تسلّم لبنان رسميًا من زيمبابوي دفةَ “القيادة” العالمية لتضخم أسعار الغذاء، منذرًا “المنافسين” جميعًا من الدول المتعثرة والفاشلة بتوسيع الفارق الرقمي من الأحاد إلى العشرات في الأيام المقبلة، بعيد إشهار الإحصاءات الخاصة بشهر مارس (آذار) وجمْع حصيلة الغلاء المحقَّقة خلال الفصل الأول من 2023، والمسبوقة بتسجيل ارتفاعاتٍ بنسبتيْ 8.5 و25.5 في المئة خلال أول شهرين كانون الثاني وشباط على التوالي.
وجاءت “الريادة” الممهورة بتوقيع البنك الدولي، بعد تسجيل لبنان أعلى نسبة تضخّم إسميّة في أسعار السلّة الغذائيّة حول العالم خلال فترة المقارنة السنوية لنهاية الشهر الأول من العام الجاري مع مثيله من العام السابق، حيث حقّق الرقم الأعلى عالمياً والبالغ 139 في المئة، كنسبةِ تَغَيُّر سنويّة في مؤشّر تضخّم أسعار الغذاء، متبوعاً من زيمبابوي برقم 138 في المئة.
أمّا في ما خصّ نسبة التضخّم الحقيقيّ، والتي هي كناية عن نسبة التضخّم الإسميّة في أسعار الغذاء ناقص منها نسبة التضخّم الإجماليّة، فقد بلغت نسبة التغيّر السنويّة في أسعار الغذاء في زيمبابوي 45 في المئة في الفترة عينها، تبعتْها مصر بنسبة 30 في المئة، ورواندا بنسبة 30 في المئة، وإيران بنسبة 20 في المئة، في حين بلغت هذه النسبة 15 في المئة في لبنان، وهي سابع أعلى نسبة في العالم.
ووفق التقرير الأحدث الذي يصدر مرتين سنوياً عن البنك الدولي، فإن متوسط تضخم أسعار الغذاء بلغ 29 في المئة على أساس سنوي في 16 بلداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين مارس وديسمبر من العام الماضي.
وهو أعلى من معدل التضخم الكلي الذي ارتفع في المتوسط إلى 19.4 في المئة على أساس سنوي للفترة عينها، ومقارنة بنسبة 14.8 في المئة للفترة الأسبق التي شهدت الغزو الروسي لأوكرانيا.
ويشكل التضخم ما بين 24 إلى 33 في المئة من أسباب انعدام الأمن الغذائي المتوقع في 2023 على مستوى كل المجموعات الفرعية الأربع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي شملها التقرير، وهي موزَّعة على فئات البلدان النامية المستوردة للنفط، والبلدان النامية المصدّرة للنفط، والبلدان الواقعة في صراعاتٍ، ودول مجلس التعاون الخليجي. ويركّز التقرير على وجه التحديد، على تأثير تضخُّم أسعار الغذاء على انعدام الأمن الغذائي، حيث خلص إلى أن ثمانية من بين 16 بلداً عانت تَضَخُّمَ أسعار المواد الغذائية بما يزيد على 10 في المئة، مما أثّر على الأسر الأشد فقراً أكثر من غيرها لأنها تنفق على الغذاء أكثر مما تنفقه الأسر الأفضل حالاً.
وبالفعل، ارتفع معدل التضخم في المنطقة ارتفاعاً كبيراً في 2022 ولا سيما في البلدان التي شهدت انخفاضاً في قيمة العملة.
وفي التوقعات المحدّثة الواردة في التقرير الدولي، يرتقب أن يتباطأ نمو إجمالي الناتج المحلي للمنطقة إلى 3 في المئة في 2023 مقابل 5.8 في المئة عام 2022.
وستشهد البلدان المصدّرة للنفط، التي استفادت من المكاسب غير المتوقعة في 2022، تباطؤاً في النمو، لكن لا تزال هناك فجوة كبيرة بين البلدان مرتفعة الدخل وبقية بلدان المنطقة.
كما من المتوقع أن يتباطأ نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، وهو بديل أفضل لتحديد مستويات المعيشة، ليصل إلى 1.6 في المئة في 2023 من 4.4 في المئة في 2022.
وتعقيباً، حذّ فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مما يُخَلّفه تضخم أسعار الغذاء من تأثيراتٍ مدمّرة على الأسر الفقيرة، وبحيث ستشعر الأجيال المقبلة بآثار انعدام الأمن الغذائي على المدى الطويل، ليؤكد بالتالي أن “التكلفةَ البشرية والاقتصادية للتقاعس عن العمل هائلةٌ، وثمة حاجة إلى تطبيق سياسات جريئة في منطقة يشكل فيها الشباب أكثر من نصف السكان”.
ومع التنويه بأن الأموال وحدها ليست كافية لجبْه التحدي الصعب، يقترح التقرير أدوات السياسات التي يمكن أن تساعد في تخفيف حدة انعدام الأمن الغذائي قبل أن تتفاقم إلى أزمة شاملة، بما في ذلك التحويلات النقدية والعينية الموجَّهة التي يمكن تطبيقها على الفور لوقف انعدام الأمن الغذائي الحاد.
فالتقديرات تشير إلى أن ما قرابة شخص واحد من كل خمسة أشخاص يعيشون في بلدان نامية بالمنطقة سيعاني على الأرجح انعدام الأمن الغذائي هذا العام، وأن نحو ثمانية ملايين طفل دون سن الخامسة سيكونون من بين الذين سيعانون الجوع.
ويتسبّب تضخم أسعار الغذاء، حتى وإن كان موقتاً، في أضرار طويلة الأجَل لا يمكن إصلاحها في كثير من الأحيان.
وبحسب التقرير، فإن الزيادة في أسعار المواد الغذائية ربما أدت إلى زيادة مخاطر الإصابة بالتقزم بين الأطفال بنسبة تتراوح بين 17 في المئة و24 في المئة في البلدان النامية بالمنطقة، وهو ما يعني أن نحو 200 ألف إلى 285 ألف طفل حديث الولادة معرّضون لخطر التقزم.
وبشكل عام، تُظْهِر البحوثُ أن سوء التغذية بين الأطفال يؤدي إلى ضعف الأداء في المدارس، وانخفاض الدخل، وضعف الصحة.