الخميس 18 رمضان 1445 ﻫ - 28 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

الأسد يكتم أنفاس الصندوق الأسود ويعيده إلى البيت!

أقال رئيس النظام السوري بشار الأسد، أربعة ضباط أمن، دفعة واحدة، يقودون أشد المؤسسات الأمنية التي روّعت السوريين طيلة عقود، وعيّن مكانهم، ضباطاً آخرين سبق وتم إدراجهم في لوائح عقوبات أوروبية وأميركية.

وفيما كانت بعض إقالات رؤساء الأجهزة الأمنية، بمثابة تعديل أقرب للروتيني، يجريه نظام الأسد كتغيير مدير الأمن الجنائي، جاءت إقالة اللواء جميل الحسن، مدير الاستخبارات الجوية، واللواء ديب زيتون، مدير ما يعرف بجهاز أمن الدولة، مفاجئة حتى لأنصار النظام الذين احتفوا منذ أيام، بزيارة اللواء الحسن، إلى إحدى المناطق بين ريفي إدلب وحماة الساخنة التي تقصفها قوات النظام وروسيا، منذ شهر نيسان/أبريل الفائت.

وتأتي إقالة اللواء الحسن الذي حل مكانه اللواء غسان جودت إسماعيل، الذي يعتبر أحد أبرز مفاصل النظام السوري الأمنية، منذ ثمانينات القرن الماضي، بعد الإشارة الحمراء التي وضعها الإنتربول الدولي على اسمه، للقبض عليه بصفته مجرم حرب كانت له اليد الطولى بسفك دماء المتظاهرين السلميين منذ عام 2011، وبعد سلسلة العقوبات التي أعلنها الاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية، بحقّه.

وكانت سرت أنباء، في الأيام الأخيرة، عن انزعاج روسي من ظهور اللواء الحسن في مناطق ريفي محافظتي حماة وإدلب، باعتباره مطلوبا دولياً على سلسلة جرائم قتل متظاهرين وتصفية معتقلين معارضين للنظام، تحت التعذيب أو بالقتل البارد.

ونقل أنصار الأسد نقلا عن لسانه، قوله لبعض ضباط الأسد في حماة وإدلب اللتين زارهما في الفترة الأخيرة: “جئتُ لأكون بينكم!” ثم لتتم إقالته بعد أقل من أسبوعين على هذه الزيارة.

وكانت السلطات الألمانية قد طالبت باعتقال اللواء جميل الحسن، إثر أنباء سرت عن زيارته العاصمة اللبنانية بيروت لتلقي العلاج أوائل العام الجاري، حسب ما أشاعت أوساط النظام كون زيارته لبنان قد تكون مرتبطة بتنسيق عملياتي مع ميليشيات “حزب الله” اللبناني المتورطة مع نظام الأسد بسفك دماء آلاف السوريين المعارضين، بحسب متابعين.

وجاء الطلب الألماني باعتقال الحسن، بصفته مجرم الحرب الأكثر وحشية ودموية إلى الدرجة التي عبّر فيها علناً عن انتقاده نظام الأسد، لأنه لم يستخدم عنفاً أكبر لقمع معارضيه، وطالبه بتكرار تجربة أبيه مع معارضيه في “حماة” السورية أول ثمانينيات القرن الماضي التي راح ضحيتها آلاف السوريين بسبب القصف والتنكيل والقتل تعذيباً. خاصة وأن اللواء الحسن، كان في عداد قوات جيش حافظ الأسد، برتبة ملازم، عندما اقتحم “حماة” وارتكب فيها مجزرته المروعة التي راح ضحيتها عشرات آلاف السوريين.

واعتبر المدعي العام الألماني، في شهر حزيران يونيو من عام 2018، اللواء الحسن مسؤولا مباشرا عن أفظع الجرائم التي ارتكبها النظام السوري بين عامي 2011 و2013، مضيفا أن من بين التهم التي سيحاكم عليها، هي إعدام المعارضين بدون أي محاكمات، وذلك إثر دعوة قضائية رفعها المعارض والحقوقي السوري أنور البني بحق الحسن، أمام القضاء الألماني، كانت وثائقها الدامغة والأكيدة، سببا بإصدار النائب العام الألماني أمرا باعتقاله ومحاكمته.

واللواء الحسن مسؤول عن قتل السجناء السياسيين المعارضين لبشار الأسد، خاصة أولئك الذين تم اعتقالهم مع بدء الثورة السورية عام 2011، ويعتبر صاحب الفكرة الشيطانية كما يصفها معارضو النظام، بإلقاء القنابل المتفجرة على المدنيين السوريين وقتلهم بالجُملة، حتى أصبح لقبه “عرّاب البراميل” المتفجرة التي سفكت دماء آلاف النساء والأطفال السوريين، منذ الأشهر الأولى للثورة السورية.

