عبر أنحاء الضفة الغربية المحتلة تشكل حواجز التفتيش الأسمنتية والجدران العازلة والجنود رمزا ودليلا على فشل جهود إقامة سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ توقيع اتفاقية أوسلو التاريخية في مثل هذا الأسبوع قبل 30 عاما.
تجمدت الاتفاقية، التي وقعت كإجراء تمهيدي لبناء الثقة وإفساح الطريق أمام اتفاق سلام دائم، منذ زمن طويل وتحولت إلى نظام لإدارة صراع لا تبدو له نهاية في الأفق.
وفي ظل الاضطرابات بالضفة الغربية، ومع وجود حكومة قومية في إسرائيل ترفض أي احتمال لإقامة دولة فلسطينية، واستعراض حركة حماس الإسلامية لقوتها خارج مقرها في غزة، تبدو احتمالات السلام أبعد ما تكون عن أي وقت مضى.
وبمجرد مغادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (87 عاما) لمنصبه سيترك فراغا ربما يدفع الأزمة إلى ذروة جديدة.
وقالت الناشطة المدنية والمتحدثة السابقة باسم الوفد الفلسطيني في عملية السلام بحقبة التسعينيات حنان عشراوي “نحن في نهاية حقبة في فلسطين وإسرائيل، وربما في المنطقة كلها”.
وأضافت “ذلك الجيل بأكمله.. (الذي عاصر) حقبة الحديث عن الاعتراف المتبادل والدولتين والتسوية عن طريق المفاوضات والحل السلمي، يصل إلى النهاية (ينتهي) في فلسطين”.
ويعتقد قليلون جدا على كلا الجانبين في وجود احتمال واقعي لحل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية مستقلة جنبا إلى جنب إسرائيل. وقالت عشراوي إن هذه الفكرة أصبحت الآن “محض خيال”.
وفي ظل حواجز تفصل بين الجانبين بالضفة الغربية معظمها تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية نشأ جيل جديد من الإسرائيليين والفلسطينيين لا يعرفون شيئا يذكر عن بعضهم البعض حيث وقعت الاتفاقية الأولى في 13 سبتمبر أيلول 1993.
وقال الناشط القانوني مهند قفيشة من مدينة الخليل “أوسلو وأنا ولدنا في العام ذاته” وأضاف “بالنسبة لي، ولدت وكانت حولي وحول منزلي نقاط تفتيش، إذا تركت منزلي للذهاب إلى المدينة لزيادة أصدقائي أضطر لعبور نقطة تفتيش”.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة هناك نحو 700 ألف مستوطن يهودي يعيشون الآن بأنحاء الضفة الغربية والقدس الشرقية، والمفترض أن يكونا محور أي دولة فلسطينية بالمستقبل. ويتواصل بناء المستوطنان بسرعة.
ويقدر عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية بنحو 3.2 مليون والذين يعيشون في غزة 2.2 مليون.
وأسفرت أعمال العنف خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية عن مقتل عشرات الإسرائيليين من بينهم مدنيون وجنود في هجمات لفلسطينيين بالضفة الغربية وإسرائيل وهجمات سافرة لمستوطنين إسرائيليين على بلدات وقرى فلسطينية.
وأدت المداهمات شبه اليومية التي تشنها القوات الإسرائيلية لمقتل مئات النشطاء الفلسطينيين والعديد من المدنيين، في حين ظهرت مجموعة من الجماعات المسلحة الجديدة في بلدات مثل جنين ونابلس ليس لها صلة تقريبا بالجيل الأقدم من القادة الفلسطينيين.
وقال المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند في مؤتمر هذا الأسبوع “لم يسبق لي على الإطلاق أن رأيت الضفة الغربية على الحال التي هي عليها الآن، كنت أذهب وأعود هنا منذ قرابة 30 عاما ولم أر الوضع أسوأ من هذا”.
وتبقى السلطة الفلسطينية الشريك المفضل لإسرائيل حتى ولو لم تكن موضع ثقة في كثير من الأحيان رغم فقدها السيطرة على غزة بعد سيطرة حماس عليها في 2007. وتعتمد على التمويل الأجنبي مع عدم وجود تفويض وتراجع شعبيتها بين المواطنين حيث تتأرجح بين دورها كممثلة للفلسطينيين ومفاوضة مع إسرائيل.
وقال مايكل ميلشتاين المسؤول السابق في مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية المشكلة بعد أوسلو للتنسيق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية “إنها ضعيفة للغاية، وسيئة للغاية لكن هذه الاتفاقية لا تزال قائمة”.
مؤقت
وأشاع توقيع الاتفاقات التفاؤل لفترة وجيزة جسدتها صورة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، وهما يتصافحان في حديقة البيت الأبيض، تحت رعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون. واغتال إسرائيلي يميني رابين عام 1995، وتوفي عرفات عام 2004.
ويرى يوسي بيلين، وزير العدل الأسبق والمفاوض الإسرائيلي، أن عدم تحقيق الاتفاقات للسلام جاء نتيجة تفضيل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تحويل ما كان في الأصل هدنة مؤقتة إلى وضع قائم دائم.
ومع انقسام المجتمع الإسرائيلي بسبب النزاع الدائر حول محاولة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تقليص سلطة المحكمة العليا، أصبحت احتمالات تحقيق أي جهود سلام منسقة أمرا بعيد المنال فيما يبدو.
وقال بيلين، وهو سياسي سابق في حزب العمل، إن “الحكومة الحالية في إسرائيل لا تبدي أي بوادر على استعدادها للتوصل إلى اتفاق دائم. ومن ثم، فعلى الذين يتحدثون عن اتفاق دائم أن يتحدثوا عن حكومات في المستقبل”.
ويخشى مسؤولون إسرائيليون أنه بمجرد رحيل عباس، سينفتح الباب إما أمام توغل حماس في الضفة الغربية التي يتزايد فيها نشاط الجماعة الإسلامية أو الفوضى مع تناحر متنافسين على القيادة.
وتحدث عدد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية صراحة عن ضم الضفة الغربية بالكامل، لكن الصعوبات العملية أمام مثل هذه الخطوة أثبتت تعذر تنفيذها.
ويتهم الفلسطينيون، وعدد من المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، إسرائيل بالفعل بإدارة نظام فصل عنصري في الضفة الغربية.
وترفض إسرائيل وحلفاؤها، ومنهم الولايات المتحدة، هذا الاتهام، لكن الضم يجبرها على أن تسلك أحد طريقين فإما أن تمنح الفلسطينيين وضعا مساويا للإسرائيليين مما قد يغير شخصية إسرائيل كدولة يهودية أو أن تصنع لهم إطارا منفصلا وهو ما لا يتوافق مع الديمقراطية.
وقال روتيم أوريج (29 عاما) من التحالف الديمقراطي الإسرائيلي وهو مركز أبحاث ليبرالي “كلانا هنا وكلانا باقون هنا”.
وأضاف “ومن ثم، يتعين علينا العثور على طريقة، أولا، للبقاء على نفس الأرض، وثانيا، دون قتل بعضنا البعض، وثالثا، مع الحفاظ على دولة يهودية ديمقراطية”.