كتبت “هلا نصر الدين” في موقع مهارات:
منذ ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩ وتعاميم مصرف لبنان اصبحت تحت المجهر. تعميم تلو التعميم وفي المحصلة لا تعليمات ادارية واضحة وعملية حول كيفية تنفيذ هذه التعاميم في ادارات فروع المصارف.
من تعميم ال fresh money الى تعاميم تسهيل تحويل الاموال الى الطلاب اللبنانيين الذين يدرسون في الخارج الى تعاميم اخرى غب الطلب، والمتتبع لها يدرك بسرعة انها تعاميم للتعمية اكثر منها تعاميم تتحول الى تعليمات ادارية واضحة ومعتمدة بشكل معياري وشفاف. فهل تطبيق التعميم رقم ٥٤٧ يختلف عن التعاميم الاخرى؟
الواضح من نص التعميم انه يطال الأفراد والمؤسسات التي كانت قد استفادت سابقاً من قروض ممنوحة من المصارف او من المؤسسات المالية. وينص التعميم حرفيّاً على ان تمنح المصارف “على مسؤوليتها” هذه القروض وبالتالي لم يحدّد التعميم معاييراً واضحة ليتم إعطاء القروض الاستثنائية على أساسها.
يوضح الخبير الاقتصادي دان قزّي أنّ “الهدف من هذا الإجراء ألّا تزيد التعثّرات عند العملاء وبالتالي عند المصارف أيضاً.” مؤكّداً أنّه في حال تطبيق التعميم بشكلٍ صحيح، ستستفيد منه الجهتين. وتوقّع قزّي تمديد المهلة إلى ستّة أشهر بدلاً من ثلاثة.
أتى اصدار التعميم على خلفية “الظروف الاستثنائيّة الراهنة التي تمرّ بها البلاد” المتمثّلة بأزمة وباء كوفيد-١٩ والمترتّبات الاقتصاديّة عليه، الامر الذي انتقده المحامي علي المولى من “شركة حياة محامون” الذي اعتبر أنّ مصرف لبنان عبر هذا التعميم بدا وكأنه في حالة “نكران” للأزمة الماليّة التي سبقت الكورونا والتي أوصلت الأوضاع إلى ما آلت إليه.
هذا التعميم فيه الكثير من الشوائب لكنّه “أحسن من بلاش” على حدّ قول قزي. اذ لم يترافق هذا التعميم مع سلسلة من الإصلاحات المتعلّقة بـ “الضمان الاجتماعي وتعديل قانون الإفلاس والضرائب” يبقى مجتزأً يهدف إلى إنعاش المصارف وبالتالي فهذه القروض “ليست قروضاً هادفة“، بحسب المولى.
انّ التعميم “بلا أي قيمة فعليّة” و”كان الأجدر بمصرف لبنان والمصارف إعادة جدولة كل قروض القطاع الخاص لتأجيل سداد الأقساط أو الفوائد بدون أي غرامات أو فوائد إضافيّة“، يقول الصحافي محمد زبيب. فهذا الإجراء يعطي قروضاً لتسديد القروض وبدل أن تتعثّر المؤسسات اليوم، ستتعثّر بعد ثلاثة أشهر وبرأي زبيب أفضل أن تعلن هذه المؤسسات عن تعثّرها اليوم دون أن تسجّل على نفسها ديوناً إضافيّة.
كما أنّ هذا التعميم بحسب زبيب هو بمثابة طريقة ملتوية تهدف إلى:
١- ”إخفاء الخسائر في ميزانيّات المصارف في حال جدولة الديون لأن المصارف مفلسة، بحسب معلوماته، ودون هذه الإجراءات سيصبح وضعها أسوأ.
