ولكن، لا مجرد الاعلان عن الانقاذ انّ الأخير قد تمّ فعلاً، لذلك، لا إشهار الافلاس كما في 7 آذار 2020 كان يحتاج احتفالية، ولا الافراج عن خطة حكومية في لبنان يستحق مهرجاناً وطنياً.
تتمتّع الخطة الحكومية للإصلاح في مضمونها بنقاط قوة ونقاط ضعف. وهي مثل أي دراسة أو اقتراح تحتاج تعديلات وتحسينات لتصبح في وضع أفضل. ولا شك في أنّ من مصلحة البلد وناسه، أن تنكبّ الحكومة على دراسة كل الملاحظات والاقتراحات، لتشذيب الخطة وجعلها متماسكة اكثر، ومتماهية مع الهدف الرئيسي للإنقاذ، وألّا تتعاطى مع أي تغيير تضطر اليه على انه “هزيمة” لها وانتصار” لمَن قدّم اقتراح التعديل.
لكن، ومن المفارقات انّ ما يعتبره البعض نقطة ضعف في الخطة، هو في الواقع نقطة القوة الاساسية. اذ يرى هؤلاء انّ الخطة بكل تفاصيلها صيغت لكي تكون ممراً الى صندوق النقد الدولي. والواقع، وحتى لو سلّمنا جدلاً بصحة هذه النظرية، فهي ليست تهمة بل أقرب الى الانجاز. وهناك 3 اسباب على الأقل تجعلنا نقول انّ صندوق النقد أكثر من ضرورة في هذا الوضع للأسباب التالية:
طبعاً، هذا لا يعني انّ هذه الضمانة (رقابة الصندوق على التنفيذ) تلغي مخاطر تخلّف الحكومة اللبنانية عن تنفيذ وعودها. اذ ليس مستبعداً ان تلتزم الحكومة وتحصل على دفعة أو أكثر من التمويل الذي قد يرصده صندوق النقد، ومن ثم تتخلّف عن تنفيذ البرنامج الاصلاحي. أو في أحسن الاحوال قد تتحايَل وتتلاعب، وتنفذ انتقائياً، بحيث نصل الى الفشل. هذه الامور حصلت مع دول عدة تعاونت مع صندوق النقد. هذه الدول هي من الامثلة الفاشلة التي يعطيها المعترضون على اللجوء الى الصندوق للقول انّ التعاون مع الصندوق يجلب الويلات وليس الانقاذ للدول التي تخضع لوصايته. لكن الواقع انّ حكايات الفشل، وهي كثيرة، ترتبط بسلوك حكومات تلك الدول، وليس بسبب “شروط” الصندوق.
وينبغي أن نأخذ في الاعتبار التطوير الذي شهده عمل صندوق النقد، وطريقة تعاونه مع الدول التي تحتاج مساعدته، خصوصاً في أعقاب أزمة 2008، وما تلاها من قرارات اتخذت تباعاً على مدى سنوات في قمم عقدتها مجموعة الـG20، ومن ضمنها “أنسنة” شروط الصندوق، وجعله يهتم أكثر بتنمية الاقتصاديات، وليس فقط بتصحيح ميزان المدفوعات.
وبالتالي، لا مبرّر للقلق حيال التعاون مع صندوق النقد. لكن المطلوب الذهاب بخطة جيدة، تطمئن اللبنانيين الى مستقبلهم. اذ لا يجوز الاتّكال على “ضمير” الصندوق لكي يجري التعديلات التي تضمن بقاء لبنان كما نعرفه لجهة الليبرالية غير المتوحشة، والواحة المميزة في المنطقة. ولأنّ هناك شكوكاً تصل الى حد الاعتقاد أنّ هناك مؤامرة لتغيير وجه لبنان من خلال بعض مندرجات هذه الخطة، وإذا كان هذا القلق في غير محله، على الحكومة أن تُسارع الى تصحيح مكامن الخلل في الخطة، لكي تزيل هذا الالتباس. أما الاصرار على عدم تغيير حرف فيها، فهذا سيكون بمثابة شبهة ترتقي الى مستوى اليقين، أنّ هناك فعلاً مؤامرة جرى زرعها تعت عنوان الخطة الانقاذية، وهي حتماً لن تشكّل إنقاذاً للبلد، بل ستشكّل تدميراً لما تبقّى من قيمه التي يتمسّك بها السواد الأكبر من اللبنانيين.