الجمعة 24 شوال 1445 ﻫ - 3 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

كتاب «معجم النيل».. عمل موسوعي وشفرة ثقافية متنوعة

الشرق الأوسط
A A A
طباعة المقال

تحت عنوان «معجم النيل»… شفرة ثقافية متنوعة تحدثت صحيفة “الشرق الأوسط” عن قيمة الكتاب الموسوعي، واعتبرته العمود الفقري الثقافي لدول حوض النيل العشر.

ويشكل كتاب «معجم النيل» عملاً موسوعياً يرصد «ظاهرة النيل» بوصفه العمود الفقري الثقافي لدول حوض النيل العشر، محاولاً فهم هذه الشفرة الثقافية المركزية، خاصة على المستوى الشعبي، وهو ما يمكن أن يدفع لتدشين تكتل اقتصادي، لا شك سيكون له تأثيره الكبير على شكل العالم الجديد اقتصادياً أولاً، ومن ثم على المستوى السياسي والثقافي أيضاً.

ويمثل الكتاب جهداً بحثياً متعدد المشارب، ففي طريقه لإنجاز هذا المعجم، يروي مؤلفه الدكتور هشام عبد العزيز، أن النيل كان موضوع رسالته لنيل الماجستير بعنوان: «النيل في المرويات الشفاهية والمدونة»، وأصدر كتاباً عن «فولكلور النيل»، وذهب وراء أخبار النهر العظيم في مناحٍ شتى، منها مروياته التراثية ورواياته الشعبية في بلاد الحوض العشرة، واحتفالية الآيريشا لعرقية الأورومو في إثيوبيا، وحفائر بربر في الأبيض بالسودان، وكذلك خليج نابليون ومقياس برتل ومقياس الروضة… كما تتبع أمراض وأوبئة مصر بعد الزيادة البالغة للفيضان، وداء «النوام» عند أهالي محلة جنجا في محيط بحيرة فيكتوريا عام 1899، وركب قوارب المصريين والسودانيين التي صنعوها على أعينهم و«قلفطوها»، كما استمتع مع الأوغنديين في قواربهم التي حفروها حفراً في جذوع الشجر.

ويقول عبد العزيز: «لقد رأيت سكان النيل وعايشتهم في كل أحوالهم؛ إذا حزن أحدهم شرب من البحر، وإذا فرح فإن سعادته لا توصف، وإذا جاء النيل زوّجوا أبناءهم وبناتهم، وإذا غاب قرأوا القرآن وصحيح البخاري، إن جاءهم مولود رموا (خَلاصه) في مائه الجاري، وإذا مات طلبوا شربة منه قبل أن ينتقلوا إلى العالم الآخر. فيه تسكن الجنيات، وإليه ينجذب المساحير بالأعمال السفلية، وفي مائه العذب لحم طري من البلطي والبِنّي والقراميط. على شطآنه يحتفلون بالوفاء، وشم النسيم، والنوروز، والآيريشا، وعيد الشهيد. كما يلقون له العرائس البُكّر حين يزداد، يدفعون الضريبة لحاكم القلعة».

ويرى الكاتب أن نهر النيل ليس النهر الأهم في مصر والمنطقة، بل في العالم كله، كما أنه ليس مجرد ظاهرة اقتصادية تطورت في مرات كثيرة لتصبح ظاهرة سياسية: إنه «أبعد من ذلك بكثير، ليس لمصر ولدول الحوض فحسب. وعلى من يراني مبالغاً أن مئات الكائنات الحية بين أسماك وطيور وحشرات وقوارض وبهائم وبشر، يعيشون جميعاً على النيل وبسببه، ويعانون مع أي تغيير في النهر، وتعاني من ورائهم البشرية بتوازنها البيئي كله، وذلك أنه أيضاً ظاهرة بيئية».

وأضاف عبد العزيز إن الأهم، من كون النيل ظاهرة اقتصادية وسياسية وبيئية، أنه ظاهرة ثقافية مركزية، بل هو بكل بساطة «الظاهرة المنبع»، أو الظاهرة الإطار، لشرق أفريقيا كلها، وأي تغيير في ملامح هذه الظاهرة بأي مستوى، يعني – بلا أي مبالغة – العبث في الصفات الوراثية لهذه المنطقة الجغرافية بكل ما تحمله من أبعاد حضارية.

ولعل هذه الأهمية هي التي كانت الدافع الرئيسي وراء الاهتمام المتزايد من الباحثين والكتاب طوال التاريخ المكتوب للبحث وراء هذا النهر وما يحمله من طاقات وما يثيره من طموحات، منها ما هو سياسي وما هو تنموي وغير ذلك.

كما يؤكد عبد العزيز أن مقولاته النظرية تطورت كثيراً في فهم ظاهرة النيل في كل مرحلة، «فبعد أن كنت أراه مؤثراً في حركة المجتمع المصري اقتصادياً وسياسياً، صرت أرى تأثيره ممتداً في دول الحوض، ومن ثم النظر للنهر العظيم بوصفه أحد شروط التوازن البيئي في الكرة الأرضية، قبل أن أنتهي إلى أن فهماً دقيقاً لطبيعة شرق أفريقيا من شمالها لجنوبها لن يحدث إلا بفهم ما أسميه (ظاهرة النيل) سواء على المستوى الجغرافي أو السياسي أو الثقافي، وهو الأهم بالنسبة لي».

كا أوضح المؤلف أن هذا التشابك والتعقيد في محاولة الإحاطة بظاهرة النيل، أثرا كثيراً في أن ثمة مغالطات حول نهر النيل يرى المدقق أنها من الكثرة بحيث يبدو أحياناً أن العالم وكثيراً ممن يعيشون على جانبي النهر وفي حوضه لا يعرفون عنه الكثير.

وأشار عبد العزيز إلى أن «النيل – مثله مثل كل الأنهار العابرة في العالم – نداء طبيعي صارخ لاتحاد سياسي واقتصادي واجب، وعلى الدول العشر لحوض النيل، وكذلك إريتريا التي تحمل صفة دولة مراقب تلبية هذا النداء. وربما تقربنا بعض الأرقام البديهية من أهمية وضرورة مثل هذا الاتحاد/ الشراكة، لافتاً الى أن مساحة دول حوض النيل نحو 9 ملايين كيلومتر مربع، وهي مساحة لا تتوفر إلا لعدد قليل جداً من دول العالم. كما أن عدد سكان دول الحوض نحو 500 مليون نسمة. وهو تعداد لا يتوفر إلا لعدد قليل جداً من دول العالم، وغالبية سكان دول الحوض من الشباب وهو ما لا يتوفر لكثير من دول العالم.

    المصدر :
  • وكالات