٢- القروض المتعثّرة تزيد بوتيرة متسارعة نتيجة الأزمة المصرفية والمالية وكان المتوقع أن ترتفع أكثر مع وباء كورونا وبالتالي يضطر المصرف أن يشطب هذا القرض إمّا من خلال أخذ العقار المرهون – ولكنّه أموال غير منقولة وتحويله إلى سيولة لن يكون سهلاً في هذه الظروف – أو من خلال اللجوء إلى القضاء إذا لم يكن يوجد رهن وهذا أيضاً ليس بالأمر اليسير.”
منذ لحظة الاعلان عن هذا التعميم، بدأ اصحاب المؤسسات بالاتصال في ادارات الفروع التي يتعاملون معها لاستطلاع الامر. تشير الأخت لوسي عبّود، مديرة مـؤسسة قرطباوي للتعليم التقني ومسؤولة القسم المالي في “رهبنة القلبين الأقدسين St Coeur” الى أنّهم في الرهبنة تواصلوا مع عدّة مصارف لاستطلاع شروط التعميم ألّا أن هذه المصارف ابلغتهم أنّها لم تباشر بالتطبيق بعد لأن الآليات ليست واضحة حتى هذه اللحظة.
ولفتت الاخت عبود، في مقابلة معها، إلى أنّ التعميم “جيّد” وقد يخدمهم في هذه الفترة القصيرة المدى ولكنّه غير كافٍ. فهم لديهم ٣٣ مدرسة ويدفعون رواتب بقيمة حوالي الـ ٥ مليارات ونصف ليرة لبنانيّة في الشهر.
وبالتالي فهم بحاجة إلى ١٥ مليار في الثلاثة أشهر. واذا حصلوا على هذا القرض وأرادوا تسديده، فسيترتّب عليهم حوالي ٣٠٠ مليون ليرة لبنانيّة بالشهر من أجل تقسيطه على خمس سنوات وهذه أعباء ماليّة كبيرة خصوصاً إذا لم تفتح المدارس أبوابها فقد تتردّى الأوضاع أكثر؛ فهذا تأجيل للمشكلة وليس حلّاً بحسب عبّود.
كما بادرت بعض المصارف الى الاعلان على موقعها الالكتروني عن منحها لهذه القروض بالتوافق مع تعميم المصرف المركزي مثل ما فعل بنك الموارد مثلا الذي نشر نموذجا للطلب على موقعه، الّا أنّه لفت فيه أنّ “هذه القروض الاستثنائية تخضع لموافقة كلّ من المصرف ومصرف لبنان المركزي.”
والرقابة قسمان: رقابة مسبقة ورقابة لاحقة. وتأسّف لأن برأيه حتى لو تحقّقت الرقابة المسبقة الّا أنّ تجربة الرقابة اللاحقة في القطاع المصرفي في لبنان ليست ناجحة ولا مشجّعة مذكّراً بتجربة القروض السكنية المدعومة للزيتونة باي مثلاً. وقد أكّد قزّي أيضاً على صعوبة الرقابة في هذه الحالات.
هذا ما شبّهه المولى بـ “الترقيع” ولفت إلى أن حتى المؤسسات المستوفية للشروط لن تستفيد جميعها من هذه القروض لأن هذا متروك لاستنسابية المصرف الذي سيحدّد أولويّاته. الّا أنّ قزي رأى أنّ من مصلحة المصارف التعاون مع العملاء في هذه المرحلة.
وفي هذا السياق، أكّد ظافر فاضل، مدير أحد فروع بنك الاعتماد المصرفي، أنّ الملفّات تدرس حالة بحالة وفقاً لوضع العميل، فالقروض الاستثنائية ليست ممنوحة للجميع بل للعملاء الذين تعثّروا عن دفع قروضهم السابقة مؤكّداً أنّه لم يتم التعامل مع ولا حالة أو تطبيق التعميم حتى الآن.
لقد أثارت فقرتا التعميم الثانية والخامسة من المادّة الأولى تساؤل الخبراء الاقتصاديين. فالمادّة الثانية تقضي بأن يمنح مصرف لبنان المصارف والمؤسسات المالية المعنية تسليفات بالليرة اللبنانية او بالدولار الأميركي. فاستغرب زبيب لماذا تم اعتماد الدولار الأميركي ايضا إذا كان أحد أبرز الأهداف دفع الرواتب التي هي بمعظمها بالليرة اللبنانيّة.
