تنبّه الأردن مبكرا إلى مخططات تهجير فلسطينيي القطاع، وتحديدا منذ بدء حرب إسرائيل على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وحذّر مرارا في تصريحات رسمية من أنها ستكون بمثابة “إعلان حرب” عليه.
وتشن إسرائيل منذ ذلك اليوم بدعم أمريكي حربا على غزة، أسفرت عن نحو 135 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال.
لكن انتقال المشهد الخطير ذاته إلى مدن شمال الضفة الغربية المحتلة يفرض على عمان تحركات أكثر لإجهاض مخططات إسرائيل، لا سيما مع تقارير عن أنها تستغل حربها على غزة لمصادرة مزيد من الأراضي في غور الأردن.
ومنتصف ليل الثلاثاء/ الأربعاء، اقتحمت قوات إسرائيلية كبيرة مدينتي جنين وطولكرم ومخيماتهما ومخيم الفارعة قرب طوباس شمال الضفة، ثم انسحبت فجر الخميس من مخيم الفارعة ومساء اليوم نفسه من طولكرم.
أما في جنين فلا تزال العمليات العسكرية مستمرة، بل ودفع الجيش الإسرائيلي بقوات مدرعة معززة بسلاح الجو إلى المدينة، ودهم أجزاء من مخيم جنين.
وجنوب الضفة، تعيش مدينة الخليل على وقع تشديدات عسكرية وإغلاقات منذ صباح الأحد، بعد تأكيد الشرطة الإسرائيلية مقتل 3 من ضباطها في إطلاق نار استهدف مركبة كانت تقلهم قرب معبر ترقوميا غرب المدينة.
وأسفرت عمليات الجيش الإسرائيلي شمال الضفة منذ الأربعاء وحتى مساء الأحد عن استشهاد 30 فلسطينيا وإصابة عدد غير محدد، بالإضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية وتخريب لممتلكات الفلسطينيين.
وبالتزامن مع حربه على غزة، وسّع الجيش الإسرائيلي عملياته بالضفة وصعّد المستوطنون اعتداءاتهم؛ ما تسبب باستشهاد 682 فلسطينيا، بينهم 150 طفلا، وإصابة أكثر من 5 آلاف و600، واعتقال ما يزيد على 10 آلاف و400، وفق بيانات رسمية فلسطينية.
التصدي للتهجير
وصباح الأحد، قال وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، عبر منصة إكس إن “كل ما تدعيه إسرائيل حول أسباب شن عدوانها على الضفة الغربية كذب”.
وتابع: “ونرفض ما يزعمه وزراؤها العنصريون المتطرفون الذين يختلقون الأخطار لتبرير قتلهم الفلسطينيين وتدمير مقدراتهم”.
وحذر من أن “الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والتصعيد الإسرائيلي في المنطقة هم الخطر الأكبر على الأمن والسلم”.
الصفدي أردف: “ننسق مع أشقائنا لاتخاذ كل الخطوات المتاحة لمواجهة العدوانية الإسرائيلية ولوقف حرب إسرائيل على الشعب الفلسطيني وتهديدها لأمن المنطقة”.
وزاد قائلا: “سنتصدى لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني داخل أرضه المحتلة أو إلى خارجها بكل إمكاناتنا”.
ويرتبط الأردن وإسرائيل باتفاقية عام 1994، لكن عمان قررت في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 سحب سفيرها من تل أبيب؛ احتجاجا على الحرب على غزة.
حديث الوزير الأردني يؤكد أن بلاده لن تقف صامتة أمام احتمال تهجير فلسطينيي الضفة، لكن يبقى التساؤل الأهم حول ماهية الإجراءات التي يمكنه اتخاذها في مواجهة إسرائيل.
ووفق محلل وأكاديمي، في حديثين منفصلين للأناضول، فإن لدى الأردن 4 خيارات لمواجهة التهجير المحتمل وهي: الحديث مع الولايات المتحدة عن مخاطره، وطرح إمكانية مراجعة اتفاقية السلام مع إسرائيل، وزيادة التصعيد الدبلوماسي والسياسي، والاستعداد عسكريا لأي حدث على الحدود.
تفكيك المخيمات
المحلل الاستراتيجي عامر السبايلة قال للأناضول إن “خطر تفكيك المخيمات بالضفة الغربية حقيقي، وسيكون له انعكاسات على الأردن بصورة مباشرة”.
