وصل مئات من مقاتلي “فاغنر” إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، وعدة دول أفريقية، حيث تتواصل الضبابية بوضع الشركة العسكرية الخاصة واستمرار عملياتها، منذ تمردها الفاشل في روسيا يومي 23 و24 يونيو الماضي، الذي نفذها زعيمها يفغيني بريغوجين.
في البداية غالبا ما يكون وجودهم مجرد شائعة تجس النبض، لكن مع اشتداد الأزمات يبرزون للواجهة ويعلنون حضورهم ومهامهم أيضا.
هذه هي قوات فاغنر، المجموعة الروسية التي تنتشر فعليا في 10 دولة أفريقية، بينها 4 رئيسية، فيما تعتزم حاليا توسيع أنشطتها لتشمل 3 دول جديدة وربما أكثر.
وفي الواقع، يرى خبراء أن خارطة انتشار المجموعة شبه العسكرية قد تكون أوسع من ذلك بكثير، فحضورها مؤكد أينما ارتفع أزيز الرصاص في القارة السمراء، أو كانت هناك حاجة لحماية النفوذ الروسي.
ولا تعترف موسكو بنشاط “فاغنر” رسميا، إلا أن المجموعة تنشط تحت عدة مسميات سواء كشركات للتعدين عن الذهب والماس، أو كمدربين عسكريين، أو شركات متخصصة في الحرب السيبرانية.
حاليا، تنشط فاغنر في كل من أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو وليبيا والسودان وموزمبيق؛ إضافة إلى زيمبابوي ومدغشقر والكونغو الديمقراطية وجنوب أفريقيا.
فيما تخطط المجموعة للتوسع في 3 دول بالقارة وهي غينيا والكاميرون والنيجر.
لكن كيف يمكن لدول فقيرة وتعاني -في معظمها- من أزمات أمنية وسياسية أن تدفع للمجموعة مقابل خدماتها؟.
صحيفة “نيويورك تايمز” قالت في تقرير سابق لها إن بعض زعماء القارة قادرين على الدفع نقدا، وفي حال عجزوا عن ذلك، يقدمون للمجموعة امتيازات تعدين بعض المعادن الثمينة مثل الذهب والماس واليورانيوم.
أين يتواجدون؟
أفريقيا الوسطى
إلى أفريقيا الوسطى، وصلت المجموعة في 2018 لحماية الرئيس المحاصر حينها، فوستين أرشينج تواديرا، ومنذ ذلك حين، تنامت أنشطتها بالبلد الأفريقي المثقل بحمم صراع طائفي بدأ منذ 2013 وتحول لأزمة سياسية وأمنية.
في البداية، كان وجودها مجرد شائعة سرت في أوصال المواقع الإخبارية المحلية، لكن لا أحد كان بإمكانه التأكد في ظل عدم وجود أي دليل مادي على الأرض.
لكن لاحقا، ظهر المقاتلون للعلن، وبات وجودهم أمرا بديهيا قبل أن يقفزوا للواجهة عقب محاولة التمرد الفاشلة التي قادتها المجموعة في روسيا.
فبعدها، تحدثت صحف دولية عن انسحاب عدد كبير من المجموعة من أفريقيا الوسطى، لكن لاحقا فندت بانغي الأنباء الرائجة وقالت إن ما يحدث مجرد عمليات تناوب.
وبغض النظر عن حقيقة ما يحدث في كواليس المجموعة، لكن المؤكد هو أن وجودها في أفريقيا الوسطى يعتبر الأهم ليس من حيث العدد، ولكن من حيث النفوذ الذي تتمتع به بهذا البلد، وهذا ما جعل الإعلام الغربي يعتبر أن بانغي عاصمة فاغنر بأفريقيا.
وحاليا تستعد فاغنر لتأمين التناوب قبل استفتاء مقرر غدا الأحد بهذا البلد، حيث سبق أن أعلنت “رابطة الضباط من أجل الأمن الدولي” التابعة لها أن فرقاً جديدة من “المدربين” وصلت إلى جمهورية أفريقيا الوسطى لتأمين التناوب قبل الاستفتاء.
السودان
تتخذها المجموعة قاعدة لوجيستية للعمليات نحو أفريقيا، وبدأت نشاطها بهذا البلد منذ 2017، تحت غطاء عدة شركات للتنقيب عن الذهب.
ينشط مقاتلوها في عدة مدن سودانية من ميناء بورتسودان إلى الخرطوم ودارفور.
في أبريل/ نيسان 2018، زار قائد المجموعة يفغيني بريغوجين الخرطوم، وبعد رحيله تحدثت مصادر عن وجود نحو 100 رجل من فاغنر يُدربون القوات العسكرية السودانية.
