شهدت إيران خلال السنوات الثلاث الأخيرة تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة تحت قيادة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، ومع وفاته المفاجئة إثر سقوط مروحيته، يواجه خليفته تركة مثقلة بالمشكلات.
حيث سلط تقرير لموقع “iranintl” الأضواء على التداعيات السياسية الاقتصادية لسياسات الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي على البلاد خلال السنوات الثلاث التي ترأس فيها الدولة.
وكشف التقرير أن سياسات “رئيسي” الاقتصادية أدت إلى هبوط العملة الإيرانية بأكثر من الضعف؛ حيث وصل سعر الدولار الأمريكي الواحد إلى 70 ألف تومان، بعد أن كان سعره نحو 30 ألف تومان.
واستمرت ولاية “رئيسي” ثلاث سنوات، سقطت فيها إيران إلى مستنقع التضخم المفرط، ناهيك عن أزمة الاحتجاجات الداخلية، التي انطلقت إثر مقتل الشابة، مهسا أميني، على يد قوات شرطة الأخلاق، بسبب حجابها غير الكامل.
وبعد تلك السنوات الثلاث، ومصرع “رئيسي”، يوم الأحد قبل الماضي، إثر سقوط مروحيته، التي كان يستقلها وعدد من مرافقيه، بات لزامًا على النظام الإيراني اختيار رئيس جديد خلفًا له، علّه يُرقّع ما تمزق في إيران، خلال هذه الفترة.
وأيًا كان اختيار النظام لخلافة “رئيسي”، يتعين على الرئيس القادم أن يدير تركة مثقلة وميراثًا محملًا بالأعباء، فما هو هذا الميراث بعد ثلاث سنوات من حكم “رئيسي”؟.
تسعة ملايين متقاعد
لا تزال تشهد إيران احتجاجات هنا وهناك نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والأزمة المستمرة على جميع المجالات والأصعدة، بالإضافة إلى الانتفاضة الشعبية عام 2022.
وتُظهر الإحصائيات أنه في عام 2023، تم تنظيم ما مجموعه 560 مسيرة احتجاجية من قِبل المتقاعدين، في 81 يومًا من العام بجميع أنحاء البلاد، وهذا يعني تنظيم تجمع للمتقاعدين كل أربعة أو خمسة أيام تقريبًا.
ولم تعد رواتب المتقاعدين تسد تكاليف حياتهم وحياة أسرهم، حيث تبلغ نسبة متوسط معاشات التقاعد، التي تقدمها الحكومة إلى متوسط نفقات الأسرة، في المدن الكبرى، 47%.
وهناك تسعة ملايين و400 ألف متقاعد، في إيران اليوم، معظمهم تابعون لصندوق الضمان الاجتماعي، الذي يواجه أزمة كبيرة في دعمه؛ بسبب تزايد أعداد المتقاعدين، ولا يزال صامدًا بفضل المساعدات الحكومية.
ويظهر مشروع تعداد القوى العاملة لعام 2023، التي نشرها مركز الإحصاء، أنه رغم التعريفات التعسفية للشخص العامل، فمن بين إجمالي 64 مليونًا و550 ألف إيراني فوق سن 15 عامًا، لا يعمل منهم سوى 26 مليونًا و638 ألف شخص فقط.
أولئك الذين يعملون ليسوا راضين إطلاقًا عن حالة الضرائب وتكاليف الإنتاج، ويظهر إضراب بائعي الذهب وسائقي الشاحنات هذا الاستياء وعدم الرضا عن الوضع الراهن.
الحالة المالية للحكومة
وتشير آخر إحصائيات البنك المركزي الإيراني، للربع الثاني من عام 2023، إلى أنه في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بلغ إجمالي الأوراق النقدية المطبوعة 1481 ألف مليار ريال، مرتفعة بنحو 50% مقارنة بـ 2021.
وبنهاية الربع الثاني من العام الماضي، ارتفعت ديون البنوك بنسبة 430% مقارنة بـعام 2021، كما ارتفعت ديون الحكومة والشركات المملوكة للدولة إلى البنك المركزي، بنسبة 80% خلال الفترة نفسها.
