الجمعة 10 شوال 1445 ﻫ - 19 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

خبير اقتصادي: تكلفة إعمار سوريا مضخمة و"جزرة وهمية"!

شدّد الخبير الاقتصادي والسياسي السوري البارز، سمير العيطة، رئيس منتدى الاقتصاديين العرب ورئيس التحرير السابق للنشرة العربية في “لوموند دبلوماتيك”، على أنّ الرقم الذي يتمّ تداوله بين مئتين وأربعمئة مليار دولار عن تكلفة إعادة الإعمار في سوريا “مُضخّم”.

وشرَح العيطة في مقابلة مع “العربية.نت” من باريس، أنّ “هذا الرقم هو تقدير الخسارة الاقتصاديّة التي نتجت عن الصراع في سوريا، وأغلب تلك الخسارة تعود لعامي 2012 و2013. والجزء الأكبر من هذا الرقم هو ما لم يُنجَز افتراضياً من الناتج المحلّي الإجمالي لو استمرّت الأوضاع على ما كانت عليه. هذا رقم افتراضي لا علاقة له بتكلفة “إعادة الإعمار”. تكلفة إعادة الإعمار أقلّ من ذلك بكثير. والمزج بين الاثنين هدفه سياسيّ، “جَزَرَة وهميّة” تضعُها بعض الدول أمام السلطة و”المعارضة” على السواء للتأثير على الأحداث وعلى الحلّ. واللافت هو أنّ الجهات التي تضخِّم الأرقام عن سوريا إعلامياً هي نفسها تلك التي تقلِّص الأرقام عن اليمن، مع أنّ احتساب الخسارة الاقتصادية جرّاء الحرب بذات الطريقة قد يؤدّي إلى أرقام متشابهة بين البلدين”.

كما أكّد في هذا الصدد أنّ “أي جهة لم تأتِ حتّى الآن بأيّ تقديرٍ جديّ لتكلفة إعادة الإعمار بحدّ ذاتها، إلاّ أنّ ما تمّ تقديره ضمن حسابات الخسائر الاقتصاديّة المضخّم أعلاه، هو الجزء الخاصّ بالأضرار في المساكن والبنى التحتيّة ووسائل الإنتاج، وهو بين 50 و80 مليار دولار فقط!”.

وأضاف أن “رقماً بحوالي 50 مليار دولار أقرب للواقع. لكنّ السؤال بعد ذلك هو ما الذي تحتاجه سوريا تمويلاً من الخارج، استيراداً أو استثماراً، وما الذي يُمكن أن تموّله ذاتياً عبر إعادة إطلاق عجلتها الاقتصاديّة. وفي جميع الأحوال، لن يستطيع بلدٌ حجم ناتجه المحلّي اليوم بحوالي 12 مليار دولار وميزانيّة حكومته ما يوازي 5 مليارات دولار أن يُنفِق بشكلٍ رشيد مبالغاً سنويّة بعشرات ومئات المليارات من الدولارات!”.

وفضّل الخبير الاقتصادي، استخدام مصطلحي “التعافي” و”الانتعاش” على “إعادة” الإعمار، لأنّ الأخيرة وفق رأيه، “تحتوي على فكرة العودة إلى ما كان عليه الأمر مع كلّ النواقص التي أدّت إلى الانتفاضة ومن ثمّ إلى الحرب”، وذلك تماشياً مع تعريف الأمم المتحدة، على حدّ تعبيره.

أمراء الحرب
وكشف أنّ “الانتعاش بعد الحرب يتضمّن إعادة تنشيط الاقتصاد وتشغيل السوريين وتأمين معيشتهم وعودة النازحين واللاجئين وبناء ما تدمّر من السكن ووسائل الإنتاج والبنى التحتيّة. وهو أوّلاً وأساساً انتعاش للحمة الاجتماعيّة وللحركة الاقتصاديّة وللإدارة الرشيدة. لكنّه سيواجه إشكاليّات متنوّعة منها تقلّص قوّة العمل ورحيل الكفاءات، واستمراريّة الاقتصاد غير المنظّم والنشاطات غير الشرعيّة، وضمور القطاع الخاص، وهروب رؤوس الأموال، وعدم قدرة الدولة على جمع الضرائب أو الاستفادة من ريع الموارد كما في السابق، ومخاطر التضخّم الماليّ وسبل الحصول على القطع الأجنبيّ لاستيراد المستلزمات”.

