رَسمَ التقرير الدوري حول القرار 1701 الذي أصدره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ويناقشه مجلس الأمن في 15 الجاري، سقفاً من التشدد والمرونة في تعاطي المجتمع الدولي مع الواقع اللبناني، انطلاقاً من المنعطف الذي شكّلتْه مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التي كان وفّر فيها غطاء شرعياً من أعلى مرجعية دستورية لسلاح “حزب الله” باعتباره “مكمّلاً لعمل الجيش اللبناني ولا يتعارض معه”.
واتّسم تقرير غوتيريس بنبرةٍ هادئة ولكن حازمة، لجهة التَمسُّك بثوابت المجتمع الدولي حيال السلاح غير الشرعي في معرض ردّه على مواقف عون ، اذ كرر ان “إستمرار “حزب الله” وسواه من المجموعات في حيازة أسلحة، أمر يقوض سلطة الدولة ويتعارض مع التزامات لبنان بموجب القرارين 1559 و1701″، مع حضٍّ لافتٍ لرئيس الجمهورية على استئناف جولات الحوار الوطني لـ”التوصل إلى استراتيجية دفاعية وطنية يمكنها أن تتناول مسألة السلاح خارج سيطرة الدولة وما بقي من بنود القرار 1701″، ليَبرز جانب متشدّد عبّر عنه الأمين العام للأمم المتحدة في مقاربته تهديدات الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لإسرائيل التي كان أرسا فيها ما يشبه “توازن الرعب” ملوّحاً باستهداف مفاعل ديمونة النووي في اي حرب مقبلة.
وحمل هذا الجانب تحديداً، الذي دان فيه غوتيريس تصريحات نصرالله ضد إسرائيل ، رافضاً تبريرات “الردع” التي “تزيد خطر التوتر (و) يمكن أن تؤدي الى تجدد الحرب”، وقعاً أبعد من حدود الـ 1701 – الذي كان وضع حداً لحرب الـ 33 يوماً بين “حزب الله” وإسرائيل التي اندلعت في تموز 2006 – ولامَس مجمل الوضع اللبناني ربطاً بتَشابُكه مع الواقع المتفجّر في المنطقة والتي جاءت تهديدات الأمين العام لـ”حزب الله” في سياقها وتحديداً في إطار وضْع “خطوط دفاع هجومية” في غمرة الاندفاعة الأميركية ضدّ إيران وأدوارها في المنطقة وإشارات تحوُّل “حزب الله” هدفاً تتقاطع مصالح دول عدة عند جعْل “رأسه على المحك” في لعبةِ “قْطع أذرع” طهران في المنطقة.
وإذا كان تقرير غوتيريس ، الذي أعدّته المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ وهو الأول له منذ تولى مهامه في كانون الماضي، حدّد بوابة لـ”عودة لبنان إلى الانخراط البنّاء مع المنطقة، وثقة الشركاء الدوليين” عنوانها وضع حدّ لـ “إستمرار “حزب الله” ومجموعات أخرى في إدارة قدرات عسكرية”، فإنّ أوساطاً سياسية توقّفت عند الرسالة الايجابية ذات الدلالات التي وجّهها الى رئيس الحكومة سعد الحريري وعكستْ ضمناً الامتعاض من مواقف عون حيال سلاح “حزب الله”، وهي الرسالة التي رحّب فيها “بإشارة الحريري إلى القرار 1701 في 17 شباط الماضي وإعادة تأكيد التزام لبنان الكامل به وبالقرارات ذات الصلة”، معتبراً ان “إلتزام لبنان وتقيده بالقرارات الدولية” وما تطلبه من نزع سلاح المجموعات المسلحة في لبنان، لا يجعل سلطة أو سلاحاً في لبنان سوى للدولة اللبنانية”.
وفيما خفّف التقرير، عبر إشادته بعمل الآلية الثلاثية بين قوة “اليونيفيل” في الجنوب والقوات المسلحة اللبنانية والجيش الإسرائيلي، من المخاوف التي كانت أثارها ما كُشف عن تفاصيل الاجتماع السري لمجموعة الدعم الدولية للبنان الشهر الماضي وما تخلله من تلميحات الى تأثيرات سلبية لموقف عون من سلاح “حزب الله” على مصير “ليونيفيل”، فإنه لم يتوانَ عن الإطلالة على المشهد الداخلي السياسي اللبناني بدعوته “القيادات اللبنانية الى المضيّ في اجراء الإنتخابات النيابية” التي تواجه معوقات كثيرة جعلتْ إتمامها في مواعيدها الدستورية وقبل انتهاء ولاية مجلس النواب في 20 حزيران المقبل أمراً مستحيلاً.
وجاءت “الرسائل المشفّرة” كما المباشرة في تقرير غوتيريس على وقع استعادة الواقع اللبناني مناخ الاستقطاب السياسي الحاد حيال سلاح “حزب الله” وموقف عون منه كما إزاء هجوم نصرالله المتجدّد على السعودية وتوسيعه الى دولة الامارات، وإن التزم هذا الاستقطاب بـ”كواتم للصوت” لزوم عدم نسْف كل مرتكزات التسوية التي كانت أنهتْ الفراغ الرئاسي ولا التأثير في المحاولات المستمرة لإنقاذ البلاد من فراغ نيابي.
وتجلى هذا الاستقطاب خصوصاً في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء التي شهدت في موازاة “الهبّة الانفراجية” على جبهة التعيينات الأمنية والقضائية والإدارية، بذور مناخٍ “إنفجاري” تولى الحريري تشكيل “مانعة صواعق” أمامه، ولا سيما بعد مداخلة وزير الداخلية نهاد المشنوق العالية النبرة حيال سلاح “حزب الله” وموقف عون منه وتأكيده ان هذا من “القضايا التي لا وفاق حولها، وهي مندرجة ضمن بنود الاستراتيجية الدفاعية التي لم تنجز بعد، وبالتالي على رئيس الجمهورية أن يأخذ في الاعتبار هذه النقطة عند التعبير عن مواقف لبنان الرسمية”، وصولاً الى رفعه سقف الإعتراض على حملة “حزب الله” المتجددة على السعودية.
وإذ نُقل عن عون تكراره في تلك الجلسة موقفه المؤيد لسلاح “حزب الله”، فإن إشارات احتواء هذا المناخ بدتْ “موْضعية”، وسط رصْدٍ دقيق لما اذا كان هذا الإستقطاب الداخلي سيشهد فصولاً أكثر حدّة مع اقتراب “إامتحان” القمة العربية في عمّان، في ظلّ خشيةٍ من انزلاق الموقف الرسمي نحو نأي جديد بالنفس عن ملفات تُعتبر حيوية لدول الخليج وتحديداً التدخل الإيراني في الشؤون العربية، ما قد يُنذِر بإعادة العلاقات بين لبنان وبلدان الخليج الى “عين التوتر الكبير”.
وتأتي مجمل هذه التحديات، فيما تستمرّ محاولات استثمار الوقت الفاصل عن انتهاء ولاية مجلس النواب في التوافق على صيغة جديدة لقانون الإنتخاب ، وسط معلومات عن طرح جديد سيكشفه مطلع الأسبوع الطالع رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل يقوم على المختلط (بين الإقتراع النسبي والأكثري) ووصفتْه بعض الدوائر بأنه “الفرصة الأخيرة” قبل بلوغ خيارات قصوى.