من ناحية أخرى، انخفضت الأصول الأجنبية للبنك المركزي من 5682 ألف مليار ريال، عام 2021، إلى 4486 ألف مليار ريال، في نهاية الربع الثاني من عام 2023، أي بانخفاض قدره 21%.
وهناك عاملان هما القاعدة النقدية والأصول الأجنبية للبنك المركزي، يسيران على طريق التضخم، وقد يكون الأخير أكثر خطورة بكثير.
وبما أن الأصول الأجنبية للبنوك المركزية هي أحد عوامل استقرار عملات البلدان، وتلعب دورًا مهمًّا في التعامل مع الصدمات الخارجية، فإن انخفاض النقد الأجنبي للبنك المركزي يمكن أن يعد بمثابة تحذير، خاصة في إيران التي تصدر حاليًّا منتجاتها من النفط والغاز والبتروكيماويات بإعفاءات مكتوبة أو غير مكتوبة.
الغلاء والتضخم
وأظهر تقرير البنك المركزي أن سعر المتر المربع للسكن في طهران، ارتفع بنحو 180%، في أبريل 2024، مقارنة بأبريل 2021.
ورغم أن تقرير مركز الإحصاء يقول إن معدل التضخم السنوي لعام 2023 كان يساوي 41%، فإن جدول سداد الديون لدى البنك المركزي يشير إلى معدل تضخم قدره 52%، وهو معدل غير مسبوق منذ 80 عامًا.
وبلغ التضخم عام 2022 نحو 47%، وبلغ عام 2021 نحو 40%. وهذا التغير في الأسعار مفهوم جيدًا للعائلات الإيرانية التي كانت تشتري كيلو الأرز الأجنبي عام 2021 بنحو 24 – 25 ألف تومان، والآن يتعين عليها شراء الأرز نفسه بنحو 60 ألف تومان للكيلو الواحد، ولا يحتاج الأمر إلى أرقام وإحصاءات.
وبينما أوشك الشهر الخامس من عام 2024 على الانتهاء، لا يزال البرلمان الجديد لم يبدأ أعماله رسميًّا، وهو برلمان جاء بأقل نسبة مشاركة شعبية في الانتخابات، ومن ناحية أخرى، مات الرئيس الإيراني، ولم يتم بعد تحديد ميزانية العام الإيراني الذي انتهت منذ 3 أشهر.
ولا يزال الاقتصاد الإيراني يعاني صدمة انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، حيث توقفت عجلة تقدمه ونموه، الذي بدأ منذ التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، وإزالة الحظر الاقتصادي على إيران.
وفي عام 2021، عندما دخل الرئيس الجديد المبنى الرئاسي، حذَّر الاقتصاديون من أن إيران في طريقها لأن تصبح فنزويلا ثانية، بسبب نسبة التضخم، وقد تأخرت هذه العملية بسبب تخفيف العقوبات من قِبل الولايات المتحدة، وزيادة مبيعات النفط الإيراني، لكن ظِل هذه العقوبات لا يزال يخيّم على الاقتصاد الإيراني.
وبغض النظر عن الشعارات الاقتصادية التي يطلقها المسؤولون في إيران، فإن الاقتصاد الإيراني في الواقع لا يزال يعتمد على النفط، وهذا الاعتماد هو السبب في فاعلية العقوبات.
ورغم أنه بات متعارفًا عليه في إيران أن الرئيس يقضي دورتين رئاسيتين، فإن الوضع في البلاد اليوم ليس طبيعيًّا، خاصة إذا كان شخص ما مثل ترامب هو الذي سيحكم الولايات المتحدة.
ولو لم يلقَ إبراهيم رئيسي حتفه في تحطم المروحية، الأحد قبل الماضي، لربما أتيحت للمرشد الإيراني، علي خامنئي، فرصة اختيار مرشح مناسب للسنوات الأربع المقبلة، مع الأخذ في الاعتبار الرئيس المنتخب للولايات المتحدة، وفق تقرير موقع “iranintl”.
وأعلنت إيران يوم الاثنين 20 أيار/مايو الجاري، رسمياً مقتل الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية والوفد المرافق لهما في حادث تحطم مروحيتهم في إقليم ورزقان.