مع كلّ زيارة للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، تتوالى التكهّنات المحليّة حول موعد عودته المرتقبة، وما يحمله “الرجل الأنيق” تحت سترته من عصي وجَزَر تلاقي “أرانب” رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي. فالدبلوماسي الفطن، طغت نجوميته على باقي الموفدين الدوليين (من بينهم “رسول” الإليزيه جان إيف لودريان)، بعد نجاحه في التوسّط، ومن ثمّ توقيع الاتفاق التاريخي بين لبنان وإسرائيل بشأن حدودهما البحرية في 27 تشرين الأوّل 2022. غير أنّ حذاقة “الصديق الكبير” لـ “أخ حزب الله الأكبر” الرئيس برّي، فشلت في إخماد النيران المشتعلة بين إسرائيل و”الحزب”. وما عجز عنه هوكستين في ظلّ الحكم الفعلي للرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، هل سيتمكّن من تحقيقه على وقع خطوات “البطّة العرجاء” الأخيرة؟ كيف ستتصرّف الإدارة الأميركية العتيدة؟ هل يُهدي الرئيس المنتخب دونالد ترامب نصف إنجاز (هدنة موقّتة) لسلفه وفريق عمله المغادرين؟ ماذا عن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان بين أوائل زعماء العالم الذين هنأوا ترامب، واصفاً انتخابه بأنّه “أعظم عودة في التاريخ إلى البيت الأبيض”.
لا تمديد لمهمّة هوكشتاين
في هذا السياق، نفت مصادر أميركية مطلعة أن يكون ترامب اتفق مع بايدن على تمديد أو تزخيم مهمّة هوكشتاين. ثمّ أنّ الاتصالات بين الأخير والأطراف اللبنانية الرسميّة شبه مقطوعة. حتّى الساعة، لم يتلقّ المبعوث الأميركي الحالي، أي مؤشّرات إيجابية تدفع محرّكاته الدبلوماسية للتوجّه شرقاً، خصوصاً بعد إلغاء زيارته مطلع الأسبوع الحالي إلى تلّ أبيب. كما أكدت أنّه لن يقصد بيروت، ما لم يتمّ الاتفاق على آلية يضمنها الجانب اللبناني الرسمي وخلفه “المرشدية الإيرانية”، وتوافق عليها إسرائيل على حدّ سواء. في المقابل، تشير مصادر مقرّبة من هوكستين لـ “نداء الوطن”، إلى أنّ الأخير قد يأتي إلى لبنان في زيارة وداعٍ كضيفٍ ترك بصماته في مرحلة مفصلية، ترسم تاريخ البلد السياسي.
قدّم هوكشتاين قسطه للعلى، توسّط بين لبنان وإسرائيل وفاوض من أجلها. لعب الدورين “المفاوض والوسيط”، غير أنّ المتغيرات الأميركية الداخلية وتعقيدات المصالح الإيرانية والإسرائيلية، حالت دون استكمال مهمّته. العقبة الأولى التي واجهها تكمن في تعنّت طهران بموقفها وعدم تقديمها أي تسهيلات، خصوصاً بعد تولّيها الإشراف المباشر على ذراعها اللبناني وإدارة غرفة عملياته الميدانية والسياسية معاً. أمّا المعضلة الأخرى، فهي انتقال الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ المرحلة الثانية من خطّته العسكرية، مع تركيزه على تفكيك بنية وقدرات “حزب الله” الحربية واللوجستية، من خلال ضبط واستهداف خطوط ومعابر الإمداد، وتشديد رقابته على المراقبين المولجين بتنفيذ القرار الدولي 1701.
وعمّا إذا كانت الهدنة الموقّتة ستتزامن مع تطبيق الـ 1701، أوضحت المصادر أنّ الغاية من وقف إطلاق النار، هو السماح بدعم وتمويل الجيش اللبناني بشكل كافٍ ليتمكن مع القوات الدولية من تعزيز انتشارهما جنوب الليطاني فور سريان الهدنة المرتقبة (في حال حصولها). هذا المقترح “الأميركي – الإسرائيلي” يرفضه “حزب الله”، فهو يريد أولاً وقف النار ومن ثمّ الدخول في مفاوضات حول كيفية تنفيذ القرار الدولي.
تفاؤل مغشوش
وفيما تروّج أوساط مقرّبة من إدارة بايدن بأن وقف إطلاق النار في لبنان من شأنه أن يخدم مصالح الرئيس المنتخب ترامب، بتخفيف بعض الأثقال عن كاهل عهده الآتي، تستبعد مصادر أميركية مطلعة “هذا التفاؤل المفرط والمغشوش”. فالرئيس المنتخب عزّز جيشه السياسي والدبلوماسي والأمني، بثلّة من الأقوياء، أبرزهم؛ ماركو روبيو (وزيراً للخارجية) ومايكل والتز (مستشاراً للأمن القومي)، وهما عضوان في الكونغرس الأميركي معروفان بمواقفهما المناهضة لإيران. وكلاهما ينتميان إلى فصيل “جمهوري” يدعو إلى القوة العسكرية، ومواقف أكثر صرامة ضد الدول الأخرى مثل إيران والصين. ويُعرف روبيو بشكلٍ خاص، بأنّه عرّاب العقوبات الأميركية التي أقرّها الكونغرس ضدّ “حزب الله”. كما أن فريق ترامب وعلى عكس الإدارة الراحلة، لا يفصل بين أذرع “الجمهورية الإسلامية في إيران” وبرنامجها النووي، لناحية خطورتهما وتأثيرهما السلبي على استقرار المنطقة.
وفيما يغادر “مهندس الترسيم” المسرح السياسي، تتهيّب المنطقة لاستقبال، المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، الذي اختاره ضمن باقة فريقه، حيث وصفه بـ “الرجل العظيم والقائد المحترم في مجال الأعمال والأعمال الخيرية”، مؤكّداً أن صديقه ويتكوف سيكون “صوتاً لا يلين للسلام، وسيجعلنا جميعاً فخورين”. صحيح أن استرتيجيات القوى العظمى ثابتة وصعبة التبدّل، إلّا أن سياساتها وأساليبها وأدواتها، تُقرأ أيضاً عبر أسماء شخصيّاتها ومسؤوليها ومنفّذيها.