المصرف المركزي وحاكمه مخطئان. ومن يواجهونهما اقترفوا الكثير من لأخطاء والشوائب، واستفادوا من سياسات حاكم المركزي وهندساته المالية. وخلاصة المعركة التي تتخذ عناوين كثيرة، منها مكافحة الفساد وسواه، هدفها السيطرة والاستحواذ على بقايا الدولارات من المصارف والأسواق.
بداية، لدى مصارف لبنان مشكلات ثلاث وخطايا كبيرة: الهندسات المالية المتبعة منذ سنوات. عدم وضوح في الحسابات وفي التدقيق المالي في الميزانيات السنوية. وفتح “بولفار صغير” يتمكن من خلاله سلامة تلبية مصالح حزب الله الذي يتعرض لعقوبات أميركية مشددة. فبعد إغلاق جمال ترست بنك بفعل فرض عقوبات أميركية عليه – مثلاً – اجترح سلامة صيغة لتوفير أماكن آمنة للحسابات التي كانت مودعة في هذا البنك. وهناك أمثلة كثيرة جرى تداولها سابقاً، عن اجتراح سلامة توليفات متعددة، تسمح لحزب الله المناورة للالتفاف على العقوبات.
المعركة التي تخوضها الحكومة والعهد ضد حاكم مصرف لبنان اليوم، هي معركة سياسية، تنطلق من فتح ملفات قضائية لإدانة سلامة أو الضغط عليه، لدفعه إلى الاستقالة لتعيين بديل عنه. المعركة هذه ستستمر وتتزايد حدتها في المرحلة المقبلة. ووصلت التحقيقات إلى أحد الموظفين الأكفاء في المركزي هو مازن حمدان. ومعروف عنه سيرته المهنية الحسنة والنظيفة. وهذا يكفي لتحويله كشب فداء في معركة أهل السلطة. ناهيك عن أن حمدان هو نجل القيادي الراحل في الحزب الشيوعي اللبناني حسين حمدان، وعمه الشهيد مهدي عامل الذي اغتالته القوى الظلامية عام 1987. وقد سُوِّق اليوم أن توقيفه انتصار. وغاية ذلك هو الضغط على سلامة، لأن حمدان مقرب منه.
من الناحية القانونية، لم يقترف حمدان أي مخالفة. بل التزم بتعاميم حاكم مصرف لبنان، ولا سيما التعميم المتعلق بإنشاء منصة الكترونية لضخ الدولار في السوق، بغية تخفيف انهيار سعر الليرة.
أُنشئت هذه المنصة بتوجيهات من سلامة، وتنفيذ مازن حمدان، الذي ليس لديه طرفاً سياسياً يحميه. وضخت دولارات في الأسواق، بحسب ما تبين الأرقام التي نشرها مصرف لبنان بعد رفع السرية المصرفية عن حساباته مع الصرافين، ليتبين أن حمدان سلّم الصرافين من فئة (أ)، والتي يفترض أن يتم التعاطي معها بموجب المنصة. ولكن اكتُشف أن المنصة ضخت دولارات للصرافين من الفئة (ب) بقيمة 400 ألف دولار، وسلمت 170 ألف دولاراً لصراف غير شرعي، ولا ينتمي لأي من الفئتين. وبنتيجة التحقيق بدأت تكر السبحة.
قام حمدان بهذه الخطوة، لأنه لم يتمكن من تمرير الكمية اللازمة من الدولار إلى سوق الصرافين من الفئة (أ)، للتدخل وتخفيض سعر صرف الدولار. وفي التحقيق معه قيل له: “القِ التهمة على سلامة وادَّعِ أنه هو من طلب منك ذلك، فيُطلق سراحك”. هنا تحرّك الحاكم وأجرى الاتصالات اللازمة، معرباً عن استيائه. إذا استمر التصرف بهذا الأسلوب فهو سيلجأ إلى تقديم استقالته. هنا جاءت مواقف سياسية متعددة رافضة الاستمرار بهذه الطريقة، وبرزت مواقف دولية داعمة لسلامة. فختم التحقيق عند حمدان.
تعود المشكلة الأساسية إلى أشهر سالفة: الصراع على استحواذ على الدولارات من الأسواق. وبحسب المعطيات لدى حزب الله قدرة هائلة على استيعاب الدولار من السوق. فلو ضخ مصرف لبنان 15 مليون دولار أسبوعياً في السوق، فإن قدرة حزب الله العالية جداً على امتصاص الدولارات، تمكنه من الحصول عليها في ساعات ثلاث. طبعاً، هنا تدخل الحسابات الأميركية التي تريد التضييق على حزب الله أكثر فأكثر، ومنعه من الحصول على الدولار. لذا ارتأى سلامة التوقف عن ضخ الدولارات في السوق، والحفاظ عليها في المصرف المركزي، وإيجاد طريقة لتسليمها إلى التجار عبر صرافين محددين. وهو في هذا يتماهى مع الضغط الأميركي.
وأبلغ سلامة رئيس الجمهورية في آخر لقاء بينهما، أنه غير قادر على ضخ كميات أكبر من الدولار في الأسواق، لأنها تُمتص سريعاً وتختفي من السوق. وهذا لن يؤدي إلى تخفيض سعر الدولار. طبعاً، هناك نوايا ورغبة أساسية لدى عون: إقالة سلامة لتعيين شخص موال له بدلاً منه. كما أن دياب يريد إقالة سلامة أيضاً، ليكون البطل المخلص. والرئيسان يحاولان البحث مع الأميركيين عن صيغة للإطاحة بسلامة، وتعيين بديل عنه موال للأميركيين. لكن قوى سياسية عديدة في لبنان تتحفظ على هذا الأمر، على قاعدة أن سلامة أفضل من غيره في هذه المرحلة.