حتوى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الأزمة التي كانت ستنفجر في الشارع اليوم باستخدامه صلاحيتَه المنصوص عنها في المادة 59 من الدستور، في أن قرَّر تأجيل انعقاد المجلس النيابي لمدة شهر، ورحّبَ رئيس مجلس النواب نبيه بري بممارسة الرئيس هذه الصلاحية الدستورية، وقرّر تأجيل «جلسة التمديد» شهراً، ليتبيّنَ لـ«الجمهورية» ليلاً أنّ ما حصَل كان ضمن سلّة تفاهمات أنتجَتها اتّصالات حثيثة جرت طوال يوم أمس بين عون وبرّي ورئيس الحكومة سعد الحريري والأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، وتمّ خلال هذه الاتصالات التفاهم على قانون انتخاب ستتولّى لجنة مختصة صوغَه قريباً، وربّما خلال أيام، في ظلّ أرجحيةٍ لاعتماد القانون التأهيلي، بحيث يكون التأهيل في القضاء على أساس النظام الأكثري والانتخاب على أساس الدائرة الموسّعة وفق النظام النسبي.
وكان عون قد توجَّه مساء أمس برسالة متلفَزة إلى اللبنانيين، قائلاً: «إنّني تعهّدتُ في خطاب القسَم على تصحيح التمثيل على الأسس الميثاقية، وتعهّدَت الحكومة في البيان الوزاري بإقرار قانون انتخاب يراعي صحّة التمثيل، وسبقَ وحذّرت من تداعيات التمديد»، مشدّداً على أنّ «التمديد حتماً لن يكون له سبيل في عهد إنهاض الدولة».
وفي أوّل تفسير لها كشفَت دوائر القصر الجمهوري في بعبدا لـ”الجمهورية” أنّ رئيس الجمهورية الذي استخدم صلاحياته بتجميد عمل مجلس النواب لمدة شهر وفقاً لمضمون المادة 59 أعاد الكرّة مرةً أخرى منذ العام 1926 حيث استخدم رئيس الجمهورية آنذاك هذه الصلاحية.
وإنّ أيّ رئيس للجمهورية لم يستخدم مثلَ هذه الصلاحية قبل «إتفاق الطائف» وبعده، واكتفى بعضهم بتوجيه رسائل الى مجلس النواب اكثر من مرة ووضِعت رسالته في درجِ رئيس المجلس بعد تلاوتِها في أوّل جلسة علنية يَعقدها المجلس.
ولفتَت المصادر إلى «أنّ هذه الخطوة التي شكّلت ممارسة كاملة لصلاحية الرئيس جاءت في سياق تطويق الأزمة التي استجدّت في الساعات الماضية نتيجة تجاهلِ دور وصلاحيات رئيس الجمهورية الذي لا يمكن تجاهله بعد اليوم. فإصراره صراحةً على ربطِ التمديد التقني بقانون جديد للانتخاب هو التوجّه الذي انتهت اليه الأزمة، وأن لا جلسة للتمديد ممكنة قبل الخطوة المتصلة بالقانون الجديد للانتخاب».
وإلى هذه الأجواء علمت «الجمهورية» أنّ زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لعون مساءً انتهت الى تفاهمٍ بينهما على أن يلجأ الحريري الى تكثيف اعمال اللجنة الوزارية المكلفة وضعَ القانون الجديد بحيث يمكن التوصّل اليه خلال عطلة عيد الفصح ليُدعى مجلس الوزراء الى جلسة محتملة الأربعاء المقبل للبتّ به وإحالته الى مجلس النواب.
عناوين القانون الجديد ولِدت
وفي معلومات لـ«الجمهورية» أنّ العناوين الأساسية للقانون الجديد نوقِشت امس بين عون والحريري بعدما قاربَت الاتصالات التي جرت بين «عين التينة» و«بيت الوسط» والضاحية الجنوبية عناوينَه الأساسية التي اقتربَت التفاهمات منها في الساعات الماضية.
وعلِم أنّ مرجعاً دستورياً وضَع تصوّراً في تصرّفِ رئيس الجمهورية مفادُه أنّ الحكومة ولو أنجزَت القانون الجديد فإنّ مجلس النواب لن يجتمع قبل الموعد الذي حدّده بري في 15 أيار المقبل وإنّ القانون الجديد الذي ستتناوله هذه الجلسة سيدمج بين القانون الجديد والتمديد التقني للمجلس.