هذا أسلوب لتحفيز المصارف وطمأنتها أنّ القروض لن تخسر قيمتها، بحسب المحامي شربل شواح، رئيس جمعية دعم الشباب اللبناني. فالمستفيدون من هذه المادّة هم المصارف وهذا ما سمّاه المولى “جرعة بنج” لهم.
في هذا السياق، لم يوافق د. وائل دبيسي، مدير أحد فروع بنك بيروت والبلاد العربية، في اتصالٍ معه، على فكرة أنّ تكون المصارف هي المستفيد الأكبر وخاصةً فيما يخصّ المادّة الثانية لافتاً إلى ما يسمّى بالـ ”Currency Risk Rate“ أي أنّ المصارف إذا استلمت تسليفاتها بالدولار من المصرف المركزي ستمنحها بالدولار للعملاء لأن هذا قد يشكّل خطراً إضافيّاً عليها وعلى قيمة العملة.
لقد نصت الفقرة الخامسة من المادّة الأولى من التعميم على التالي:”بغية احتساب قيمة التسليفات التي يمنحها مصرف لبنان يتم اعتماد سعر وسطي لعملة القرض الممنوح للعميل بالليرة اللبنانيّة كما هو بتاريخ موافقة مصرف لبنان على طلب المصرف المعني أو المؤسسة الماليّة المعنية“.
يتساءل المولى عن معنى الوسطيّة: هل هو السعر ما بين السعر الرسمي وسعر الصرّافين؟ ومن المستفيد من هذا السعر الوسطي؟
كلمة ”سعر وسطي“ مبهمة وأعتبر قزي أنّها قد تُركت مبهمة عن قصد لأنّ لها تداعيات. فانّ استخدام السعر الوسطي يخدم مصلحة المصارف، فبحسب زبيب إذا تغيّر سعر الصرف الرسمي، يكون العملاء قد أخذوا القرض على سعر اليوم ولكن سيردّونه على السعر الوسطي غداً.
أمّا في التعميم الجديد للمصرف المركزي رقم ١٤٨ بتاريخ ٣/٤/٢٠٢٠، فقد أعلن مصرف لبنان عن تحديد سعر الصرف بشكل يومي ممّا دفع زبيب إلى وصف المصرف المركزي على صفحته على فايسبوك أنّه “الاكثر خلقاً لأسعار صرف كثيرة لعملة واحدة.”
يضع هذا التعميم أعباء اضافية على المصرف المركزي لتمويل قروض قد تصل إلى ملايين الدولارات. لكنّ قزي رجّح أنّ يتحمّل المصرف هذه الأعباء بالليرة اللبنانيّة فهو يمكنه أن يطبع ليرة بقدر حاجته بالرغم من تأثير هذا الأمر على سعر صرف الليرة على الأمد البعيد مميّزاً بين الدولار المحلي أو ما يسمّيه بـ “اللولار” (أي عمليّات رقميّة وcomputer entries) والدولار الحقيقي وهو الدولار الورقي أو الذي يخرج من لبنان. ومؤكّداً أنّ الأعباء من هذا التعميم هي بالدولار المحلي أي باللولار. وأثنى زبيب على هذا الرأي، فاعتبر أنّ هذه “عمليّة دفتريّة يتغيّر فيها صاحب الحق على الدفتر ولكن المبلغ بحصيلته يبقى عند مصرف لبنان.”
