الجمعة 17 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

هكذا كاد السوفييت أن يقتلوا "أب برنامجهم الفضائي"

ما بين عامي 1936 و1938، عاش الاتحاد السوفيتي على وقع ما عرف بالتطهير الأعظم. فعقب حادثة اغتيال السياسي البارز سيرغي كيروف (Sergei Kirov) عام 1934، لم يتردد القائد السوفيتي جوزيف ستالين في إرسال عدد هائل من الأشخاص نحو الموت، حيث استغل الأخير هذه الواقعة ليباشر بملاحقة كل من صنّفهم كأعداء محتملين لسياسته بالبلاد.

وقد أدت عمليات التطهير العظيم التي استمرت لنحو عامين، حسب العديد من المؤرخين لمقتل ما لا يقل عن 700 ألف شخص وإرسال مئات الآلاف الآخرين نحو معسكرات العمل القسري المعروفة بالغولاغ.

في الأثناء، لم يستثن التطهير الأعظم أحدا بالاتحاد السوفيتي، فطال جميع مكونات المجتمع وبلغ حتى كبار الأدباء والعلماء. وإضافة للكاتب فارلام شالاموف (Varlam Chalamov) وعالم الوراثة والنباتات نيقولاي فافيلوف (Nikolaï Vavilov) ومصمم الطائرات أندريه توبوليف (Andrei Tupolev)، لم يتردد السوفيت خلال عهد ستالين في إرسال مهندس الصواريخ سيرغي كوروليف (Sergei Korolev) نحو معسكرات العمل القسري.

انتزاع اعترافات
يوم 22 حزيران/يونيو 1938، أقدمت قوات مفوضية الشعب للشؤون الداخلية، المعروفة أيضا بـ”أن كا في دي” (NKVD)، على اعتقال سيرغي كوروليف بعد أن وجهت له تهما بقيادة أعمال تخريبية وتعطيل تقدم الاتحاد السوفيتي ليرسل بناء على ذلك برفقة عدد من كبار مهندسي برنامج الصواريخ السوفيتية كإيفان كليمونوف (Ivan Kleymyonov) وجيورجي لانجماك (Georgy Langemak) نحو دهاليز الشرطة السرية.

وبسجون اللوبيانكا (Lubyanka) بالعاصمة موسكو، تعرض كوروليف لشتى أنواع التعذيب على يد الشرطة السرية بهدف انتزاع بعض الاعترافات منه. وجاء ذلك قبل أن يصدر في حقّه حكم بالإعدام جرى تخفيفه لاحقا وتعويضه بحكم آخر بالسجن داخل معسكرات الغولاغ.

وبسبب حملات الاعتقال التي طالت العديد من العلماء، عرف برنامج الصواريخ السوفيتي تقهقرا مقارنة بنظيره الألماني الذي سرعان ما حقق نتائج مذهلة.
وبمعسكرات الغولاغ بشرقي سيبيريا، أجبر مهندس الصواريخ كوروليف على استخراج الذهب من أحد المناجم بكوليما (Kolyma). وهنالك عانى الأخير من سوء التغذية والبرد والمعاملة السيئة والإصابات كما فقد جل أسنانه بسبب مرض الأسقربوط.

معسكر مخصص للعلماء
وعقب اعتقال وإعدام المدير السابق لمفوضية الشعب للشؤون الداخلية نيقولاي ياجوف (Nikolai Yezhov)، اتجه المسؤول الجديد لافرينتي بيريا (Lavrentiy Beria) لتخفيف عقوبة سيرغي كوروليف. ومطلع أربعينيات القرن الماضي، استدعي كوروليف لموسكو لينال حكما مخففا بالسجن 8 سنوات. فأرسل برفقة عدد من المهندسين الآخرين نحو مختبر شاراشكا (sharashka) الذي كان عبارة عن معسكر عمل قسري خصص للعلماء.

إلى ذلك، عرفت مختبرات شاراشكا العديد من الإنجازات حيث صمم المهندسون زمن الحرب العالمية الثانية طائرات توبوليف 2 وبيتلياكوف بي 2 (Petlyakov Pe-2). في أثناء ذلك، عمل كوروليف على عدد من محركات الطائرات وحقق نجاحات باهرة.

وعزل سيرغي كوروليف عن عائلته لحدود أواخر شهر حزيران/يونيو 1944 قبل أن يصدر في حقه عفو رسمي. إلا أنه ظل تحت الرقابة لـ 13 سنة إضافية قبل أن تسقط جميع التهم الموجهة ضده سنة 1957.

وخلال السنوات التالية، تحوّل كوروليف لكبير مصممي الصواريخ السوفيتية فشبّه بنظيره الألماني/الأميركي فون براون، ولقّب بـ”أب برنامج الفضاء السوفيتي”. وأثناء فترة السباق نحو الفضاء، لعب كوروليف دورا حاسما في إنجاح البرنامج الفضائي السوفيتي فصمم الصاروخ آر 7 (R-7) وشارك في برنامج سبوتنيك 1 وإرسال كل من الكلبة لايكا والرائد يوري جاجارين نحو الفضاء.