الجمعة 19 رمضان 1445 ﻫ - 29 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

نظام الأسد يُغضِب روسيا

انتقد الإعلام الروسي بحدّة، وعبر موقع “روسيا اليوم”، المقرب من الكرملين، النظامَ السوري، ووصف شخصية رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بـ”الدكتاتور”، وأنه ورث الحكم عن والده بشكل غير شرعي، ملمّحاً إلى فكرة وجود بدائل عنه، كوكلاء لموسكو في سوريا؛ هذه الانتقادات قوبلت بتصعيد غير رسمي، من إعلام النظام السوري ضدّ روسيا.

ويبدو أن تصريحات الأسد في مقابلاته الأخيرة استفزت روسيا؛ فقد تنصّل من وفده المفاوض في اللجنة الدستورية، بالقول إنه “لا يمثل الدولة السورية”، وحاول التهرب من اللجنة التي أجبر على المشاركة فيها، وتعطيل أعمالها، وهاجم الرئيسَ التركي، رجب طيب أردوغان، واصفاً إياه بـ”اللص”، وأعلن انتهاء مسار جنيف، ما استفز الإعلام الروسي. ووجهت إلى الحكومة السورية دعوات إلى التخلي عن خطابها السابق، والإقرار بأهمية القيام بخطوات لإنهاء الحرب، وأن على الأسد التنحي عن السلطة خلال الانتخابات المقبلة، وإصدار عفو عام، والتخلي عن الملاحقات.

والأسد تعمّد الظهور في مقابلات متعددة مؤخراً، وتصريحاته التصعيدية المستفزة لموسكو لم تكن عبثية، بل هي بدورها رسائل إلى الجانب الروسي، تدعوه إلى الاستمرار في دعمه. لكن هل يملك الأسد ترف إطلاق تصريحات تغضب روسيا، وحكومته تعمل في ظل الاحتلال الروسي؟

لا يزال الأسد يميل إلى دعم طهران، ويربط ضمان بقائه باستمرار نفوذها في سوريا، ورغم إعلان إسرائيل عن خطة تصعيد ضد المواقع الإيرانية في سوريا لإنهائها، لكن إيران متوغلة في الاقتصاد السوري، وتنافس الروس على عقود الاستثمار؛ فمطلع العام الجاري تم توقيع 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم خلال اجتماع اللجنة العليا السورية- الإيرانية المشتركة بدمشق، ومؤخراً تم الإعلان عن تأسيس شركة إنشائية مشتركة مع طهران لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار في كل المحافظات السورية، وستنال عقودها بالتراضي، دون الحاجة إلى إجراء مناقصات، باعتبارها شركة “وطنية” تشارك بها الحكومة السورية.

وتأسيس مثل هذه الشركة الإنشائية مع طهران لا يعدو كونه فعلاً سياسياً، ووعوداً اقتصادية مستقبلية، بعد تحجيم دورها السياسي والعسكري في سوريا، كون إيران لا تملك القدرة على تمويل إعادة الإعمار، خاصة أنها تتعرض لأزمة اقتصادية، بسبب العقوبات الأميركية. ويبدو أن تردي الأوضاع الاقتصادية في سوريا، وتهاوي قيمة الليرة السورية المتسارع، هما ما دفع النظام إلى البحث عن مخارج، عبر اتفاق جديد مع طهران لتزويده بالنفط، بوساطة رجال أعمال سوريين مقربين من إيران، مقابل تفعيل مشاريع مشتركة مجمدة بضغط من موسكو، منها سكة حديدية تربط العراق بسوريا وميناء اللاذقية وشركات اقتصادية متخصصة بالتبادل التجاري الزراعي، والمشغل الثالث للخلوي.

النظام لا يثق بنوايا روسيا، المتحالفة مع تركيا في الملف السوري، ولا يقبل بمشاركة المعارضة في الحكم، وهو مهدد بالتنحي، وبانهيار اقتصادي؛ لذلك هو يسعى إلى خلق تنافس بين إيران وروسيا لإنقاذه من أزماته.

