لبنان
تثبت التجارب أكثر فأكثر، أنّه ما عاد لدى الشعب اللبناني سوى التأقلُم مع أمر واقع أنّ بلدهم غير قابل للبقاء، ولا للتحلّي بأي دور، إلا بموجب تسويات إقليمية – دولية. وهي تسويات لا تقف عند حدود أي رغبة داخلية أصلاً.
جهة دولية
فالسيادة اللبنانية غير موجودة إلا “على الورق”، في بلد عملته السيادية (الليرة اللبنانية)، ومؤسّساته العامة، وبلدياته، وإداراته.. مُنتهية الصلاحية منذ وقت طويل، ومُستهلكة حتى الساعة نظراً لانعدام توفُّر البديل.
وأمام هذا الواقع، لماذا لا يُختَصَر وقتنا باتّفاق غربي – إيراني – عربي، يقضي بقيام جهة دولية موثوقة و”ناضجة”، كمؤسّسة من المؤسّسات المالية التابعة للإتحاد الأوروبي مثلاً، بشراء القطاع العام في لبنان بكل ما يتفرّع منه؟
فبتلك الطريقة، ستُصبح النقلة الإصلاحية النوعية المُنتَظَرَة، مسألة حتميّة، لا تحتمل أي “غنج” أو تقاعُس داخلي، باستثمار خارجي موثوق و”ناضج” ونافع للجميع.
دور الدولة
أشار الناشط السياسي ربيع الشاعر إلى أن “هذا ليس حلّاً، وهو بَيْع للدولة، فيما لا أحد سيشتريها، كما أننا لن نسمح بالبَيْع. فبدلاً من ذلك، نعود إلى البحث بدور الدولة في لبنان، وإذا ما كانت فقط ضامنة للقانون وتطبيقه، وللأمن الاجتماعي والسياسي، أم دولة مُنخرطة في الشأن الاقتصادي أيضاً، وتسيطر على المرافق الاقتصادية”.
ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” إلى أن “الدستور في لبنان يقول إننا دولة اقتصاد حرّ. ولكن للأسف، عندما طُبّقت الرأسمالية فيه، نتج عن ذلك رأسمالية متوحّشة. فالاقتصاد الحرّ الذي نتغنّى به مارسته الدولة بالتدخّل في القطاعات الاقتصادية عبر سياسة الدعم، وسوء إدارتها للمؤسّسات العامة ذات الطابع الاقتصادي والاستثماري، واعتمادها مبدأ الاحتكار”.
الهيئات الناظمة
وذكّر الشاعر بأن “محاولات مساعدة الدولة تمّت من خلال اعتماد قانون الخصخصة في الماضي، قبل أن يُطوَّر في ما بعد باعتماد قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كما اعتُمِد قانون تسنيد الموجودات، وقانون تشجيع الاستثمارات، وقوانين كثيرة أخرى. ولكن للأسف، لم تُطبَّق تلك القوانين، وبقيت البلديات والمؤسسات العامة ذات الطابع التجاري والاقتصادي على حالها، انطلاقاً من أن الشكل المُعتمد للوظيفة العامة في لبنان هو البيروقراطية، والتوظيف على أساس الطائفية والزبائنية، بدلاً من الكفاءة”.
وأضاف: “حصلت محاولات أخرى في هذا الإطار أيضاً، منها المطالبة باعتماد الهيئات الناظمة في قطاعَي الكهرباء والاتصالات مثلاً، والطيران المدني والنفط من بعدهما. ولكن الهيئات الناظمة لم تُشكَّل، وقُضِيَ عليها لأسباب تتعلّق باستمرار السيطرة السياسية. وحتى إن قانون المنافسة الذي يفكّ الاحتكارات في المؤسّسات العامة، والذي يمنع الدعم العشوائي، لم يُطبَّق أيضًا”.
من ضفّة إلى أخرى
وأكد الشاعر أن “الحلّ يكمن بإعادة تشكيل الهيئات الناظمة بسرعة، وبفتح باب المنافسة سواء في قطاع الكهرباء أو غيره، من خلال منح رخص جديدة. فضلًا عن إمكانية تحويل تلك القطاعات إلى شركات خاصة تملكها الدولة 100 في المئة، ولكنها تعمل وفق قانون التجارة ضمن أُطُر محدّدة، تمنعها من الإفلاس. وهذا ما سيُحسّن ظروف الحوكمة والشفافية فيها، ويسحبها من يد تلك الطبقة المتسلّطة”.
وختم: “من الممكن أيضًا إنشاء مؤسّسة مركزية تدير الأصول والقطاعات والثروات في البلد، برؤية واضحة، وبتنسيق وتخطيط لها. وهذا العمل قد يكون ممكنًا خلال ستّ سنوات، أي خلال عهد رئاسي واحد، طبعًا إذا كانت النوايا صادقة. فهذا سينقل لبنان من ضفة إلى أخرى”.