري النظامي في المنطقة بتمهيد من غطاء مدفعي وصاروخي وضربات جوية. فالحدث السوري، لم يعد أولوية في العالم. ينظر اليه كثيرون على أنه حدث مكرر، أما الضخ الإعلامي لشيطنة إدلب، منذ ثلاث سنوات، فقادها الى موقع التهميش في السياسة الدولية.

 

ونجحت بروباغندا النظام، ومعها مجموعة كبيرة من وسائل الاعلام العالمية، بشيطنة المحافظة منذ انطلاق عملية الترانسفير السوري اليها. جميع المصالحات التي عقدت في المناطق السورية، قادت رافضي المصالحات الى محافظة ادلب. لم يفصّل الاعلاميون هوية النازحين اليها.. كعدد المدنيين الذين انتقلوا، وممثلو الفصائل العسكرية المطلوبين من النظام. وُضِع الجميع في خانة واحدة، خانة المتطرفين.

منذ ذلك الوقت، نُسبت الى الجميع تهمة “الارهاب” والتشدد. شيئاً فشيئاً، دُمغت المحافظة بتهمة الإرهاب. مرة سُمّيت “قندهار السورية”، ومرة أخرى “مجمع الإرهاب السوري”. تركزت العبارات في ذهن الجمع العالمي لشدة تكرارها من قبل الإعلام العالمي. وإثر التكرار، بات “القصاص من المتشددين” أُمنِية دولية، ساهمت الى حد كبير في غض الطرف السياسي عن المحافظة وسكانها، المدنيين وغير المدنيين.

والتهميش الإعلامي الدولي، الذي اقتصر على تغطيات إخبارية تتحدث عن “تقدم القوات الحكومية” و”انحسار رقعة سيطرة تنظيم النصرة وحلفائه”، ليس الوحيد الذي قاد الى رفع الغطاء الدولي عن المحافظة، ما مكّن النظام، في لحظة التخلي الدولية، من شنّ عملية عسكرية مدعومة من روسيا في توقيت مميت، ينشغل فيه العالم بأولويات سياسية.

فالسوريون أنفسهم، الذين أثاروا الحملات للفت نظر العالم الى حلب في وقت سابق، أو حمص أو الغوطة الشرقية لدمشق، تراجع اهتمام الكثير منهم بالحدث السوري. تضاءلت الحملات الإلكترونية والإعلامية في المعركة الأخيرة التي سيطر فيها النظام على عشرات القرى والبلدات، بينها معرة النعمان وخان طومان الاستراتيجيتان. الملف المعيشي، وارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية، أكثر أولوية بالنسبة إليهم.

وينسحب الأمر على السوريين الذين خرجوا من البلاد الى مواطن لجوء جديدة. هؤلاء تراجع اهتمامهم بالحدث، ويكتفون بالتضامن مع اشقائهم العالقين بين الصواريخ والمدافع في إدلب وريف حماه الجنوبي الغربي. صُور يتيمة، لا ترتقي الى مستوى الحملات المؤثرة التي دفعت دولاً مؤثرة في العالم لوضع خطوط حُمر أمام حملات النظام العسكرية. فهؤلاء السوريون في الخارج، مشغولون بحيواتهم الجديدة، وبترتيبها، وبطرق التأقلم معها، ولم يعودوا كتلة مؤثرة بعدما فرّقتهم الأزمات في الشتات.

في الداخل السوري، لم يشارك الأكراد في حملات مشابهة ايضاً. تضامن ضئيل، لدى عدد قليل، يفسر حجم الانقسام السياسي والإثني بين مكونات الشعب السوري. فالكردي ينظر الى السوري المعارض على أنه خصم، دعَم تركيا في معركة إقصائه من الحدود السورية – التركية. وعليه، يشاهد ويترقب، ولا يرفع صوتاً مؤثراً في وجه الحملة العسكرية التي تغطيها روسيا، ويصمت عنها العالم.

في هذه اللحظة، استغل النظام لحظة التخلي الدولي، والانشغال السوري، والانقسام بين مكونات الشعب. ربما لم ينَل غطاءً دولياً، لكنه استفاد من الصمت. يدخل النظام الى مدن فارغة، لم يبقَ فيها من الناس مَن يصمد. ولم يبق على أطرافها ما يستوجب تضامناً بين الفصائل التي شرخها الاقتتال، وخنقتها محاولات الاستئثار والسيطرة، وكبّلتها التوجهات الجديدة التي فرضتها قوى متشددة.

غير أن الغطاء المفقود للمعارضة، لا يعني بأي من الاشكال بأن موالي النظام وفروا غطاء له، أو دعموه، أو أيّدوا معركته. هؤلاء أيضاً يطّلعون على الاخبار، ويمرون عليها مرور الكرام. لا تسويق لانتصارات، ولا تلميع لبطولات. فالشعب السوري، في مناطق سيطرة النظام، مشغول بنفسه. بانعدام الخدمات الطبية، وبالقلق من فقدان مادة المازوت للتدفئة، ومن فقدان الغاز من الأسواق. يسأل عن عملته التي تتدهور، وارتفاع الأسعار الجنوني.

وحده النظام يسوّق لانتصاراته. انتصارات في مدن فارغة، لا ترفع الجموع وراء قواته أناشيد النصر، فيما العالم ما زال يتفرج على مآلات هذا التقدم، ويُحصي الضربات الجوية الروسية والصاروخية النظامية، ويحصي أعداد اللاجئين الى شمال ادلب.