وتابع: “ستكون (هناك) انعكاسات أمنية لما يجري في الضفة الغربية وانعكاسات على المستوى الاجتماعي وعلى المستوى الاقتصادي، بالإضافة إلى فتح ملفات سياسية شائكة”.
وأردف: “خاصة عندما نتحدث عن تفكيك مخيمات وخطة لنقل سكانها، وهذا يعني أن الواقع الجغرافي الأردني قد يكون أمام تحدٍّ جديد، ويجب أخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار”.
لكن “الأردن يستطيع فعل الكثير، وهو شريك أساسي للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي (يمكنه) الضغط باتجاه أن تدرك واشنطن خطورة هذا الأمور”، حسب السبايلة.
واعتبر أن ما يمكن فعله في ظل وجود اتفاقية سلام وتنسيق أمني هو “الحديث بصورة مباشرة مع الطرف الإسرائيلي في موضوع التداعيات التي يمكن أن تطال المملكة وتقييم مدى فائدة الأردن من الإبقاء على هذه الاتفاقيات”.
ورأى أنه “على الأردن أن يكون مستعد داخليا لفترة طويلة من التصعيد وهزّات قادمة في الضفة الغربية قد تنعكس علينا”.
وقال إن ذلك “يتطلب وجود حكومة قوية في الداخل الأردني، ووجود رواية رسمية محكمة للتواصل مع الداخل تجاه كل ما افتقدناه خلال الشهور الماضية”.
و”نحن اليوم أمام تحدٍ ومقاربة جديدة (..) وهذا يتطلب قبل الحديث عن كيف سيكون الأردن خارج الحدود هو كيف سنكون داخله”، كما زاد السبايلة.
قنبلة ديموغرافية
أما أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية (رسمية) بدر الماضي فدعا إلى “محاولة إعادة فهم السلوك الإسرائيلي الذي تجلى بوضوح بعد الحرب على غزة”.
وأضاف الماضي أن “التفكير الاستراتيجي الصهيوني طالما ركز على أن المشكلة الديموغرافية في فلسطين هي أزلية للأمن القومي لدولة الاحتلال”.
وتابع أن إسرائيل ترى أنه “لا بد من العمل على التخلص من هذه المعضلة الديموغرافية من خلال الضغط على الدول المجاورة، وقد فشلت أو أُجلت إلى حد كبير جدا مع مصر، ولكنها لم تبدأ مع الضفة باتجاه الأردن”.
“لكن تسارع الأحداث خلال الأيام الأخيرة بالضفة يؤكد أن التفكير الإسرائيلي لم يتغير”، كما استدرك الماضي.
وأردف أن هذا التفكير “يتطور من أجل الخلاص من القنبلة الديموغرافية التي تعيق المخططات المستقبلية لهذا الكيان، لهذا هو يمارس ضغوطه معتمدا على الدعم الأوروبي والأمريكي”.
واستطرد: “هذا كله سيؤدي إلى إنتاج كثير من المعضلات الكبيرة للشعب الفلسطيني، وسيُترك في القطاع أو الضفة الغربية أمام خيارين: إما العيش في منطقة لا يمكن العيش فيها وإما الهجرة للتخلص من الخيار الأول، والتي ستكون الأردن وجهتها الأولى”.
وأضاف أن “الأردن نبّه منذ بداية الحرب على غزة، ولكن لم يجد الصوت الأردني صدى في المجتمع الدولي، وخاصة لدى الولايات المتحدة”.
وزاد بقوله: “لذا فلا بد من زيادة وتيرة التصعيد الدبلوماسي والسياسي، ووضع الكثير من الخيارات على الطاولة، ليس أقلها بأن توصل عمان الرسالة بالاستعدادات العسكرية وغيرها لأي حدث محتمل على حدود المملكة”.
ومن بين خيارات الأردن الأخرى، وفق الماضي، “أن يضع اتفاقية السلام مع تل أبيب على الطاولة من أجل المراجعة، وهذا قد يسهم في الضغط على الولايات المتحدة التي ترعى السلوك الإسرائيلي”.
وختم الماضي بالتحذير من أن “الأردن مقبل على أيام صعبة، لكن أيضا يجب عليه دائما أن يطور من أدواته في مواجهة النزعة الصهيونية”.
وشدد على ضرورة أن “يحاول (الأردن) أن يغير من أدواته في إعادة التفكير في التعامل مع الحكومة (الإسرائيلية) اليمينية المتطرفة التي لم تخف أجندتها تجاه الأردن والإقليم”.