يغلب الانطباع لدى أوساط سياسية معنية بتسريع الخطى للاتفاق على قانون انتخاب جديد بأن بعض الفرقاء لا يبدو مستعجلاً لبلوغ هذا الهدف بالمقدار الذي بات يفرضه إلحاح المهل القانونية لدعوة الهيئات الناخبة إلى الاقتراع قبل 3 أشهر من انتهاء ولاية البرلمان الحالي في 20 حزيران المقبل.
ويقول مصدر سياسي بارز أن الفرقاء يأخذون وقتهم في استنباط الأفكار، وكلما سقطت فكرة ينتقلون إلى غيرها، ويبدي كل منهم انفتاحه على بحث أي فكرة جديدة تحت عنوان “إخضاعها للدرس”، فلا يرفض أي فكرة فور التبلغ بها ويأخذ وقته لتمحيصها، ثم يطرح ملاحظاته عليها، وهكذا دواليك. ويحرص الجميع على الإيجابية في المناقشات من دون قطع شعرة معاوية، حتى لو كانت الفكرة المطروحة غير ملائمة له، متكلاً على فريق آخر كي يتم صرف النظر عنها.
وفي رأي المصدر أن هذا الانطباع ينطبق على “حزب الله” أكثر من غيره. فهو يصر على النسبية المطلقة في قانون الانتخاب، ثم يؤكد استعداده لنقاش أي فكرة أخرى، فيما رئيس البرلمان نبيه بري يترك للحكومة أن تستنبط القانون الجديد وتأتي به إلى البرلمان، محتفظاً لنفسه بالتوقيت المناسب للإدلاء بدلوه. وتوقف المصدر أمام قول نائب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم وتأكيده أن “كل من يقول أننا رفضنا قوانين مخطئ لأننا لم نرفض بل لم يقبلوا القانون الذي نريده وهو النسبية”، على رغم معرفته بأن النسبية الكاملة لا تلقى قبول فرقاء رئيسيين، يفضلون المختلط بين النسبي والأكثري.
وتسأل المصادر إذا كان هذا الاسترخاء في التعاطي مع إنجاز القانون الجديد يعود إلى قرار بأن تأجيل الانتخابات “لأسباب تقنية” كما يردد الجميع، هو المخرج لتمديد المهل، بحثاً عن تسوية حول القانون الجديد. وهل أن الحزب يواكب إطالة البحث لاعتقاده بأن لا بد لحلفائه من الرجوع إليه ليرجح هذه الفكرة أو تلك، حين يرى أن الوقت قد حان وفق ساعته الانتخابية، لا وفق توقيت الآخرين. ولا يبدو البعض قلقاً من الوصول إلى الفراغ في حال تعذر الاتفاق على القانون، بحيث يجري التمديد التقني على أساسه.
نصف أرثوذكسي
إلا أن الانصياع للقوانين سيفرض على وزير الداخلية نهاد المشنوق، وفق قول مصادره، أن يكون أكثر استعجالاً كأن الانتخابات ستجري في موعدها، خشية تعرضه للمساءلة القانونية إذا لم يلتزم المهل التي يفرضها القانون الحالي النافذ، على رغم أن الجميع يلعنه، أي قانون الدوحة (الـ60 معدلاً). وهو بعد رفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي أحاله في 21 شباط الماضي ووقعه رئيس الحكومة سعد الحريري، يتهيأ لأن يطرح على مجلس الوزراء والرئيسين، قبل 21 آذار الجاري وربما هذا الأسبوع، اتخاذ قرار حكومي بتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، التي ينص القانون على وجودها، ومرسوم بتأمين الاعتمادات المالية لتكاليف العملية الانتخابية. والأرجح أن يرفض الرئيس عون البت بهاتين النقطتين بذريعة الحجة نفسها التي حتمت عليه عدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وهي عدم قبوله بقانون الستين.
في موازاة ذلك، قالت مصادر سياسية أن الأفكار الجديدة التي طرحها رئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل في شأن قانون الانتخاب، ما زالت تخضع للدرس من الأطراف التي اطلعت عليها في اليومين الماضيين. وتفيد المعلومات بأن باسيل أطلع مدير مكتب الحريري، نادر الحريري عليها أول من أمس، بعد اجتماع مجلس الوزراء في السراي الحكومية، بعد أن كان أبلغ “حزب الله” وحركة “أمل” عبر وزير المال علي حسن خليل بها. وأوضح مصدر مطلع أن ما تبلغه الأطراف الثلاثة هو مجرد أفكار لم تتم صياغتها في مشروع متكامل.