لم يأخذ هذا التعميم بعين الاعتبار المؤسسات المتعثّرة التي لم تحصل على قروض سابقة من المصارف ممّا يحرمها من الحصول على قرض ماليّ بظلّ حاجة العديد من المؤسسات الملحّة للدعم الماديّ. ويقول السيد دبيسي من مصرف بيروت والبلاد العربية أنّ العديد من العملاء توجّهوا إليه فور صدور التعميم لمحاولة الحصول على قروض وشرح لهم الشروط. ممّا يشير إلى حاجة فئة كبيرة من اللبنانيّين إلى قروض ومساعدات ماليّة.
فناجي أبو سلمان، صاحب مطعم Universal Snack في شارع بليس في الحمرا، تحدّث عن التعثّر الذي واجه المطاعم بشكلٍ عام ومؤسسته بشكلٍ خاص وأعلن عن الحاجة الملحّة للحصول على قرض الّا أنّ مؤسسته لا تستوفي شروط التعميم.
ووفقاً لأبو سلمان “طالما أنّهم يمنحون القروض للمستدينين فقط يعني أنّهم يخدمون المصارف” وقارن لبنان بالدول الخارجيّة التي تضخّ الأموال لدعم المؤسسات في حين أنّ في لبنان يعملون لحماية المصارف لا المؤسسات. وبرأيه كان من الأجدر لحماية المؤسسات أن تُمنح قروضا لجميع المؤسسات المتعثّرة وأن تتّخذ الحكومة خطوات إضافيّة تتمثّل مثلاً بالإعفاءات الضريبيّة (مثلاً ضريبة الأملاك المبنية وضريبة الدخل، والـ TVA وغيرها). ويؤكّد أنّ “أغلب المؤسسات اللبنانيّة بحاجة إلى دعم حتى تتمكّن من الاستمرار أو لن تتمكّن من فتح أبوابها.”
أمّا بشير زهرالدّين، صاحب مؤسسة “إخوان للتجارة” لبيع أدوات صحية وكهربائيّة ومواد للبناء، تحدّث عن التدهور في الأرباح منذ السنة الماضية فلقد خسروا في البداية حوالي ٣٠% من ربحهم مع إيقاف قروض الإسكان وتفاقمت الخسائر أكثر منذ أيلول الماضي وخصوصاً بعد تدهور قيمة الليرة اللبنانيّة بمقابل الدولار وعدم استقراره وسياسة التقشّف التي اعتمدتها المصارف مع عملائها والآن مع الكورونا تردّت الحالة أكثر.
ولقد انتقد زهرالدّين التعميم رقم ٥٤٧ لأنّه يحرم معظم المؤسسات المتعثّرة من القروض مؤكّداً أنّ قلّة سوف تستفيد من هذا التعميم وبالتالي لن يكون له أثر إيجابيّ ملموس. وأقرّ أنّه حتى لو كانت مؤسسته مستوفية للشروط، لم يكن ليأخذ قرضاً من المصرف لأنه يفضّل الإغلاق لبضعة أشهر على أن يسجّل على نفسه ديون وقروض إضافيّة وخاصة في غياب أي أفق إيجابي للمستقبل ولكنّه لفت إلى أنّ بعض المؤسسات كانت لترغب بالاقتراض لتفادي الإغلاق وبالتالي “للحفاظ على اسم المؤسسة في السوق.”
موقف مديرة مدرسة West Hill College – بعقلين، وفاء أبو حمدان، لا يختلف كثيراً، فبالرغم من توقفها عن تسديد رواتب الأساتذة والمستحقات الماليّة على المؤسسة في الشهرين الماضيين فهي لا تستوفي شروط التعميم الّا أنّها أكّدت أنّها لا تفكّر في الحصول على قرض خاصةً في حال لم تفتح المدارس أبوابها: “نحن مؤسسة صغيرة، ففي حال لم يسدّد الأهالي جزءاً من الأقساط المدرسيّة، لا يمكننا دفع كل الرواتب والمستحقّات الماليّة ولا يمكننا أن نخاطر ونتكبّد أعباءً إضافيّة” وخاصةً أنّ نسبة تحصيل الأقساط هذا العام لا تتجاوز الـ٣٠%.