خروج “مموه”
ثلاثة مواكب انطلقت من أمام منزل غصن في منطقة الأشرفية بأوقات متباعدة للتمويه على الموكب الحقيقي الذي أقلّه إلى مقر نقابة الصحافة، حيث تردّد أنه كان موجوداً قبل ساعة من موعد المؤتمر الذي حُدّد في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت بيروت، إلاّ أنّ أحد المواكب التمويهية وصل قبل دقائق من الوقت المحدد إلى المدخل الرئيس، حيث تجمّع عشرات الصحافيين الذين تهافتوا على الموكب، قبل أن ينكشف الأمر أنه ليس في داخله، ما أثار استغراب الإعلاميين الأجانب حول الإجراءات غير المعهودة في دولهم.
وحشية القضاء
أثناء المؤتمر الذي تجاوزت مدته الساعتين ونصف الساعة، بدا غصن مرتاحاً ومطمئناً، ما دفع الموفدين الإعلاميين إلى الاستنتاج والحديث بالتواتر عن الغطاء الذي تقدمه الدولة اللبنانية لحرية حركته ووجوده على أراضيها، بخاصة عندما قال إنّه فخور بكونه لبنانياً، معتبراً أنّ لبنان هو البلد الوحيد الذي وقف معه في الصعوبات. وأضاف “لا أعتقد أن هناك خطراً على أمني في لبنان، والإجراءات التي أتّخذها لن تستمر”، كما كان لافتاً غضبه الشديد على القضاء الياباني الذي شبّهه بأبشع الأوصاف، قائلاً “كنت سأموتُ هناك وعوملتُ بوحشية”.
كما تحدّث عن السجن الانفرادي والمعاملة غير الإنسانية، مؤكداً “حُرمتُ من أبسط حقوقي، وشعرتُ أنني ما عدت إنساناً، إنما بين الإنسان والحيوان”، الأمر الذي لم يَرُق لبعض الصحافيين اليابانيين الذين كانوا موجودين في القاعة وعلامات التململ بدت واضحة على وجوههم لاعتبارهم أن غصن يشوّه صورة القضاء في بلادهم ويقترب من تشبيهه بقضاء الأنظمة المستبدة في العالم الثالث.
غصن يعتذر من اللبنانيين
واستفاض غصن بشرح مظلوميته والمؤامرات التي حيكت ضده في اليابان، وتجنب بشكل واضح الغوص بتفاصيل لغز هروبه، وعلى الرغم من إصرار الصحافيين على معرفة قصة الهروب المعقدة، رفض الإجابة متذرّعاً بعدم تعريض العلاقات اللبنانية اليابانية للمشاكل، والخطر الذي قد يصيب أشخاصاً ساعدوه في العملية سواء في اليابان أو في دول أخرى.
تغريدة ورد من اليابان
وبينما كان غصن يعقد مؤتمره الصحافي، غرّد حساب اليابان بالعربي “أن السلطات اللبنانية منعت معظم المؤسسات الإعلامية اليابانية من حضور المؤتمر”، مضيفاً “أن الاستبعاد الواضح للصحافيين اليابانيين يوحي بأن غصن لا يريد مواجهة أسئلة صعبة منهم”.
واعتبر أنّ “كارلوس غصن فر من اليابان بطريقة تشكّل في حد ذاتها جريمة”، مضيفاً “لقد فشلت تصريحاته في مؤتمره الصحافي في تبرير أفعاله، وإنّ زعمه بوجود مؤامرة خطأ تماماً”. وأشار إلى أن الادعاء يسعى لتقديمه إلى العدالة في اليابان.
تناقض بين الصحافيين
في هذا السياق، عبّر أحد الصحافيين في التلفزيون الياباني عن غضبه من عدم السماح له بالدخول إلى القاعة التي عُقد فيها المؤتمر الصحافي، ما اضطُّره إلى متابعة مجرياته مع آخرين عبر الإنترنت وقال “كنتُ سأسأل كارلوس غصن أسئلة كثيرة تفضح كذبه وتشويهه للوقائع”، مضيفاً “كان من المفترض أن تكون الأولوية للإعلام الياباني في قاعة المؤتمر، كوننا معنيين بالأمر أكثر من غيرنا”.
تفاصيل عملية هروب كارلوس غصن “الهوليوودية”
وحول المظلومية التي واجهها غصن أمام القضاء الياباني، رأى أنها حجج لا أكثر، إذ أراد الاستفادة من عدم وجود اتفاقية تبادل بين لبنان واليابان، كما أن العامل المغري لغصن هو أن القانون اللبناني لا يعاقب على فعل تهرّب ضريبي مرتكَب خارج أراضيه، وبالتالي يفلت من العقاب.
وأعربت إحدى الصحافيات الفرنسيات عن سرورها بتمكّن غصن من الخروج ممّا سمّته “الأسر” والظلم الذي تعرّض له في اليابان، وبدت مقتنعة جداً بالرواية لدرجة أنها اعتبرت أن السلطات اليابانية ناكرة للجميل تجاه شخص أعاد إحياء أبرز الأذرع الاقتصادية فيها، مرددةً العبارة التي قالها في مؤتمره الصحافي “كنتُ رهينة دولة خدمتها لمدة 17 عاماً وأعدت إحياء شركة، لم يكن من الممكن إعادة إحيائها”.
السفير يعلق
وكان سفير اليابان في بيروت تاكيشي أوكوبو التقى الرئيس اللبناني ميشال عون تفادياً لحدوث تداعيات سلبية على العلاقات الودية بين البلدين، وقال بعد اللقاء “أثرنا خلال اللقاء موضوع السيد كارلوس غصن وأبدينا وجهة نظرنا حياله، وقلنا إن اليابان حكومة وشعباً تشعر بالقلق الشديد إزاء هذه القضية، ولا سيما طريقة خروجه من اليابان ودخوله إلى لبنان”.
تركيا قبل بيروت
وفي آخر المعطيات المتعلقة بهروب كارلوس غصن، أشار مصدر أمني لبناني أن السبب في اختيار اسطنبول كوجهة أولى لهبوط الطائرة بدل الهبوط المباشر في بيروت، قد يعود إلى عاملَيْن أساسيَّيْن، الأول بهدف وصوله إلى بيروت وخروجه بشكل عادي من الطائرة والدخول قانونياً إلى لبنان عبر جوازه الفرنسي وهويته اللبنانية، على عكس الرحلة التي أقلّته من أوساكا إلى اسطنبول والتي يُعتقد بأنه كان مختبئاً خلالها داخل صندوق مخصص للمعدات الموسيقية. والعامل الثاني التمويه وإخراج مهرّبَيْه الأساسيَّيْن مايكل تايلور وجورج الزايك في هذه المرحلة النهائية بعدما رافقاه من أوساكا إلى اسطنبول.
ووفق المعلومات، فإن الفريق الأمني الذي خطّط ونفذ العملية كان مؤلفاً من 15 شخصاً من جنسيات مختلفة ووُزّعت مسارات عمل مختلفة عليهم، بطريقة أنّ كلاً منهم يعمل بصمت من دون تدخل من الآخر، حتى لا يعرف أفراد الفريق مهام الأعضاء الآخرين وحتى تقلّ فرص الكشف عن تفاصيل العملية.