وأفادت المعلومات بأن هذه الأفكار تقوم على اعتماد صيغة المختلط بحيث يجري انتخاب نصف النواب (64) وفق النظام الأكثري في دوائر متوسطة (13 إلى 15 دائرة) على أن يقترع الناخب المسلم المرشح من الطائفة نفسها، وهكذا بالنسبة إلى المسيحيين. وأن يجري اختيار النصف الآخر من النواب وفق النظام النسبي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة. وعلمت “الحياة” أن “تيار المستقبل” لم يبلغ باسيل بموقفه من هذه الأفكار واكتفى كالعادة بالقول إنه سيدرسها، في وقت ترجح أوساط مطلعة ألا يقبل بها على رغم اعتمادها النظام المختلط، لأنها تقول باختيار نصف النواب من قبل الطائفة التي ينتمي إليها المرشح دون الأخرى، وهو أمر شبيه بمشروع اللقاء الأرثوذكسي الذي سبق أن لقي معارضة واسعة.
“هواجسنا هواجسكم”
وكان باسيل أبلغ وفد “اللقاء النيابي الديموقراطي” و “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي زاره أول من أمس أنه توصل إلى أفكار جديدة سيتشاور فيها “مع الشباب” قبل أن يطلع الاشتراكي عليها، مبدياً تفهمه لهواجس رئيسه النائب وليد جنبلاط “التي هي هواجسنا نحن أيضاً” لجهة صحة التمثيل في أي قانون. وقالت مصادر “اللقاء الديموقراطي لـ “الحياة” أن باسيل بدا حريصاً على التفاهم مع الاشتراكي، نافياً ما يشاع عن أن هدف طروحاته كسر أحد، مشيراً إلى أهمية التقارب والتعاون في الجبل بين المسيحيين والدروز، وإلى العيش المشترك الذي يجعل من أبناء الطائفتين تتشابهان على مر التاريخ. وأمل باسيل بالوصول إلى صيغة تقوم على التوافق قريباً، وتمنى استمرار التواصل بين الفريقين التقنيين في “التيار” والاشتراكي لدرس الأفكار الجديدة التي ستُطرح. وقالت المصادر إن جنبلاط فور اطلاعه على فحوى الاجتماع أعطى تعليماته لممثل الحزب في لقاءات الخبراء عضو القيادة هشام ناصر الدين كي يبقى على تواصل مع نظيره في “التيار الحر” نسيب حاتم لدرس أية اقتراحات وعد بها باسيل. إلا أن قيادة الاشتراكي لم تتبلغ بها حتى يوم أمس.
وكان اجتماع “اللقاء الديموقراطي” مع باسيل انتهى إلى أجواء إيجابية وفق مصادر الوفد الجنبلاطي، الذي أكد، بعد ما سمعه من باسيل، أن “جميعنا يقول الكلام ذاته بالنسبة إلى الهواجس والحاجة إلى التفاهم على القانون، لأن الكلام على النسبية في هذه الظروف ليس ملائماً، ونحن كنا السباقين كحزب، إلى طرحها في سبعينات القرن الماضي عبر برنامج الحركة الوطنية بقيادة الراحل كمال جنبلاط، لكن في إطار خطوات لإلغاء الطائفية في النظام السياسي”. وحين أحاله الوفد الجنبلاطي إلى نص البرنامج، قال باسيل أنه ليس مطلعاً عليه ومعلوماته قليلة عن تلك المرحلة، وعده الوفد بإرسال نسخة عن هذا البرنامج إليه. ورد وفد “اللقاء الديموقراطي” على دعوة باسيل والنائب في “التيار الحر” ألان عون الذي حضر الاجتماع إلى ضرورة قبول التنوع في الجبل، ضمن الطائفة نفسها وبين الطوائف، بالتأكيد أن هذا ما يطبقه الاشتراكي على نفسه قبل غيره، فثلاثة من النواب الدروز الثمانية ليسوا من فريق جنبلاط وهذا يعني أن 40 في المئة ليسوا موالين له. والشراكة بين المسلمين والمسيحيين قضت بأن يكون لنا حلفاء بين النواب المسيحيين والسنة، لأن تاريخ الجبل كان على الدوام يقوم على نجاح نواب دروز ومسلمين إلى جانب الرئيس الراحل كميل شمعون والنواب المسيحيين الذين يكونون في لائحته، فيما كان نواب مسيحيون ينجحون على لائحة كمال جنبلاط إلى جانب نواب دروز. ونحن نعني الشراكة ونمارسها، ولذلك يجب ألا نضع شروطاً على بعضنا بعضاً في السعي إلى قانون جديد، وعلينا التفاهم والحؤول دون حصول الفراغ النيابي إذا تأخر الاتفاق، طالما الجميع يسلم بعدم التمديد واستبعاد قانون الستين. وقالت مصادر الوفد أن باسيل أبلغه بأن أموراً جديدة اتضحت له في الآونة الأخيرة، مؤكداً الحرص على التعاون والاتفاق.
يذكر أنه سبق هذه الأجواء الإيجابية إبداء “التيار الوطني الحر” تجاوبه مع مطلب جنبلاط دمج الشوف وعاليه في دائرة انتخابية واحدة.