ومن جهة أخرى معارضة مشرذمة تحاول لملمة شتاتها وتوحيد جبهاتها في مواجهة “النظام الشمولي” الآتي على متن “طروادة” الحكومة القائمة، وما بينهما شعب “منهوب” كبّلته قيود “الحجر” فزاد الوباء طين عيشته بلّة حتى يكاد بين لحظة وأخرى يعود إلى شوارع الثورة مفضّلاً “موت الكورونا” على ذلّ الجوع والعوز وفقر الحال كما حصل بالأمس في طرابلس.
وبينما اللبناني تتآكل حقوقه وتتهالك مقدرات عيشه وتُنهب أمواله وتُجفف مصادر تمويله وتُسلب جيوبه ويلاحق في رزقه حتى آخر دولار قد يأتيه من الخارج، لم تتوانَ السلطة الحاكمة عن الانقضاض بوقاحتها المعهودة على السلطة القضائية ومحاصرة استقلاليتها عبر ما يشبه “الانقلاب العسكري” على التشكيلات القضائية وفرزها بين “عدلي” و”عسكري” بموجب “فتوى” عونية رصدت فيها أوساط قانونية وقضائية متقاطعة “بصمات” وزير العدل السابق سليم جريصاتي لعرقلة تشكيلات مجلس القضاء الأعلى، الذي سرعان ما انتفض لاستقلاليته ولنصّ القانون مؤكداً الإصرار مجدداً على مشروع تشكيلاته كاملة على قاعدة “إما تكون واحدة موحّدة أو لا تكون”.
رأت أوساط قانونية في ذلك “محاولة من دوائر الرئاسة الأولى لوضع اليد على التشكيلات العسكرية تعويضاً عما عجزت عن تحقيقه في التشكيلات العدلية وفرض معادلة ترهن تحرير هذه التشكيلات بإعطاء “التيار الوطني الحر” ما يريده من مواقع قضائية”.
ووصفت مصادر قضائية رفيعة هذه الخطوة بأنها “بدعة غير قانونية وسابقة غير دستورية حاكها وزير سابق وتهدف بشكل أساس إلى تعطيل التشكيلات برمتها لغايات سياسية”، مشددةً لـ”نداء الوطن” على أنّ ما جرى يندرج ضمن إطار “خطة مرسومة لتطيير التشكيلات ومجلس القضاء لن ينصاع إليها”، وأوضحت أنّ “وزير الدفاع لا يحق له الإشراف على التشكيلات، والقانون واضح عندما قال إذا أعادها مجلس القضاء بأكثرية أعضائه أو بالغالبية تصبح عندها ملزمة للجميع، رؤساء ووزراء، وأي تصرف عكس ذلك يُعتبر تدخلاً في شؤون القضاء”.
وإذ أكدت أنّ القانون يمنح المتضررين إمكانية الطعن أمام مجلس الشورى، شددت المصادر على أنه “لا يحق للسلطة الإجرائية أن تتدخل بالسلطة القضائية”، لافتةً الانتباه إلى أنّ “المادة 13 من قانون القضاء العسكري التي كانت تعطي لوزير الدفاع صلاحية مشاركة مجلس القضاء الأعلى في اختيار قضاة المحكمة العسكرية تم إلغاؤها بفعل المادة 136 من قانون التنظيم القضائي التي نزعت هذه الصلاحية”، وبالتالي فإنّ ما جرى ليس أكثر من “هرطقة هدفها الأساس إرضاخ مجلس القضاء الأعلى لكنها لن تؤدي سوى إلى تعميق هوة الشرخ القائم بين السلطتين السياسية والقضائية”.
لا سيما وأنّ العبارات التي استخدمها كل من عون ودياب تختزن نوايا قمعية للأصوات المعارضة في البلد، تحت شعارات تحاكي “مكافحة الفساد” كما عبّر عون على طاولة مجلس الوزراء في معرض توعّده “بعض السياسيين الذي ينتقد عمل الدولة ومؤسساتها” وتهديده بأنه “بعد اليوم، لن نسكت والنقد العشوائي غير مقبول والاساءات مرفوضة”،
ملوحاً في المقابل بـ”تحريك النيابات العامة وهيئة التحقيق الخاصة وكل الهيئات القضائية والرقابية”، في وقت لم تكن المفردات التي استخدمها دياب في إطلالته المتلفزة مساءً خارجة عن السياق نفسه في تأكيد جهوزيته السياسية للتصدي لمعارضيه ممن وصفهم بأنهم يطلقون “قنابل دخانية فاسدة لم تعد تُغطّي رغبة البعض بالاستمرار في نهج العصبيات والمحسوبيات والحسابات الشخصية والمصرفية”،
متوعداً تحت عنوان ضرورة “صمت الأحقاد” باتخاذ الحكومة إجراءات متسارعة “لمحاسبة الذين ارتكبوا الظُلم”، ومؤكداً أنه للتخفف من “التركة” التي خلفها من سبقه في السراي، طلب “شخصياً” أن يعود التحقيق والتدقيق بالأموال المسروقة “إلى أشهر عديدة قبل انتفاضة 17 تشرين”.
وتعليقاً على اللهجة الرئاسية التصعيدية، رأت مصادر سياسية معارضة أنها بداية مرحلة “تكشير الأنياب”، مشيرةً لـ”نداء الوطن” إلى أنّ ما “سمعناه أمس إنما في واقع الأمر يفضح خلفيات الهجمة التي يشنها فريق رئيس الجمهورية على الجسم القضائي لتخضيعه وتسييس مواقعه تمهيداً لتسخير “سيف القضاء” وتسليطه فوق رقاب المعارضين سواءً كانوا أحزاباً أو سياسيين أو حتى ناشطين في المجتمع المدني”.