جرائم الحسن
واشتهر الحسن باقتلاع حنجرة المعارض السوري، غياث مطر الذي اعتقلته استخبارات الأسد الجوية بتاريخ 6 أيلول/سبتمبر عام 2011، ثم سلّم إلى أهله بعد أربعة أيام من اعتقاله، وهو جثة هامدة، بعد اقتلاع حنجرته. وأكدت مصادر سورية معارضة، أن الحسن لم يكتف فقط بالأمر باقتلاع حنجرة المعارض مطر، بل أشرف شخصيا على تنفيذ العملية التي هزّت الرأي العام الدولي في ذلك الوقت.

ويعتبر الحسن صندوق الأسد الأسود، لما يحتويه من أسرار النظام المرتبطة بأوامر القتل والتصفية العشوائية للمدنيين السوريين. ويرى محللون، أن إقالته جاءت على خلفية القلق من اعتقاله، لحساب أي جهة، وما يمكن أن يخرج من صندوقه الأسود المليء بجرائم الحرب التي نفذها بأوامر حالية من رئيسه الحالي بشار، أو رئيسه السابق الراحل، حافظ، بحسب محللين. كذلك الرفض الروسي لظهوره علناً، في ريفي حماة وإدلب اللتين تقاتل فيهما موسكو عبر رجلها المقرب العميد سهيل الملقب بالنمر والذي يأتمر مباشرة بأمر اللواء الحسن، كونه تابعا له وتحت سلطته الإدارية والأمنية.

وأقال الأسد، اللواء محمد ديب زيتون، من منصبه وعين مكانه اللواء حسام لوقا، ويعتبر زيتون مسؤولا عن كافة جرائم شعبة الأمن السياسي ما بين عامي 2011 و2012، بصفته مديرا لها منذ ما قبل الثورة السورية. وأصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، في نهاية عام 2011 تقريرا تحمّل فيه زيتون وضباطا آخرين، مسؤولية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، خاصة في محافظة درعا التي فتح فيها الأمن السياسي النار على المتظاهرين.

وقام الاتحاد الأوروبي بحظر سفر زيتون وتجميد أصوله في أوروبا، بسبب أعماله الوحشية ضد المتظاهرين السلميين عام 2011، ثم تحميل زيتون مسؤولية جميع الجرائم المرتكبة في إدارة أمن الدولة التي تسلمها عام 2012، ليتم إدراجه لاحقا، تحت لائحة عقوبات أوروبية وبريطانية وأميركية وكندية، على سلسلة من جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وقتل المعتقلين تعذيباً.

وحصلت تسريبات نقلتها بعض المواقع الإلكترونية، في الأيام الأخيرة، تحدثت عن ما وصف بـ”تنافس” روسي إيراني على تبعية ضباط الأسد الكبار، ما بين موسكو وطهران، وقيل في هذا السياق، إن روسيا لا ترغب بوجود بعض ضباط الأسد المشهورين عالميا بجرائمهم الوحشية، من خلال مسعاها لترتيب حل للأزمة السورية والمطالبة بمحاكمات مجرمي النظام المعاقبين دوليا.

انزعاج روسي “مكتوم”
ولفتت الزيارة التي قام بها مجرم الحرب، اللواء جميل الحسن، بحسب التصنيفات القانونية الدولية ذات الصلة، منذ أيام، إلى ريفي إدلب وحماة اللتين تقاتل روسيا فيهما، عبر القصف الجوي وبعض القوات المنتشرة على الأرض، خاصة وقول الحسن لضباط الأسد إنه جاء ليكون معهم، أدى لانزعاج روسي “مكتوم” بحسب معلقين، كون الرجل “فضيحة دموية متوحشة تمشي على قدمين” كما قالوا.

ويتخلص نظام الأسد، بين الوقت والآخر، من الضباط التنفيذيين الكبار الذي يعتبرون من مفاصل حكمه، خاصة الذين يتهمون بجرائم يمكن لها أن تزلزل النظام في حال كشف أسرارها، كجريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري، عام 2005، التي تسببت “بانتحار أو قتل” اللواء السوري غازي كنعان الذي قتل وهو وزير لداخلية الأسد. ثم وفاة اللواء رستم غزالي الغامضة إثر عراك خاضه مع أحد ضباط الأسد، الأمر الذي فسره متابعون، على أنه أمر تصْفية، خاصة وأن غزالي من الضباط السوريين الذين كانوا على رأس عملهم في لبنان، وقت اغتيال الحريري.

ويأتي تخلص الأسد، من صندوقه الأسود، اللواء جميل الحسن، بعدما ارتفعت إمكانية القبض عليه، خطفاً أو اعتقالاً، ومسعى الشرطة الدولية لاعتقال الرجل، الأمر الذي يمكن أن يشكل ضربة قاصمة للنظام، في حال قام الحسن بفتح صندوقه ونشر ما فيه من مجازر مروعة، تمت جميعها، بأوامر مباشرة من رئيس النظام، بشار حافظ الأسد.