الخميس 18 رمضان 1445 ﻫ - 28 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

حلم الممر البري الإيراني يصطدم بـ "تدويل" الحدود ‎

في أدبيّات محور “الممانعة”، نجدُ أنّه مِنَ النّادر استخدام مصطلح “دولة” للإشارة إلى المناطق الّتي يعتبرها هذا المحور مجالاً حيويّاً للمنظومة الإيرانيّة، إنّما تمّ استبداله بالـ “الميادين”، حيث يعتبر هؤلاء أنّ الميدان اللّبنانيّ متّصل بالميدان العراقيّ عبر الميدان السّوريّ، لأنّ كلّ تلك “الدّول” لا تشكّل سوى ميادين قتال لتصدير الثّورة الإيرانيّة إليها وجعلها ولايات تابعة للفقيه.

 

حدود إيران في لبنان

من هذا المنطلق، يمكنُ مقاربة مسألة الحدود السّياسيّة الفاصلة بين الدّول، ومنها الحدود اللّبنانيّة السّوريّة على سبيل المثال، بأنّها لا يجب أن تكون عائقاً للمحور وأنّ “هذه الحدود بالأساس هي صناعة الاستكبار العالمي”. والنّتيجة أنّ تلك الحدود ما زالت، انطلاقاً من بداية الأزمة السّوريّة، تحت شعار توحيد السّاحات أو الميادين، وأنّها تركت “شكليّاً” للدّولة حقّ ممارسة السّيادة بشكل يتماهى مع ضرورات “المقاومة” مرحليّاً لضرورات التّقيّة.

ومن هذا المنطلق أيضًا، يمكن قراءة تشدّد حزب الله تجاه مسألة الحدود، فهي ليست فقط بوّابة اقتصاديّة مربحة للحزب، إنّما حدود استراتيجيّة لإيران تتيح لها عمقَ التّغوّل في الشّواطئ الشّرقيّة للبحر الأبيض المتوسّط، حيث تعتبر إيران أنّ الحدود هي امتدادها الاستراتيجيّ الطّبيعيّ.

لا يمكن اعتبار هذه الحدود أنّها حدود سوريّة، إنّما هي حدود إيرانيّة استراتيجيّة، وبالتّالي كلّ محاولة لبنانيّة لإقفالها لن تكون نتيجتها محمودة، والاستعراضات الّتي تقوم بها الحكومة الحاليّة لا تتجاوز الاستعراضات الّتي قامت بها سابقاتها لتثبت وجودها وتحاول إظهار شيء تعتقد أنّه يُريح المجتمع الدّوليّ.

“التّدويل”!

في الواقع، وبصراحة قالها حسن نصر الله، لا لتدويل الحدود ولا لتوسيع القرار الدّوليّ 1701 إلى الحدود الشّرقيّة، فبالنّسبة له وَفي أسوأ الأحوال، يريد جرَّ الحكومة لمفاوضات مع النّظام السّوريّ للتّطبيع تحت غطاء نقاش مسألة الحدود والّتي قد تنتهي بالتّنازل عن عدد غير مهمّ من المعابر مقابل الإبقاء على حرّيّة معابره الاستراتيجيّة تحت سيطرته، ولاسيّما معبرَي القلمون والقصير.

الحدود العراقيّة السّوريّة شاهدةٌ على الأهمّيّة الاستراتيجيّة للممرّ البرّيّ الإيرانيّ، فاستماتت إيران للسّيطرة على المعبر القائم من النّاحية العراقيّة، والمتّصل بمعبر البوكمال للنّاحية السّوريّة، وهو خير دليل على هذا الطّريق الحيويّ، كذلك التّغيير الدّيمغرافيّ الّذي شهدته مدنٌ عديدة في العراق، والّذي بدأ في محافظة ديالى على الحدود العراقيّة الإيرانيّة وُصولاً إلى الموصل، ومحاولات تهجير سكّان الانبار والفلوجة هي لضمان سيطرة مليشيات الحشد الشّعبيّ على هذه المدن لتشكّل لاحقاً بيئة حاضنة لهذا الطّريق.

عائق أميركيّ – روسيّ

وبعد أن تغلغلت في العراق وسوريا سياسيًّا وَعسكريًّا، يبدو حلم طهران بفتح طريق يربطها بدمشق عبر بغداد وصولاً إلى مياه البحر المتوسّط أقرب إلى الحقيقة بعد توقيع حكومات إيران والعراق وسوريا على مشروع لإقامة “أوتوستراد” يربط عواصم الدّول الثّلاث، بمسافة تصل إلى 1700 كيلومتر، حيث تنقل  البضائع عبر هذا الخطّ إلى موانئ البحر الأبيض، وقد يمتدّ الطّريق نحو العاصمة اللّبنانية بيروت، تنفيذاً لمخطّطها التّوسّعيّ في المنطقة.

لكنّ طموحات إيران على ما يبدو، اصطدمت مع الولايات المتّحدة الّتي باتت تقف حجر عثرة في طريق الطّموحات الإيرانيّة، فالقواعد العسكريّة الأميركيّة في شمال شرق سوريا دفعت إيران لتغيّر مسار الطّريق تجنّبًا للصّدام مع واشنطن، وبات محصوراً عبر معبر البوكمال الّذي يصل إلى بادية الشام، إضافةً إلى ذلك اصطدمت بالتّواجد العسكريّ الرّوسيّ ولاسيما من خلال إصرارهم على التّواجد الاستراتيجي في موانئ السّاحل السّوريّ، وبالتّالي باتت الحدود اللّبنانيّة السّوريّة هي الحلقة الأضعف لتغلغل الممرّ الإيرانيّ، والهدف هو الاستيلاء على السّاحل اللّبنانيّ.

وليس صدفةً أن يزداد تبشير أمين عام حزب الله بالسّوق المشرقيّة، فهو يدعو للاعتماد على الصّين، ولكنّه يقصد إيران، فكيف يمكن العبور برّاً إلى الصّين دون إيران؟ فهذه الدّعوات الّتي تحمل شعاراً اقتصاديّاً يهدف إلى فتح الطّريق من بيروت إلى بكين، ليست سوى “تقيّة” للممرّ الاستراتيجيّ البرّيّ الإيرانيّ، وهو يعرف مُسبقاً أنّ تدويل هذه الحدود وحده قادرٌ على خنق سوق إيران المشرقيّ، فكان الهجوم الاستباقيّ على أيّ محاولة لتوسيع القرار 1701 تحت ذريعة انّه لا يمكن نشر قوّات دوليّة بيد دولتين “شقيقتين”.