على الرغم من دولاً عدة أصبحت أكثر انفتاحاً على فئة المثليين جنسياً، لا بل باتت تدعمهم وتحمي حقوقهم وتسمح لهم بالزواج، الا أن الكثير من الدول لا تزال تقف مكانها ولا تتقبل هذه الفئة من المجتمع، لا بل الكثير من المثليين في هذه البلاد تعتبر حياتهم في خطر.
وفي هذا الإطار، تحدثت عشرات الفتيات مثليات الجنس في بوروندي بشرق أفريقيا مع BBC طوال الأشهر القليلة الأخيرة عن حياتهن اليومية، وكيف تعيش المرأة المثلية في مجتمع محافظ ما زال يجرم المثلية الجنسية ويعاقب من يمارسها، وكشفوا الكثير من أسرار وخفايا هذه الفئة.
وشرحن كيف أنهن يتواصلن مع بعضهن البعض من طريق استخدام رموز وإشارات خاصة للتعريف بهوياتهن عند التواصل على مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المحادثة، وذلك بالطبع خوفاً من الفضيحة والعقاب.
تجتمع النساء المثليات مرة واحدة في الشهر، في أماكن مختلفة، ربما في بعض الأحيان في أماكن عامة، ولكن في الغالب في الأماكن المغلقة. وترتدي الغالبية منهن الجينز والقمصان المزينة بألوان وأشكال، وذات موديلات مختلفة.
كما تحمل القمصان التي يرتدينها الأشكال والرموز السرية المطبوعة على كل منها والتي تدل على الهوية والاستقلال والتوجه الجنسي، وتعد هذه الإشارات شيئاً خاصاً لا يفهمه أحد غيرهن، فالوضع مختلف في بوروندي بافريقيا، حيث يُنظر إلى تلك النساء كجماعة خارجة عن القانون والأعراف والعادات والتقاليد.
وبدأت علاقة هذه المجموعة من النساء، وجميعهن في العشرينات وأوائل الثلاثينيات، منذ فترة قصيرة. وتتحدث نيلا، عضوة المجموعة عن وضعها، وتقول لـBBC: “سنقع بمشكلة كبيرة إذا اكتشف الناس هويتنا. يمكن أن يُعاقب الجميع بالغرامة المالية أو حتى السجن. وهناك أيضاً خطر التعرض لمضايقات داخل المجتمعات الأضيق من العائلة والأصدقاء. أما الأسوأ سيكون العقاب بالموت”.
أرسلت نيلا لـBBC صور لها عبر تطبيق مشفر للحفاظ على حياتها، فتظهر في صورة وهي ترتدي الحجاب ولديها أطفال، لكنها في صورة أخرى تكشف عن شعرها الأسود المجعد على كتفيها، وترتدي بنطال جينز فضفاضاً وقميصاً كانت ترتديه في الحديقة مع النساء.
وتظهر في الصورة جالسة وتضع ذراعها حول فتاة بجوارها، كما ظهرت أيضاً بشعرها المجدول في ضفائر صغيرة جداً وكلتاهما تبتسم، على عكس صورها الحقيقية التي تظهر حزنها. هذا التناقض الكبير في صورها يعكس التناقض الكبير الذي تعيشه يومياً.
بالطبع لا تعرف أسرتها شيئاً عن هذه العلاقة، وهي تخاطر بمثل هذه اللقاءات. فربما يراها شخص يعرفها ويعرف عائلتها لكنها متأكدة من أن أحداً لن يتعرف إليها، لأنها تخلع الحجاب وتظهر بشكل مختلف أثناء لقاء رفيقتها. كان عمر نيلا 17 عاماً، عندما بدأت أول علاقة حب مع فتاة. التقتها أثناء ممارسة الرياضة. ومثل هذه العلاقات تثير حماسها منذ أن كانت فتاة صغيرة.
اعترفت نيلا بأن هذه العلاقة لم تتطور إلى “علاقة حميمية”، لكنها أدركت حينها أنها لن تتمكن من التراجع. أدركت أيضا أنها لا تستطيع الكشف عن مشاعرها لأي شخص.
فهي من عائلة مسلمة محافظة وتعد إقامة علاقة مع شاب أمراً مرفوضاً بالنسبة لها، فما بالك بالعلاقة مع فتاة أخرى. حلمت نيلا بالذهاب إلى الجامعة، منذ أن كانت في سن المراهقة، الا أن عائلتها دفعتها نحو الزواج. وكانوا يعرضونها على شباب العائلة الكبيرة أملاً في العثور على الزوج المناسب.
وزاد الموقف تعقيداً بعد وفاة والديها، حيث تزايدت ضغوط إخوتها عليها من أجل زواجها. وأخبروها أنه لا يوجد المال الكافي لتعليمها، إضافة إلى عدم اقتناعهم بأهمية تعليم المرأة. تعرّف إخوتها على رجل ثري أبدى اهتماماً بشقيقتهم. وفي سن العشرين كانت قد بدأت تكبر في السن بنظرهم، فتمت إقامة حفل الزفاف سريعاً دون موافقتها، وأصبحت فجأة زوجة.
بالتأكيد زواجها كان تعساً جداً وكانت تخاف من العلاقة الجنسية مع زوجها لكنها مضطرة على ذلك. اتجهت لاحقاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي بحثاً عن علاقات مع نساء لديهن نفس الميول.
وفجأة، أدركت أنها ليست وحدها، ثم اكتشفت عن وجود تلميح ورموز سرية تستخدمه النساء المثليات في منطقتها للوصول إلى بعضهن البعض. وهكذا بدأت نيلا في ارسال هذه الصور والرموز والإشارات السرية إلى نساء أخريات ممن تعتقد أنهن قد يستجبن لها.
لكن تغيرت حياتها في 2016، عندما اكتشف زوجها حقيقتها واطلع على هذه المحادثات، وقد قاد ذلك إلى نهاية زواجهما، غير أن زوجها تعهد بالحفاظ على سرها وعدم الكشف عن حياتها الجنسية حفاظاً على أطفالهما.
وأخذت نيلا أطفالها وانتقلت لتعيش مع أقاربها، لكنهم لا يعرفون شيئاً عن حياتها الأخرى. مثل هذه القصص توجد نساء عدة يعشن بأفريقيا في عالم آخر سري لديه رموز وإشارات لا يعرفها أحد غيرهن، وبالتأكيد لم تكشف BBC عنها حفاظاً على حياتهن.
المصدر: بي بي سي