وفي وسط تزايد أعداد البشر وتنامي المخاوف من آثار ظاهرة الاحتباس الحراري والخوف من غرق المدن جرّاء زيادة منسوب مياه المحيطات، ظهرت الحاجة إلى مجتمع جديد قادر على النجاة من عوامل الخطر المستقبلية.
من هنا ظهرت فكرة المجتمعات العائمة بشكل دائم في شكلها الأولي، وذلك من أجل الاستفادة من مساحة المياه التي تشغل أكثر من 70 % من مساحة كوكب الأرض، بينما يعتبر معظمها مياهاً دولية تقع خارج سلطات شتى الدول ولا سيما الحكومات.
تصمم المدن العائمة كي تطفو بشكل ثابت على سطح الماء دون الحاجة إلى أي روابط أو أعمدة تربطها بالمساحة اليابسة التي تحيطها. الجدير بالذكر أن الفكرة ليست جديدة في مجملها، فقد تناولها عدة أكاديميين و معماريين بشكل نظري، فضلاً عن أنها شغلت خيال الروائيين وصنّاع السينما فأسفرت عن عدة أعمال ربما أشهرها على سبيل المثال فيلم “Waterworld”.
كما شهدت البشرية أيضاً الكثير من التجارب للعيش في المياه سواء كانت مجتمعات كاملة كشعب الآرو “Uru people” في دولتي بيرو وبوليفيا، أو تجربة حكم طريفة مثل التي حدثت في دولة سيلاند المجهرية، وهي جزيرة اصطناعية عبارة عن قلعة بحرية، قامت القوات البحرية الخاصة بالمملكة المتحدة ببنائها عام 1942 لأجل استخدامها للحرب العالمية الثانية،بعد أن غرقت واستقرت على الأرض.
وفي عام 2008 أطلق معهد كاليفورنيا الأميركي “Seasteading” مبادرات من أجل صناعة مدن عائمة في المياه الدولية وسط تشجيع الراغبين في إنشاء وتجربة أشكال جديدة من الحكومات والقوانين.
ويزعم المعهد بأن تجربة المدن العائمة ستساعد على تطوير وسائل من أجل 8 ضروريات أخلاقية عظيمة وهي: إغناء الفقراء وإطعام الجوعى وعلاج المرضى وتنظيف الجو وإصلاح المحيطات وإمداد العالم بطاقة متجددة، وأخيراً وجود التوازن مع الطبيعة ووقف النزاعات. ولكن البعض لم يطمئن لتلك الادعاءات وسط مخاوف من أن تصبح المدن العائمة حكراً على أصحاب الثروات.
وبالرغم من أن الفكرة كانت في البداية قائمة على إنشاء المدن بالمياه الدولية هرباً من سيطرة الحكومات، إلا أن المعهد حوّل وجهته إلى المياه المحمية من أجل تأمين أكبر للسلع والخدمات والغطاء القانوني.
ومن المفترض أن يبدأ البناء خلال عامين بعد التأكد من مدى النفع الاقتصادي المحلي وإثبات صداقة المدينة للبيئة، كما تضم الجزر مزارع للأحياء البحرية ومرافق للرعاية الصحية ومصادر للطاقة المتجددة، وستزود المنصات العائمة خرسانات مسلحة ومباني أرضية مكونة من 3 طوابق ومدرجات ومكاتب بالإضافة إلى وجود الفنادق أيضاً.
وتبلغ تكلفة المدينة العائمة نحو 167 مليون دولار ومن المتوقع أن يتراوح العدد الأولي لسكان المدينة العائمة بين 250 إلى 300 شخص.
المدينة ستكون تابعة للدولة المضيفة إلا أنها ستتمتع بقدر كبير من الاستقلال السياسي.
وبالرغم من طموحات البرنامج إلا أنها تواجه الكثير من الانتقادات المتعلقة بالتنفيذ والتشكيك في قدرة البرنامج على النجاح والتفاعل على أرض الواقع.
ربما تبدو الفكرة غير تقليدية بشكلٍ كبير للبعض، وربما أيضاً هي حلم بعيد المنال لآخرين، لكن وسط الغضب والإحباط المتنامي بين الشباب والملل من الحكومات والأنظمة والسعي الدائم للهجرة إلى مواطن جديدة لطموحاتهم قد تكون المدن العائمة الحل الأفضل.