كشفت أدلة جديدة من دراسة شاملة أن التعرض لتركيزات عالية من الجزيئات الدقيقة في الهواء يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة في غضون ثلاث سنوات فقط، ويوفر البحث أيضًا رؤى جديدة حول تطور المرض، فيبدو أن الضباب الملوث خطير بشكل خاص على أنسجة الرئة السليمة التي تتميز بتغيرات جينية تعرضها لخطر التحول إلى سرطان.
يقول تشارلز سوانتون، باحث السرطان من معهد فرانسيس كريك في المملكة المتحدة: “الخلايا ذات الطفرات المسببة للسرطان تتراكم بشكل طبيعي مع تقدمنا في العمر.
وأضاف: لكنها عادة ما تكون غير نشطة. أثبتنا أن تلوث الهواء يوقظ هذه الخلايا في الرئتين، ويشجعها على النمو وربما تكون أوراما”.
ويقول الباحثون: إن هذه النتائج تؤكد أن تلوث الهواء سببا رئيسيا لسرطان الرئة، وتؤكد على ضرورة العمل للحد من التلوث وحماية الصحة العامة.
وتساهم الجسيمات (PM) في تلوث الهواء، ما يؤثر على كل مكان على وجه الأرض تقريبا ويسبب 8 ملايين حالة وفاة سنويا.
ويمكن أن تصل الجسيمات الدقيقة التي يقل حجمها عن 2.5 ميكرومتر (PM2.5) إلى عمق الرئتين وقد ارتبطت بالعديد من المشكلات الصحية، مثل أمراض القلب وسرطان الرئة.
وكتب معدو الدراسة في ورقتهم المنشورة: “تقليديا، يُعتقد أن المواد المسرطنة تسبب الأورام عن طريق إحداث تلف مباشر في الحمض النووي”.
ويدعم هذا الدليل الجديد فكرة عمرها 76 عاما، كما غرد سوانتون، “أن السرطان يبدأ بخطوتين: اكتساب الجين الدافع (البدء) ثم الخطوة الثانية حيث يعمل عامل خطر الإصابة بالسرطان على هذه الخلايا الكامنة لإحداث المرض”.
وأظهرت نماذج الفئران أيضا أن التعرض لتلوث الهواء تسبب في تغيرات في خلايا الرئة يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالسرطان، حيث يبدو أن جزيئات PM2.5 تضخم الخطوة الثانية في العملية.
وللتعمق في كيفية تسبب تلوث الهواء في الإصابة بالسرطان، أجرى سوانتون وفريق دولي من الباحثين تحليلا من ثلاثة أجزاء.
وباستخدام مجموعات بيانات بيئية ووبائية ل 32957 شخصا من إنجلترا وتايوان وكوريا الجنوبية، نظروا في مستويات PM2.5 المرتبطة بسرطان الرئة المتحول إلى EGFR، والذي يسببه طفرة في جين EGFR.
ووفقا للنتائج، يرتفع معدل الإصابة بسرطان الرئة المتحور في EGFR مع زيادة التعرض ل PM2.5. وأيدت بيانات إضافية من 407509 مشاركا في البنك الحيوي في المملكة المتحدة هذه الرابطة.
وأظهرت مجموعة بيانات أصغر من 228 من غير المدخنين في كندا أنه بعد ثلاث سنوات من التعرض لمستويات عالية من تلوث الهواء PM2.5، زاد خطر الإصابة بسرطان الرئة الناتج عن EGFR من 40% إلى 73%. ولم يتم العثور على هذا الارتباط بين نفس المجموعة الكندية بعد 20 عاما.
وبشكل جماعي، تشير هذه البيانات، إلى جانب الأدلة المنشورة، إلى وجود ارتباط بين معدل الإصابة بسرطان الرئة الناتج عن EGFR وبين مستويات التعرض PM2.5 وأن 3 سنوات من التعرض لتلوث الهواء قد تكون كافية لظهور هذا الارتباط.
واستخدم الفريق أيضا طفرة مستحثة في EGFR في نماذج الفئران للنظر في العمليات الخلوية التي قد تكون وراء نمو السرطان فيما يتعلق بتلوث الهواء. ووجدوا أن PM2.5 يبدو أنه يتسبب في تدفق الخلايا المناعية وإطلاق إنترلوكين 1 «جزيء إشارة يسبب الالتهاب» في خلايا الرئة.
وعلاوة على ذلك، فقد ثبت أن منع الإنترلوكين -1 أثناء التعرض ل PM2.5 ويوقف تطور السرطانات التي يسببها EGFR.
ويدعم هذا الدليل أن PM2.5 قد يتسبب في نمو الأورام وتفاقم الطفرات السرطانية التي كانت موجودة بالفعل، ووجد الباحثون أيضا أن خلايا الرئة المسماة خلايا النوع الثاني السنخي (AT2) تكون أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة عند وجود PM2.5.
وأخيرا، كشفت الاختبارات التي أجريت على أنسجة الرئة السليمة من 295 شخصا أن نسبة كبيرة لديها طفرات جينية يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالسرطان، ما يعني أن التعرض لمستويات عالية من PM2.5 قد يعرض صحتهم لخطر أكبر.
وكتب سوانتون وباحثون مشاركون: “باختصار، 54 من أصل 295 (18%) من عينات أنسجة الرئة غير السرطانية تحوي طفرة سائق EGFR”.
ويعترف الباحثون بأن عملهم محاط ببعض القيود. على سبيل المثال، ستصاب نماذج الفئران المعرضة للسرطان بالأورام حتى بدون PM2.5، وربما لا تظهر النطاق الكامل للطفرات الموجودة في أنسجة البالغين السليمة. لكنهم يمنحون العلماء فرصة لدراسة النمو المبكر للورم في بيئة خاضعة للرقابة.
واستنتج المعد المشارك الأول وعالم أحياء الخلايا السرطانية ويليام هيل من معهد فرانسيس كريك أن “إيجاد طرق لمنع أو تقليل الالتهاب الناجم عن تلوث الهواء من شأنه أن يقطع شوطا طويلا في الحد من خطر الإصابة بسرطان الرئة لدى الأشخاص الذين لم يدخنوا مطلقا، كذلك كخفض تعرض الناس بشكل عام لتلوث الهواء بشكل عاجل”.