ويعتقد أن هذا التعاون تعزز ليرتفع عدد عناصر المجموعة إلى نحو 500 تمركزوا بشكل رئيسي في الجنوب الغربي أي قرب “أم دافوق” القريبة من حدود السودان مع أفريقيا الوسطى.
ليبيا
مع أن وجودهم في هذا البلد قد يسبق التاريخ المتداول، لكن تقارير تقول إنهم وصلوا إليه في مارس/ آذار 2019، وأنه حتى اليوم، لا يزال الآلاف منهم يتمركزون في أنحاء ليبيا، معظمها بالقرب من حقول النفط.
وبشكل أدق، ينتشر مرتزقة فاغنر، في محافظتي سرت (شرق طرابلس) والجفرة (جنوب شرق طرابلس)، ويتمركزون بقاعدة القرضابية الجوية بسرت ومينائها البحري، بالإضافة إلى قاعدة الجفرة الجوية وسط ليبيا، حسب تقارير إعلامية متطابقة.
مالي
من أكثر عمليات فاغنر إثارة للجدل، ففي أعقاب الانقلابات التي شهدها هذا البلد على مدار العامين الماضيين، أبرمت المجموعة صفقة أمنية مع المجلس العسكري الجديد، لحمايته وتوفير الدعم له خاصة بعد انسحاب الجيش الفرنسي.
وتستفيد المجموعة من تنامي العداء الشعبي تجاه باريس، وتقدم نفسها بديلا ينشط بسياسة مغايرة.
بوركينا فاسو
في ديسمبر/ كانون أول 2022، فجر الرئيس الغاني مفاجأة بالقول إن “بوركينا فاسو أنهت، على غرار مالي، اتفاقا مع فاغنر، من أجل نشر قوات تابعة لها في البلاد”.
وحينها، أكد التصريح اتهامات للمجلس العسكري في غانا بالاستعانة بنحو ألف من فاغنر لدعمها في مكافحة الإرهاب، الأمر الذي ينفيه.
وفي حديثه، قدم الرئيس الغاني جزئية مهمة عادة ما كانت فاغنر تشترطها في تعاقداتها مع عدة دول، إذ عبر عن اعتقاده بأن “منجما في جنوب بوركينا فاسو تم تخصيصه لفاغنر، كشكل من أشكال الدفع مقابل خدماتها”.
ومع أن الرئيس الغاني لم يحدد طبيعة هذا المنجم، لكن بوركينا فاسو مشهورة بمناجم الذهب المقدرة نحو 2200 منجم صغير غير رسمي.
موزمبيق
ينتشر مقاتلو فاغنر في شمال موزمبيق، وتحديدا في مقاطعة كابو ديلغادو الغنية بحقول الغاز الطبيعي، والتي تشهد نشاطا متزايدا لتنظيم “أنصار السنة” الذي أعلن تبعيته لتنظيم “داعش” الإرهابي في 2018.
وفي 2019، نشرت فاغنر نحو 160 مقاتلا في منطقة كابو ديلجادو الغنية بالغاز في شمال موزمبيق.
ومع أن بعض المصادر تحدثت لاحقا عن انسحاب هؤلاء المقاتلين عقب خسارتها عددا من عناصرها في هجوم نفذته جماعة تابعة لداعش، إلا أن تقارير تشير إلى أن المجموعة لا تزال حاضرة بهذا البلد.
ونقلا عن تقارير استخباراتية أوروبية، قال مسؤول أمني غربي في أفريقيا إن فاغنر تحافظ على وجود سري في ذلك البلد، وتركوا وراءهم خلية حرب إلكترونية صغيرة تستخدمها حكومة موزمبيق.
مدغشقر
مصادر تحدثت أيضا عن وجود عقود أمنية منحتها مدغشقر لمجموعة فاغنر، تمنحها الوصول لموارد معدنية، وقواعد انطلاق لعمليات انتشار، ومواطئ قدم تتحدى نفوذ الغرب في تلك المناطق.
زيمبابوي
اتفاقية أمنية أعلنت روسيا توقيعها مع زيمبابوي قبل يومين بشأن التعاون في مجال ضمان أمن المعلومات الدولي، تؤكد وجود فاغنر السابق بهذا البلد الأفريقي.
وبحسب الخارجية الروسية، فإن الاتفاقية ستعزز أسس التفاعل بين الجهات المختصة، بالإضافة إلى خلق فرص لبناء القدرات في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتدريب المتخصصين.
وجميع هذه المهام غالبا ما تنفذها فاغنر.
الكونغو الديمقراطية
في فبراير/ شباط 2022، أفادت مصادر مطلعة بوجود مفاوضات جرت بين كينشاسا وممثلين عن شركة فاغنر، وقالت إن اجتماعا عقد وانتهى بتوقيع اتفاق بشأن نشر أفراد من الشركة الروسية في الكونغو.