إتّصالات مكّوكية
إلى ذلك كشفَت مصادر عملت على خط المفاوضات في الساعات الأخيرة لـ«الجمهورية» أنّ بشائر التفاهم بدأت تتظهّر صباحاً عندما تولّى أكثر من طرف اتّصالات مكوكية بين الرؤساء الثلاثة مفادُها العمل بكلّ ما هو متاح لتجنيب البلد «خميساً صعباً» فتجاوَب كلّ مِن عون وبري وبدأ العمل على إيجاد مخرج دستوري كحلّ يرضي الجميع. فاستعانَ عون بمستشاريه الدستوريّين الذين كانوا أبلغوه منذ اشتداد الأزمة أنّه يمكنه استعمال صلاحية المادة 59 لمرّة واحدة فقط لتعليق عمل المجلس النيابي، ونصَحه البعض ان لا تكون هذه الخطوة استفزازية، فتمّ تنسيقها مع بري الذي اجابَ بأنه يحقّ لرئيس الجمهورية استخدام كلّ صلاحياته في الدستور، ومَن ينادي بالدستور والديموقراطية لا يعترض على ايّ إجراء دستوري. ومَن ينادي بحفظ الصلاحيات والدستور لا يمكنه الاعتراض على خطوة كهذه».
وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية» إنّ «ردّ بري، وهو أبو الدستور والتعاون سهّلَ الأمور وتمّ الاتفاق على أن تنصبّ كلّ الاطراف على صوغ قانون انتخاب خلال هذا الشهر الذي تُعلّق فيه جلسات مجلس النواب».
وعلمت «الجمهورية» أنّه «خلافاً للأجواء فإن إعداد قانون الانتخاب قطعَ شوطاً كبيراً وبدأ يقترب من اتفاق عليه لن يكون بعيداً، وأنّ جميع الاطراف تعهّدوا إنجاز هذا القانون قبل جلسة الاثنين 15 أيار التي سيتمّ إقرارُه فيها وتعديل المهَل، علماً أنّ عون ابلغَ الى العاملين على هذا الامر رفضَه ان يكون التمديد سنةً وإنّما يكون تقنياً لمدة أدناها 3 أشهر وأقصاها 6 أشهر».
وتوقّف المراقبون عند خطوة عون فقالوا لـ«الجمهورية»:
ـ أوّلاً، هي خطوة متوقّعة وليست مفاجئة، خصوصاً انّها تندرج ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عنها في الدستور، وبالتالي من الطبيعي، لا بل من البديهي انّها لن تستجلب ايّ ردود سلبية عليها لأنّ هذه الردود امام هذه الواقعة ستكون بلا معنى.
ـ ثانياً، اهمّية هذه الخطوة انّها سحبت فتيلَ التفجير الشارعي وإن كانت قد أرجأته شهراً في حال لم يُتّفَق خلال هذه الفترة على قانون الانتخاب.
ـ ثالثا، وضَعت هذه الخطوة القوى السياسية بلا استثناء امام مسؤولية إعداد قانون جديد للانتخاب بدءاً من رئيس الجمهورية كونه رئيسَ السلطة التنفيذية عندما يترأسها، ورئيس الحكومة والحكومة الى مجلس النواب ورئيسه وإلى سائر الاحزاب السياسية بأنّها صارت ملزَمة خلال هذا الشهر، إمّا الذهاب بعده إلى انفجار وإمّا الوصول الى قانون انتخابي جديد.
ـ رابعاً، هي خطوة تفرض الذهاب سريعاً الى وضع كلّ الافكار والطروحات الانتخابية على الطاولة، ليس طاولة لجنة وزارية، بل على طاولة مجلس الوزراء كونه يمثّل جميع الافرقاء، او على طاولة حوارية جدّية يدعو اليها رئيس الجمهورية لعقدِ جلسات مفتوحة توصّلاً الى القانون الجديد.
ـ خامساً، إنّها خطوة تؤكد انّ المرحلة ليست من السهولة التي يعتقدها البعض، بل إنّ ما تبيّن خلال الساعات الـ 24 الماضية دلَّ الى انّ لبنان في وضعٍ مهتزّ لا يحتمل ايّ خضّات سياسية أو غير سياسية. وكان عون قد تابَع الاتصالات السياسية الجارية على مختلف المستويات والمتعلقة بالدعوة التي وُجّهت الى مجلس النواب للانعقاد اليوم وعلى جدول اعماله اقتراح قانون للتمديد للمجلس سنَة إضافية.
وتركّزت الاتصالات على السبل الآيلة الى معالجة هذه المسألة في ضوء ردود الفعل السياسية والشعبية الرافضة التمديد للمجلس، خصوصاً أنّ عون كان قد ركّز في مواقفه على ضرورة إقرار قانون انتخاب جديد يلبّي طموحات اللبنانيين التي لا تأتلف مع الاقتراح المقدّم للتمديد، لافتاً الى الأبعاد السلبية لمِثل هذه الخطوة.
مصادر صحيفة الجمهورية