يطوي لبنان حقبة “صيرفة” التي استمرت نحو عامين لاستبدالها بمنصة “بلومبرغ” التي أقرها مجلس الوزراء اللبناني الخميس الماضي. ويأتي هذا القرار استجابة لمطلب حاكم المصرف المركزي بالإنابة وسيم منصوري، الذي طالب بإنشاء منصة بديلة لـ”صيرفة” التي “تفتقر إلى مبادئ الشفافية والحوكمة”، كما يشكل انعكاسًا للقرار المتخذ بوقف تمويل عجز الدولة من قبل السلطة النقدية والتمسك بقانون النقد والتسليف لناحية التدخل استثنائيًا في السوق عند الحاجة.
والسؤال المطروح: هل دخل لبنان رسميًا مرحلة تحرير سعر صرف العملة بعد ثلاثة عقود من اعتماد نظام تثبيتها مقابل الدولار الأميركي؟ وهل تشكل المنصة المنوي إطلاقها بالتعاون مع “بلومبيرغ” الأداة التنفيذية لهذه السياسة، بحيث سيصبح قانون السوق والعرض والطلب هما محددا السعر الحقيقي للعملة الوطنية اللبنانية؟
في هذا الإطار، لفت كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس نسيب غبريل، في حديث إلى “صوت بيروت إنترناشونال”، إلى أنّ هدف المنصة الجديدة هو أن تعكس السعر الحقيقي لسعر صرف الدولار في الاقتصاد وأن تتمتع بالشفافية أكثر من منصة صيرفة وأن تكون مصادر العرض والطلب للدولار معروفة وشفافة لدى المؤسسات التي تقدم الطلبات.
ووفقًا لمعلومات غبريل المصارف التجارية والمؤسسات المالية ومن ضمنها الصيارفة المرخصين، سيقدمون الطلبات لشراء الدولار عبر المنصة لصالح زبائنهم الذين سيبيعون الليرات اللبنانية إلى هذه المؤسسات من أجل شراء الدولارات على سعر صرف الدولار في السوق الموازي، الذي يقرر السعر الفعلي للدولار بحسب حجم العرض والطلب، ولن يبقى شيء اسمه سعر صرف دولار على المنصة.
وأشار غبريل إلى أن معظم الطلبات للدولار ستكون من المستوردين الذين هم بحاجة لها كي يستوردوا البضائع والسلع ومن أجل الشفافية سيقدم المستوردون المستندات التي يطلبها مصرف لبنان من أجل التأكد من أن هذه الأموال هدفها الاستيراد.
وإذ أوضح غبريل أنه سيكون هناك تعاون مع وكالة “بلومبرغ” التي تعطي معلومات مالية، كشف أنّ القرارات سيتخذها مصرف لبنان حول المنصة الجديدة المرتبطة بوكالة “بلومبرغ” التي لن يكون لها دور في تحديد سعر صرف الدولار، ولا في آلية عمل المنصة.
وتوقع غبريل أن يبدأ العمل في شهر تشرين الثاني المقبل بمنصة “بلومبرغ” في جو إصلاحي والذي يؤدي إلى بدء استعادة الثقة تدريجيًا، مشيرًا إلى أنّ حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، يطالب بالقوانين الإصلاحية، وأهمها الكابيتال كونترول وإعادة الانتظام إلى القطاع المالي وإعادة هيكلة المصارف.
ورأى غبريل أنّه من الصعب إقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة قبل إطلاق المنصة الجديدة بسبب الوضع السياسي المتشنج في البلد واستمرار الشغور الرئاسي واعتبار مجلس النواب هيئة تشريعية وليس هيئة ناخبة.
وبالتالي يرى غبريل أنّ مصرف لبنان لن ينتظر إقرار هذه القوانين كي يطلق المنصة، لكنه في الوقت نفسه لن يتسرع بإطلاقها قبل التأكد من الآلية التي يجب أن تُتبع وجهوزية الشق التقني، وكذلك جهوزية المؤسسات المالية والمصارف التجارية والصيارفة، مؤكدًا أن الموضوع سيكون مدروسًا بدقة كي يكون للمنصة الجديدة نتيجة إيجابية، وهي تحديد السعر الفعلي لسعر صرف الدولار في الاقتصاد اللبناني، وبالتالي الآلية يجب أن تكون مفصّلة وجاهزة وفعالة وبالتحديد شفافة، والسوق والقطاع الخاص بانتظار معلومات أكثر من مصرف لبنان حول توقيت إطلاق المنصة والآلية التي ستتبعها وتفاصيل العمل عليها.