الجمعة 17 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

قصة جريمتين بثمرة.. تناول المتنبي تحت شجرتها آخر وجبة!

قصة ثمرة الكمّثرى، في المصنفات العربية القديمة، قصة لافتة، على الرغم من جمالها الخارجي ولذة طعمها، إلا أنها استعملت أداة للقتل، عبر تسميمها وتقديمها للضحية، أكثر من مرة. كذلك حضرت الكمّثرى، في أكثر من مناسبة، وكانت في جميع الحالات مرتبطة، بالقتل أو بالموت. فهل كانت المصادفة هي التي جعلت من ثمرة الكمّثرى، حاضرة في قصص اغتيال شهيرة، وفي قصص حظ عاثر انتهت بالموت؟

الأتراك قتلوا بها خليفة عباسياً

وكانت ثمرة الكمّثرى، أداة ارتكب بها الأتراك، جريمة قتل الخليفة العباسي محمد بن جعفر بن المتوكل، الملقب بالمنتصر، سنة 248 هـ. حيث عمد الأتراك إلى قتله بها، لعلمهم بتعلّق المنتصر بتلك الثمرة، فدفعوا إلى واحد من خدمه “مالاً كثيراً” ليقوم بالعملية. فاختار أفضل ما لديه من حبوب الكمّثرى، ليلفت نظر المنتصر فيختارها، ثم قام باستعمال إبرة ليثقب بها الثمرة وأدخل فيها السم، ثم قدمها إليه فأكلها، وأدت في نهاية الأمر إلى وفاته، خاصة بعد قيام طبيب بتسميم مبضع جراحي، بقصد علاجه من التسميم الأول. وهي واحدة من روايات مقتله.

ويفصّل الطبري أكثر، في قصة تسميم ثمرة الكمثرى وبتعبيره “سقاها سُمّاً”، ويقول إن المنتصر الذي يكثر من أكل الكمثرى، إذا قدمت له الفاكهة، طلب تقشيرها وتقطيعها، قبل أكلها، وفعلوا ذلك، وأكلها كلّها “قطعة قطعة” حتى نهاية الحادثة في محاولة علاجه من تسميمه الأول، بتسميم ثانٍ، كما تقول رواية المبضع الذي سمّمه الطبيب.

ويروى بعض الإخباريين العرب، أن الأتراك قاموا بالاستيلاء على دار الخلافة منذ مقتل المتوكل، ويعتبر هذا، بدء تاريخ سيطرتهم على الدولة العربية. وورد في (الفخري في الآداب السلطانية) أن الخليفة كان في يد الأتراك “كالأسير، إن شاؤوا أبقوه وإن شاؤوا خلعوه وإن شاؤوا قتلوه” وهو ما حصل بقيام الأتراك بقتل المنتصر سنة 248هـ، ثم قتلهم المعتز سنة 255 هـ.

كمّثرى مسمومة تقتل من طريق الخطأ!

ويروي بعض الإخباريين العرب، كالطبري في تاريخه، قصة من قصص سبب مقتل خليفة عباسي آخر، من طريق ثمرة الكمّثرى، وهو الخليفة المهدي الذي توجد أيضا أكثر من رواية لمقتله سنة 169هـ، حيث دفعت الغيرة بإحدى النساء، للتخلّص من جارية، فقامت بتسميم ثمرة كمّثرى، ووضعتها أعلى الطبق كي تلفت انتباه الجارية فتختارها فتأكلها فتقتلها.

إلا أن القصة لم تنته كذلك، وجرت رياحها بغير ما اشتهت المخططة لجريمة القتل، حيث رأى الخليفة العباسي الذي كان معروفاً بتعلّقه بها، ثمرة الكمثرى التي سبق وتم تسميمها إنما لقتل غيره، فاختارها، هو، وأكلها فمات “من يومه”.

وستعاود ثمرة الكمثرى، الظهور في قصة أخرى، في وفاة أسد بن عبد الله البجلي القسري. وللمصادفة، فقد كان الرجل مشهوراً بحروبه ضد الترك كما يرصد الإخباريون “وكانت له مع التّرك وقائع لم تكن لغيره، ودوّخ ملوك الهند والصين، وفي كل وقائعه كان منصوراً”.

وتحضر الكمثرى في رواية موت القسري، عندما كان مريضا وعاده البعض، وقدّم له ثمار الكمّثرى، هدية، فقام هو بتفريق الثمار على من حوله، ولمّا انتهى من توزيعها، مات!

وكان المذكور يعاني أصلا من “الدبيلة” وتعرّف في كتب الإخباريين على أنها خراج ودمّل صغير يظهر في جوف الإنسان ويقتله لاحقاً. وتقول رواية وفاة أسد القسري: “فأهدي لأسد، كمّثرى، ففرّقه على الناس، واحدة واحدة، فانقطعت الدبيلة في جوفه، فمات”. وهو أحد القادة الكبار في الخلافة الأموية، وقضى سنة 120هـ.

آخر وجبة للمتنبي

ستظهر ثمرة الكمثرى، مرة أخرى، في قصة يرويها (مرآة الزمان في تواريخ الأعيان). حيث كانت شجرة الكمثرى آخر شيء يستظلّه أبو الطيب المتنبي، وتناول تحت أغصانها آخر وجبة وآخر لقمة، في حياته، قبل مقتله. مصادفة عجيبة تجعل من هذه الثمرة حاضرة إلى هذا الحد.

ويروى أن رجلاً زعم أنه “حضر قتل المتنبي” وقال إن جماعة كمنوا للشاعر في وادٍ، إلا أنه استطاع التنقل، في الظلام، دون أن يشعروا بوجوده. ولمّا طلع النهار، تتبعوا خط سير الشاعر، فلحقوا به وكان قد نزل “تحت شجرة كمّثرى!” وبين يديه “سفرة فيها طعام”.

وتقول الرواية إن المتنبي عندما رآهم، دعاهم لمشاركته الطعام، فلم ينطقوا بأي كلمة، فأحس المتنبي بشيء في صدورهم، ضدّه، ثم قام من تحت الشجرة وهمّ بالمغادرة، وصولا إلى نهاية قصة قتله المعروفة، على يد فاتك بن أبي جهل الأسدي. وهي الأخرى، إحدى روايات كيفية مقتله سنة 354هـ.

وتحضر ثمرة الكمثرى، في أخبار الموت بالطاعون، أيضاً، فيقول المقريزي في (السلوك..): “وتزايد الموت، وطلب البطيخ الصيفي للمرضى بخمسين درهماً من الفضة.. ورطل الكمّثرى بعشرة دراهم”.

وفي السياق ذاته يقول في مكان آخر عن ما تسبب به الطاعون من موت واسع بين الناس: “وارتفعت الأسعار التي تكفن بها الأموات، وارتفع سعر ما يحتاج إليه المرضى كالسكر والكمثرى!”.

ولم تحظ ثمرة، بهذا القدر من الأهمية والتأثير بالأحداث، في المصنفات العربية، بالقدر الذي حظيت به ثمرة الكمّثرى، فهل كان السبب شدة تعلّق الناس بها، فحضرت أغلب الأحداث، أم هي مجرّد مصادفات مأساوية؟