 

تسعى روسيا إلى حسم الملف السوري عسكرياً أولاً، ليتبعه فرض حل سياسي، يضمن لها السيطرة على كامل سوريا؛ فقد أعطت لتركيا الحق في السيطرة على مناطق “نبع السلام” شرق الفرات على الحدود السورية التركية، ونشرت حرس حدود تابعا للنظام على طول الحدود مع تركيا، وتمكّنت من خلق تنسيق عسكري عالٍ بين حكومة النظام وقوات سوريا الديمقراطية ضد فصائل الجيش الوطني الموالية لأنقرة، في معارك على أطراف منطقة “نبع السلام”، للسيطرة على بلدتي تل تمر شمال الحسكة، وعين عيسى شمال الرقة، الاستراتيجيتين، الواقعتين على مفترق طرق هامة.

فيما تصعّد في إدلب وريف حماة بالقصف الجوي، وبمشاركة قوات برية روسية من الجيش الروسي ومجموعة فاغنر الروسية، مع صمت تركي يوحي بوجود تفاهمات مع أنقرة، خاصة مع تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بأن “الطرق الدولية مع مناطق النظام ستفتح قبل نهاية العام”، ومع إبلاغ الجانب الروسي لحكومة النظام بالاستعداد لوجستياً لمرحلة تسلم الشرطة العسكرية الروسية الأجزاء الواقعة تحت سيطرة المعارضة من الطريقين الدوليين أم4 وأم5، كمرحلة أولى، يتبعها انتشار متزامن لوحدات عسكرية تابعة للنظام السوري.

تسليم الطرق الرئيسية في إدلب لروسيا والنظام، واستعادة الحركة عليها، إذا ما انتهت المعارك الدائرة مع فصائل المعارضة إليه، يأتيان ضمن البند الثامن لاتفاق إدلب؛ وهو يعني اقترابا من حسم روسيا لملف إدلب، الذي ينتظر إنهاء تمركز الجهاديين فيها، والذي قد يتم بتنسيق مع الولايات المتحدة.

وكذلك يعني أن روسيا ستضمن أن تركيا تتماهى مع الحلول الروسية في الملف السوري، خاصة أن موسكو ودمشق ترفضان المطامح الانفصالية للأكراد على الحدود مع تركيا.

هذا الاقتراب الروسي من الوصول إلى ترتيب عسكري وأمني للوضع في سوريا، يجعل روسيا أقرب إلى فرض حلها السياسي، مع تقديم بعض التنازلات إلى المعارضة؛ لكن تعنت النظام السوري الأخير حول رفضه اللجنة الدستورية، واستمرار تحالفه مع إيران، دفع روسيا إلى توجيه تهديد غير مباشر إلى رأس النظام بإمكانية التخلي عنه.

في كل الأحوال، ما زال استمرار الوجود الأميركي في سوريا، حول حقول النفط، لحمايتها من سيطرة النظام السوري عليها، وعلى الشريط الحدودي مع العراق وفي قاعدة التنف، للحد من الوجود الإيراني في المنطقة، كل ذلك يحول دون تمكن روسيا من فرض حلها السياسي في سوريا، وربما تنفذ تهديدها للأسد، بتنحيته، للتخلص من العقوبات الاقتصادية الأميركية على سوريا، ورفع الحظر الأميركي عن ضخ أموال إعادة الإعمار إلى سوريا من قبل الدول المانحة.

فهل بمقدور الأسد عرقلة المخططات الروسية للحل في سوريا، عبر الاعتماد على دعم حكومة طهران، المهددة بالانهيار تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، والثورة الشعبية، أم أنه سيخضع للضغط الروسي، وينتظر الانتخابات القادمة للخروج من السلطة؟