الأربعاء 15 شوال 1445 ﻫ - 24 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

النفط السوري يسيل لعاب واشنطن.. من يصدق ذلك؟

تفوق تكاليف القيادة الأميركية للعالم بكثير الفوائد المتأتية منها. هذا ما حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رجل الأعمال الذي رفع شعار “أميركا أولا”، تسويقه. يرى ترامب أنه من الأفضل إنفاق تلك الأموال داخل الولايات المتحدة، وليس خارجها، على الأقل إرضاء للناخبين.

ما من شك أن ميزانية الدفاع الأميركية البالغة 700 مليار دولار سنويا، هي مبلغ كبير، خاصة إذا أضفنا لها ما تنفقه واشنطن على الأمن القومي والمساعدات الخارجية والدبلوماسية والحفاظ على الترسانة النووية والتي تبتلع 800 مليار دولار.

قد تبدو مثل تلك الحجج مقنعة بالنسبة للناخب الأميركي؛ لماذا نخاطر بأرواح جنودنا وننفق أموالا نحن في أشد الحاجة لإنفاقها على الخدمات الصحية والتعليمية والرعاية الاجتماعية، في أماكن تبعد عن شواطئنا آلاف الأميال؟ أما بالنسبة للمسؤولين وخبراء الأمن القومي، فإن الحجج التي سوقها الرئيس الأميركي مضللة وساذجة للغاية.

دفع إرضاء الناخبين ترامب إلى الإعلان عن عزمه سحب القوات الأميركية من سوريا ثلاث مرات، خلال الـ18 شهرا الماضية. وفي كل مرة يتدخل مسؤولون كبار في إدارته لإقناعه بضرورة التراجع عن قراره.

أول قرار بالانسحاب أعلنه في مارس العام الماضي، وتراجع عنه بعد شهر بضغط من وزير الدفاع آنذاك، جيم ماتيس. إلا أن العلاقة ساءت بين الرئيس ووزير دفاعه في نهاية عام 2018، ليعلن ترامب مرة ثانية عن سحب قواته من سوريا، وهو ما دفع ماتيس إلى الاستقالة. رغم غياب ماتيس، لم ينفذ ترامب قرار الانسحاب، مذعنا لضغوط من مسؤولين آخرين على رأسهم مستشار الأمن السابق، جون بولتون.

وكشف تقرير كتبه المقدم الأميركي المتقاعد دانييل دافيز، ونشرته مجلة (ناسيونال انترست) أن صبر ترامب نفد بعد إقالة بولتون؛ خاصة إثر مكالمة هاتفية مثيرة للجدل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 6 أكتوبر. يومها أعلن البيت الأبيض أن القوات الأميركية لن تتورط في العملية العسكرية التي ستقوم بها القوات التركية في شمال سوريا وستنسحب من مواقعها.

للمرة الثالثة تعرض ترامب لضغوط من الكونغرس، الذي أصدر قرارا بالأكثرية يدين خطته، ونجح السناتور لندسي جراهام والجنرال جاك كين في إقناع الرئيس بإبقاء القوات الأميركية في سوريا لحماية حقول النفط. وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أعلنت أن الولايات المتحدة ستتصدى لأي محاولة لانتزاع السيطرة على حقول النفط السورية باستخدام “القوة الساحقة”.

رغم ذلك، هناك من يرى أن بقاء القوات الأميركية في سوريا لم يعد له داع، وأن مهمة حماية حقول النفط السورية تتعارض مع القانون الدولي، خاصة وأن الكونغرس لم يصدر أي قرار يجيز القيام بمزيد من العمليات العسكرية هناك.

ويبلغ العدد الإجمالي للقوات الأميركية التي ستتواجد في سوريا ما يقرب من 1000 عسكري، 250 منها ستبقى في محافظة دير الزور شرق سوريا، فيما سيبلغ عدد العسكريين الأميركيين في محيط حقول النفط نحو 500 جندي، إلى جانب قوات في منطقة التنف.

وتسعى بعض القيادات الأميركية في مراكز القرار لإقناع الرئيس بزيادة نوعية في عدد القوات المتواجدة في سوريا إلى نحو 50 ألف جندي، على أن تكون البداية بعشرة آلاف جندي، لكن أوساط البيت الأبيض تبدو مترددة حتى الآن في الموافقة على الاقتراح.