وتابع “كما سيواجه إشكاليّات اجتماعيّة مع مطالبات الناس بالعيش الكريم وبحقوقها. هذا عدا تحديات تشرذم سوريا وانعدام الأمن والفساد وأمراء الحرب. تحديات كثيرة والمعضلة أمامها ستكون دوماً في اختيار الأولويّات. لهذا ستكون مرحلة ما بعد الحرب أصعب من مرحلة الحرب. بالتحديد لأنّ منطق الحرب بسيط، فمن يملك القوّة العسكريّة ينتصِر. أمّا مرحلة ما بعد الحرب فيُمكن أن يتبعها حربٌ جديدة إذا لم تدَر بشكلٍ رشيد وحكيم يحظى بقبول المواطنين”.

ولفت إلى أنّ “التجارب العالميّة تشير إلى أنّ كثرة التمويل الخارجيّ يُفقِد الانتعاش ديناميّته لأنّه يكبح عودة الإنتاج الذاتي ويفرض هيمنة المموّلين على الاقتصاد”.

مضاربة عقارية
إلى ذلك، توقّع الخبير الاقتصادي أن “يبقى الوضع الحالي مستمرّاً حتّى لو توقّفت الأعمال العسكريّة أو تباطأت كما هو الأمر اليوم. فهناك أطراف تريد انفصال الشمال الشرقي وأخرى الشمال الغربي. وهناك من يريد بقاء رئيس السلطة يتحكَّم بالعباد إلى الأبد، ولا أقصد فقط حلفاءه. هؤلاء يتحدّثون عن إعادة إعمار الرقّة وآخرون يقومون عمليّاً بإعمار بعض المناطق والسلطة تتبجّح بمشاريع إعادة إعمار ليست سوى فرص ريعيّة، “بيزنس”، وسط المدن للمضاربة العقاريّة، ما يؤدي لخسارة الناس لحقوقهم كما الحقّ العام، على شاكلة مشروع سوليدير وسط بيروت”، مؤكّداً أنّ “كلّ هذا ليس انتعاشاً ولا إعادة إعمار بل استمرار للصراع بأشكالٍ أخرى”.

وأخيراً ربط العيطة “بداية “انتعاش” سوريا بحصول التوافق السوريّ، ومن ورائه الدوليّ، على حكمٍ انتقاليّ يدير شؤون البلاد على كافّة الأراضي السوريّة، وإيقاف العقوبات الأميركيّة والأوروبيّة العامّة عليها”، بالقول: “لا معنى أن تنتعِش سوريا إذا بقيت مقسّمة وإذا لم يصل أبناؤها وبناتها إلى صيغة توافقيّة لإدارة شؤونهم جميعاً. ومهما كانت صيغة اللامركزيّة الإداريّة في هذا التوافق لا بدّ أن يكون هناك مركز”.

 

 

وشدّد العيطة على أنّه “لا معنى لانطلاق انتعاش في سوريا إذا بقيت العقوبات العامّة على سوريا والسوريين، والتي ساهمت أصلاً في تحوّل الانتفاضة إلى صراعٍ مسلّح، وإذا بقي المصرف المركزيّ تحت العقوبات، وهو الذي يُفترَض أن يكون له الدور الأساسيّ في الانتعاش. في حين ينصّ مشروع قانون قيصر على معاقبته مع من يشتبه بمشاركته بالجرائم وتُمنَع سوريا من استيراد محطّات كهربائيّة كبيرة. لقد أتت العقوبات العامّة على سوريا قبل العقوبات على الأفراد. وبقي العراق وليبيا فترة طويلة تحت العقوبات العامّة رغم تغيير السلطة هناك”.

 

المصدر: باريس – جوان سوز