على هامش الزخم الذي حافظت عليه آلة الحرب الاسرائيلية التدميرية في غاراتها العنيفة على الضاحية الجنوبية وبيروت ومناطق مختلفة من الجنوب الى البقاعين الغربي والشمالي بما فيها على جانبي الحدود اللبنانية – السورية، تجدد الحديث لأيام قليلة عن احتمال التوصل الى وقف لاطلاق النار بفعل الإعلان عن زيارة قد تكون بالغة الدقة للموفد الرئاسي الأميركي اموس هوكشتاين مسلحا بتفويض مشترك من الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب بعد لقائهما في البيت الأبيض في 14 الجاري، قبل ان تتبخر الجهود التي بذلت لهذه الغاية في ظل فقدان اي معلومات دقيقة عن الأسباب التي حالت دون ان يعلن هوكشتاين عن اي خطوة إيجابية كان يمنن النفس بها قبل مغادرة بيروت متوجها الى تل أبيب وسقوط السيناريوهات التي تحدثت عن زيارات مكوكية بينهما الى حين التوصل الى اتفاق لوقف النار ورسم خريطة الطريق التنفيذية للقرار 1701 بكامل مندرجاته.
على خلفية هذا السيناريو وما حمله من تقديرات، قرأت مراجع ديبلوماسية وعسكرية تواكب الاتصالات الجارية عبر “المركزية”، فقالت في مجال استعراضها للمحطات التي رافقت زيارة هوكشتاين على مدى الأيام الأربعة التي أمضاها ما بين 19 و20 تشرين الثاني الجاري في بيروت و21 و22 في تل ابيب انها انتهت الى نتيجة قد تكون سلبية ان كان البعض يأمل بأنها سريعة. وجاء صمته وتعليق مهمته ومغادرته المنطقة الى واشنطن بدون اي رد فوري كان ينتظره الجانب اللبناني ليعزز ذلك الشعور، خصوصا ان صحت المعلومات عن تكليف موفد شخصي آخر بديلا منه يكمل مهمته من حيث انتهت، طالما ان اي خطة مستقبلية كانت وستبقى في عهدة الادارة الاميركية العميقة التي ستبقى قائمة بمعزل عن اي تطور مختلف طيلة المرحلة الانتقالية الفاصلة بين عهدي بايدن وترامب.
وبالإضافة الى هذه المؤشرات التي لم تعد خافية على عدد من المعنيين ، وعند دخولها في التفاصيل – قالت هذه المراجع – أن ارتفاع وتيرة العمليات العسكرية الاسرائيلية البرية في الجنوب والجوية في المناطق الاخرى على مساحة تمتد من الضاحية الجنوبية بشكل مركز وبيروت بعمليات انتقائية عدا عن الغارات على البقاعين الشمالي والغربي جاءت بالاجوبة الباقية التي لم يتمكن هوكشتاين من نقلها مباشرة الى المسؤولين اللبنانيين. وربما قصد ذلك للأسباب والعوامل الآتية:
– على الرغم من الأجواء الايجابية “الزائفة” او “المبالغ فيها” التي حاول المفاوض اللبناني إشاعتها امام اللبنانيين وتحديدا من عين التينة وأنه قام بما عليه من مهام، فقد تبين أن هوكشتاين لم يكن مقتنعا بكل ما طالب به المفاوض اللبناني ولم يعد قطعا بأي خطوة قد تؤدي في لحظة ما ان تؤدي الى “انتصار لدويلة الحزب على الدولة”. وهو عبر بوضوح عن تبنيه بقوة لبعض الملاحظات الاخرى التي تصب في مجرى المساعي الى “هدنة طويلة الأمد” بالنسبة الى لبنان واسرائيل في آن.
– تمكن هوكشتاين من التوصل الى صيغة تحول دون اعطاء اسرائيل الحق بالمراقبة الجوية لمراحل تنفيذ التفاهمات التي يمكن التوصل إليها واحالها جميعها الى اللجنة الاممية – الدولية التي ستتولى عملية المراقبة وستكون المحطة الأولى لأي شكوى لبنانية أو إسرائيلية وهي التي ستبت بها بطريقة لن تدفع اي جهة الى الرد المباشر على اي خطأ يمكن ان يرتكب من اي جهة تريد تخريب التفاهم او من الجانبين وهو ما ترجمه في احد بنود الاتفاق بـ “حق الطرفين في الدفاع عن النفس وضمان المصالح الامنية للدولة”.
– لن تكون هناك اي مشكلة في النتيجة حول كيفية تركيب اللجنة المشرفة على تطبيق التفاهمات وليس صحيحا ان وعند التوصل الى اي صيغة نهائية ستبقى الفيتوات اللبنانية والاسرائيلية قائمة. فمعارضة تل ابيب للحضور الفرنسي تبطله المشاركة الفرنسية القديمة والكبيرة في القوة الدولية ومعارضة لبنان للدور الالماني تعطله قيادتها لـ “اليونيفيل” البحرية ولن تكون في النتيجة اية اهمية لهذه الشروط المتبادلة ويمكن تجاوزها ان تم التوصل الى الصفقة الكبرى بوجوهها الامنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية الى ما هنالك من وجوهها المختلفة التي سترسم صورة الوضع في المنطقة مستقبلا.
وفي ضوء هذه الملاحظات الاساسية منها واخرى هامشية، اعترفت المراجع المعنية بأنه لن يكون سهلا الحكم على مهمة هوكشتاين ونتائجها في الوقت الراهن ذلك ان بعضا مما انجزه ليس قليلا لكن اللمسات الاخيرة على اي اتفاق قد تكون مكلفة أكثر من سابقاتها. وان خطورة ما هو منتظر ان إسرائيل بما حققته من توغل في القرى الجنوبية لن تنهي عمليتها العسكرية قبل تدمير المنشآت العسكرية للحزب كافة ولن تسمح باي دعسة ناقصة يمكن ان ترتكب لاحقا وهو حق اعترف لهم به الأميركيون ومن خلفهم المجتمع الدولي فلا ثقة بتعهدات اللبنانيين.
وانتهت المراجع لتقول ان المجتمع الدولي، والأميركيون منهم، يعرفون ان المفاوض اللبناني لا يقف على أرض صلبة بدليل الانتقادات التي طالت احتكاره لمراحلها، عدا عن محاولات تسويق بعض المواقف وكأنها لصالح فريق لبناني دون آخر وعلى حساب الدستور والمؤسسات الدستورية. فأي توليفة تنهي الحرب بين إسرائيل وحزب الله ستحترم الآليات التي تم التفاهم عليها من بوابة القرار 1701 في ظل فقدان واستحالة اصدار اي قرار جديد يمكن ان يتوصل اليه مجلس الأمن الدولي في مقاربته للوضع ليس في لبنان فحسب إنما على مستوى العدوان على غزة في الوقت عينه. وعليه فان ما يجري التشاور بشأنه لن يكون مجالا للاستخدام في التوازنات الداخلية. وأن اي اتفاق يتم التوصل اليه لن يكتمل قبل انتخاب رئيس للجمهورية ليشرف على ما يتم التفاهم بشأنه وان مواصفاته وصورته سترسم في تلك اللحظة وسيكون من ضمن الفريق الذي اعد الخطوات كاملة ليستكمل مراحل تنفيذها.