وتتواصل عملية ملاحقة الناشطين في لبنان على خلفية منشورات تنتقد الحكم وخصوصا تلك التي تطال العهد وحزب الله. ملاحقات تبدأ بالتوقيفات وصولا الى الصاق تهمة العمالة لإسرائيل.
الملفات معدة سلفاً، والتهمة حاضرة بانتظار توقيع الضحية، ومسلسل الاستدعاءات الأمنية والقضائية مستمرّ بحق الصحافيين والناشطين والمناضلين، لتشمل كل من يجرؤ على معارضة السلطة.
في سيناريو متكرّر في كل مرة، حين يتصل مكتب أمني بمعارضة أو معارض ليستدعيه إلى التحقيق، من دون كشف السبب أو هدف هذه الدعوة أو مبرراتها القضائية إن وجدت.
المطلوب فقط جرّ هؤلاء إلى المكاتب الأمنية وإخضاعهم فيها لذلّ التحقيق، علّهم يعيدون حساباتهم السياسية خوفاً من ترهيب وضغوط. وهذه لغة كان اللبنانيون قد تعايشوا معها طوال ثلاثة عقود من الوصاية السورية.
المطلوب ترهيب اللبنانيين، بشتّى الوسائل. حصل القمع والسحل، وبعدها الاستدعاءات والتوقيفات، ثم التعذيب بالضرب والكهرباء، وقد نكون مقبلين على ما هو أروع. فالترهيب لغة الديكتاتوريات، أحياءً كنا أو أمواتاً.
وللمزيد من تراكم السجل السيء للدولة اللبنانية، المنبوذة عربياً والمعزولة دولياً، طريقة جديدة تعتمدها السلطات اللبنانية للضغط على الناشطين واسكاتهم، وهذه المرة عن طريق القمع بعصا القوى الامنية والعسكرية الرسمية، بعد أن كانت محاولات تخويف الناشطين تتم عبر هجمات ينظمها أنصار الأحزاب الحاكمة وعلى رأسهم الثنائي الشيعي (حزب الله، وحركة أمل) في أكثر من تحرك شعبي وفي أكثر من منطقة.
وكانت لجنة محامي الدفاع عن المتظاهرين وزّعت إحصائيات بيّنت بالأرقام أنّ السلطة تتعاطى مع هذا الملف انطلاقاً من سعيها إلى تدجين الثورة عبر تجريم الثوار.وأظهرت هذه الإحصائيات أنّ عدد الموقوفين في صفوف المتظاهرين بين 17 تشرين الأول 2019 و31 كانون الثاني 2020 بلغ 906 من ضمنهم 49 قاصراً و17 إمرأة، مع توثيق 194 موقوفاً تعرّضوا للعنف أثناء فترة توقيفهم من أصل 546 متظاهراً تعرضوا للعنف سواءً في ساحات التظاهر أو في أماكن احتجازهم.
لا شكّ أنّ العهد الذي بدأ منذ انعقاد التسوية الرئاسية في العام 2016، نقل لبنان إلى ضفةٍ أخرى تحت مظلة الوصاية الإيرانية وبإدارة حزب الله.
وهذا العهد، بشروطه ومعادلاته ومصالحه المتضاربة والمتناقضة والمعقدة في آنٍ معًا، لم يُكمل الصمود حتّى انتهاء ولايته لمداراة تقهقره وفساده المستشري في السلطة، وداخل أروقة حكومته ووزاراته. لكن، ما لم يكن متوقعًا، هو أن يتجاوز استفحال الفساد في الاقتصاد والكهرباء والبيئة والصّحة، ليطال اللبنانيين بحرياتهم، عبر ممارسات شائنة في القمع والاستبداد والملاحقات من بوابة أجهزة السلطة وقضائها.