متحف سرسق
بعد نحو ثلاث سنوات من الإغلاق القسري عاد متحف سرسق في بيروت لفتح أبوابه للجمهور مجددا يوم الجمعة (26 مايو أيار) نافضا غبار ودمار انفجار مرفأ المدينة الذي أغرقه في الدمار وأتى على بعض مقتنياته وعمارته الفريدة.
ويقع المتحف في قلب حي الأشرفية الذي تضرر بشكل مباشر جراء انفجار الرابع من أغسطس آب 2020 الذي أدى لمقتل 215 شخصا وتدمير مناطق أخرى في العاصمة.
وتسبب الانفجار في تطاير نوافذه، التي كانت تلفت الأنظار بشكل خاص عندما يُضاء ليلا.
ومنذ ذلك الحين خضع المتحف لعمليات ترميم وإعادة تأهيل بتمويل إيطالي وفرنسي ولبناني ومعونات من عدد من الجمعيات المعنية بحماية التراث والحفاظ عليه.
شمل الترميم استبدال جميع النوافذ بما في ذلك الزجاج الملون الذي يتميز به متحف سرسق، وجرى إصلاح جميع الأبواب والمصاعد والأسقف المعلقة، إضافة لترميم الكسوات التراثية الخشبية المنحوتة يدويا.
ويشتهر المتحف بواجهته البيضاء وقناطره ونقوشه الزخرفية إضافة إلى نوافذه الملونة بالأصفر والبرتقالي ويحتوي على مجموعة كبيرة من أعمال الفن الحديث والمعاصر.
ومع ترميمه استعاد المتحف مجموعته الفنية التي تعرضت للضرر جراء الانفجار ومن بينها لوحة (مواساة) للفنان بول جيراجوسيان وبورتريه لنقولا سرسق رسمه الفنان الهولندي الفرنسي كيس فان دونجن في عام 1939.
ويضم المتحف أعمالا لفنانين لبنانيين بينهم الرسامان جورج داود قرم وجان خليفة، والنحاتة سلوى روضة شقير.
وقال القائمون على المتحف إن إعادة التأهيل كانت بتكلفة إجمالية تزيد على مليوني دولار.
وحول ذلك قال طارق متري رئيس المتحف “شكوكي الماضية إنه هل سنصل إلى ترميمه مثلما كان، نعيده لوضعه قبل الانفجار هل هذا الشيء ممكن؟ كان دايما ها السؤال يرافقني. هلا صار عندي جواب على السؤال، نعم ممكن، فهذا ولد عندي ارتياح كبير. لكن أنا أيضا كتير قلق، قلق للمستقبل، لأنه صحيح افتتحناه اليوم وبدنا نبلش أنشطة لكن إمكاناتنا المالية ما عادت أبدا كالماضي”.
ويعاني لبنان من أزمة مالية غير مسبوقة، وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من أعمق حالات الكساد في التاريخ الحديث.
فقد فقدت العملة المحلية أكثر من 98 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار منذ عام 2019 عندما تسببت عقود من الإنفاق المسرف والفساد المزعوم في انهيار اقتصادي.
ورأى زوار تجولوا في المتحف يوم الجمعة أن إعادة افتتاحه تمثل بصيص أمل للبلد المنهك من الأزمات.
قالت الزائرة رندة فرح لتلفزيون رويترز “كنت كتير أزعل وقت أمرق حد المتحف وأشوفه مسكر (مغلق)، الآن يمنحنا الأمل أن نرجع ننظر ونرى أن الثقافة تعود من هذا المتحف، ودائما هذه الصرخة من لبنان لكل العالم ليقولوا بأن الفن والثقافة أقوى من كل شيء، يعني ما فيه شيء بيدمرهن”.
وقال ينس هانسن، وهو مدير معهد ألماني في بيروت، “أتصور أنها (إعادة الافتتاح) تظهر أنه على الرغم من كل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يمكن لقسم من الفن على الأقل في المجتمع أن يغرس نوعا من الأسباب للعودة إلى لبنان”.
وبمناسبة إعادة افتتاحه للمرة الرابعة، قدم متحف سرسق خمسة معارض في ساحاته. ويستكشف بعض الفن المعروض رحلة المتحف بينما يتناول البعض الآخر تاريخ بيروت.
وتأسس متحف سرسق عام 1961 لكن تاريخه شهد تقطعا بسبب أوضاع لبنان الخاصة، وبحسب متري فقد أُغلق المتحف عدة مرات في أثناء الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990، ثم أُغلق نحو سبع سنوات بهدف التوسعة والترميم والتجديد وأُعيد افتتاحه سنة 2015 ليُغلق مجددا في 2020 بسبب انفجار الرابع من أغسطس آب ذلك العام.
واعتبرت مديرة متحف سرسق كارينا الحلو أن إعادة افتتاح المتحف بارقة أمل للقطاع الثقافي في لبنان.
وقالت لتلفزيون رويترز “إعادة افتتاح المتحف مقاومة، هذه أولا. لحظة سعيدة، نحن فخورون جدا. أنا فخورة جدا بالطواقم لكنني أيضا… ما زلت، مثل الكثيرين، غاضبة من دولتنا وأعتقد أنه لا ينبغي لنا الاحتفال فحسب، بل يجب أن نظهر أن هذا عمل مقاومة”.