ورسخت تلك الأخبار حقيقة استعانة السلطات بخدمات فاغنر للتصدي للمتمردين المنتشرين في شرقها على الحدود مع رواندا، في اتفاق يعتقد أنه ساري المفعول حتى اليوم.
جنوب أفريقيا
يعتقد أن وجود فاغنر بهذا البلد سري للغاية، فجنوب أفريقيا لم تفصح أبدا عن أي توضيح بهذا الشأن، لكن تقارير تؤكد البصمات الروسية هناك، خصوصا بعد امتناع البلد الافريقي عن التصويت العام الماضي في تصويت للأمم المتحدة يدين العملية الروسية في أوكرانيا.
ورغم أن الخطوة شكلت انحيازا واضحا نحو موسكو، لكن جنوب أفريقيا تحرص على تصدير موقف محايد، وهذا ما يخفي وجود فاغنر على أراضيها.
توسع
حاليا، وفي إطار توجهها بالكامل نحو أفريقيا عقب خروجها من أوكرانيا، تخطط المجموعة للتوسع في كل من النيجر والكاميرون وغينيا كوناكري.
النيجر
في هذا البلد، سجل العلم الروسي دخوله لأول مرة خلال مظاهرات نظمها مؤيدون للانقلاب على الرئيس محمد بازوم.
وحتى وقت قريب، ظلت فرنسا الحليف الأوثق للبلد الغني باليورانيوم، لكن مع سقوط بازوم، تبدو مؤشرات الجيش تتجه نحو موسكو، خصوصا عقب اتهامه باريس بانتهاك المجال الجوي المغلق، إثر الإطاحة بالرئيس.
ولم يستغرق الأمر كثيرا، قبل أن يظهر قائد فاغنر يفغيني بريغوجين ليعلق على الانقلاب ويعرض خدماته لفرض النظام، ما يشي بأن المجموعة في طريقها إلى البلد الذي كان آخر حلفاء فرنسا بالساحل الأفريقي.
الكاميرون
اتفاقية دفاعية قالت تقارير إعلامية محلية إن الكاميرون وقعتها، في أبريل/ نيسان 2021 مع روسيا، واعتبرها خبراء مقدمة محتملة لنشر فاغنر.
ونصت الاتفاقية على تبادل الآراء والمعلومات في مجال السياسة الدفاعية والأمنية الدولية، وتطوير العلاقات في مجال التدريب المشترك وتدريب القوات والتعليم العسكري والطب والطبوغرافيا.
كما اتفقا على تبادل الخبرات وحفظ السلام والتفاعل في عمليات دعم السلام تحت رعاية الأمم المتحدة، وكذلك تنسيق الجهود في مجال الإنقاذ البحري ومكافحة الإرهاب والقرصنة.
ومع أنه لم يؤكد أي مصدر رسمي الاتفاقية، إلا أن مراقبين رأوا أن الكاميرون التي تعاني من الإرهاب المتزايد لبوكو حرام وداعش وتزايد انعدام الأمن في المنطقة الناطقة بالإنجليزية في مواجهة الانفصاليين، ستستنجد حتما بخدمات فاغنر.
غينيا كوناكري
يحكمها حاليا العقيد مامادي دومبويا، ومن المحتمل أن يسعى إلى تأجيل الانتقال إلى الحكم المدني ما يعني أنه سيحتاج لخدمات فاغنر، وهذا ما ترجحه بقوة مصادر مطلعة.
“حصان طروادة الروسي”
يرى المحلل والباحث الروسي بجامعة الصداقة والشعوب، ديمتيري بريجع، أن وجود فاغنر في أفريقيا يهدف لحماية النفوذ الروسي في خضم الصراع الكبير بين القوى العظمى..
ورجح بريجع، أن يكون لما تقدم تأثيرات استراتيجية على الوضع في المنطقة.
وأضاف أن “أفريقيا هي قارة متنوعة وهامة من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية، وتعتبر مكانًا لمصالح العديد من الدول الكبرى”.
ولفت إلى أن شركة فاغنر مهتمة بأن يكون لها دور كبير في القارة السمراء، مشيرا إلى أن العديد من الدول الأفريقية تحاول التخلص من الهيمنة الفرنسية على اقتصاداتها وأراضيها وثرواتها ونفوذها السياسي.
وأكد على أن روسيا تمتلك علاقات طيبة وقوية مع العديد من الدول الأفريقية منذ الاتحاد السوفيتي، مشيرا إلى أن التعاون الروسي الأفريقي الآن يعمل على المشاريع الاقتصادية وبناء قدرات تلك الدول وليس الهيمنة والطمع في الثروات.