ويشكك دانييل دافيز في تقريره بذريعة حماية النفط السوري قائلا “حتى وإن كان هناك أساس قانوني لحماية حقول النفط، إلا أن كمية النفط الموجودة في تلك الحقول تعتبر ضئيلة، ولا تمثل أي مكسب استراتيجي لبلادنا، مقابل المخاطر الكبيرة التي يتعرض لها الجنود. لم يعد لنا أي شيء نكسبه في سوريا بل يوجد الكثير لنخسره”.

دعونا نجيب على سؤال، هل ما تمتلكه سوريا من نفط يستحق أن يسيل لعاب واشنطن؟

لا توجد دراسات علمية دقيقة ومستقلة حول ما تملكه سوريا من موارد طاقة، إلا أن موقع “أويل برايسز” المختص في أخبار النفط والطاقة، ومقره بريطانيا، ذكر مؤخرا أن إجمالي الاحتياطي النفطي في سوريا يقدر بنحو 2.5 مليار برميل، وهي كمية ضئيلة جدا مقارنة باحتياطي المملكة العربية السعودية، الذي يبلغ نحو 268 مليار برميل؛ أكثر من 100 ضعف احتياطي سوريا.

وحسب صندوق النقد الدولي، كان إنتاج النفط السوري يقدر بنحو 380 ألف برميل يوميا، قبل اندلاع القتال، ليتراجع إلى 40 ألفا فقط منذ عام 2011.

لا بد من إجراء بعض العمليات الحسابية، سعر برميل النفط اليوم يقارب 60 دولارا، إذا خصمنا منه سعر كلفة الإنتاج، آخذين بعين الاعتبار أن أقل كلفة إنتاج هي في الكويت وتبلغ 8.5 دولار للبرميل، وأن كلفة الإنتاج تصل في الجزائر إلى 25 دولارا للبرميل، وافترضنا أن كلفة البرميل في سوريا بحدود 12 دولارا فقط، سيصبح العائد من البرميل الواحد 48 دولارا، بالسعر المتداول اليوم.

أي أن قيمة عوائد النفط السوري، المنتج اليوم، هي أقل من 2 مليون دولار يوميا، أي 60 مليون دولار في الشهر. والعوائد في في ذروة الإنتاج لن تتجاوز 500 مليون دولار في الشهر، أي 6 مليارات دولار في العام.

كان لا بد من إجراء هذه الحسابات، لنقول إن مبلغا مثل هذا، حتى في حال حصلت عليه الولايات المتحدة كاملا، هو مبلغ ضئيل لا يغطي نسبة بسيطة من كلفة التواجد الأميركي في سوريا.

لطالما بدا الرئيس الأميركي صريحا بالأشياء التي يريد الحصول عليها، وتشهد على ذلك تصريحاته شديدة الوضوح، التي تطالب الدول بالدفع مقابل الحماية. إلا أن ولعه بالنفط السوري أريد به التمويه عن الأسباب الحقيقية لعزم الولايات المتحدة التواجد العسكري الدائم في سوريا، والذي يخدم أهدافا من بينها منع إيران من إنشاء خط تواصل بري عبر الأراضي العراقية، وصولا إلى سواحل المتوسط في سوريا ولبنان، لحرمانها من خط الإمداد للمجموعات المسلحة المرتبطة بها، والتي يمكن أن تشكل تهديدا لحلفاء واشنطن في المنطقة.

ويشكل التواجد العسكري بديلا احتياطيا عن قاعدة أنجرليك التركية ذات الأهمية، في حال تعمقت الخلافات بين واشنطن وتركيا. ويخفف من عواقب فقدان الولايات المتحدة البعض من مكاسبها في العراق.

أما الهدف الأهم، فهو مواجهة النفوذ الروسي، الذي أصبح متواجدا بشكل دائم على شواطئ البحر المتوسط، في القاعدة البحرية في محافظة طرطوس، وخلق حالة من التوازن العسكري في الأجواء السورية، بعد إقامة روسيا قاعدة جوية لها في محافظة اللاذقية على الساحل السوري.