جاء في صحيفة الجمهورية “بعد أقل من 24 ساعة على «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول، أعلن السيد حسن نصرالله الحرب على إسرائيل في 8 تشرين بعنوان حرب الإسناد لغزة”.
فيما كان يُفترض أن يمنح نفسه بعض الوقت للتفكير بالخطوة التي يمكن أن يُقدِم عليها، إذا لم يكن على علم مسبق بحرب الطوفان، وأمّا إذا كان على علم واكتفى بالإسناد بعد التوغُّل الواسع والمفاجئ لحركة «حماس»، فيعني أنّ إزالة إسرائيل مجرّد شعار للاستهلاك، ودخوله الحرب بشكل متسرِّع وغير محسوب وضعه في عين العاصفة، بينما لو لم ينخرط فيها لكانت حافظت الحدود الجنوبية على هدوئها المعتاد، لأنّ عملية «حماس» جعلتها في وضع من انعدام الوزن العسكري والسياسي وتريد جبهة «بالناقص».
راد «حزب الله» من وراء الإعلان المتسرِّع للحرب ألّا يغيب عن صورة الحدث الكبير، فيما كان يفترض أن يجمع أركانه في لبنان ويتشاور مع قيادته في طهران ويعطي نفسه مهلة أسبوع أقلّه قبل الانخراط في الحرب أو عدمها.
هذه الحرب التي اعتبرتها تل أبيب منذ اللحظة الأولى بأنّها وجودية وستتعامل معها على هذا الأساس، ولو أجرى هذا التشاور المعمّق بدلاً من التسرُّع لكان أدرك أنّ انخراطه في هذه الحرب سيقحمه في حرب طويلة يمكن أن تؤدّي إلى ضرب وضعيّته العسكرية.
ولم تقتصر دعسته الناقصة على تسرّعه في الحرب، إنّما غاب عنه كلياً حجم الاستعدادات الإسرائيلية لأي حرب محتملة بينه وبينها، لا بل كانت لديه صورة خاطئة عن قوته الكفيلة بردع إسرائيل عن أي حرب معه متكئاً فيها على الإعلام الإسرائيلي الذي إحدى وظائفه تضليل أخصام تل أبيب، وهذا يعني أنّه يفتقر إلى أية معلومات أمنية عن هذه الاستعدادات خلافاً لإسرائيل التي طوّرت قدراتها الاستخباراتية استعداداً لأي حرب محتملة، وهذا ما ظهر بوضوح منذ الأيام الأولى للحرب التي بيّنت بوضوح الفارق التكنولوجي الكبير والخرق الأمني الواسع لصفوف الحزب.
فخطأ «حزب الله» الأول إذاً، تسرّعه في إعلان الحرب من دون أن يأخذ في الاعتبار أنّ حجم عملية «حماس» سيدفع إسرائيل إلى حرب غير مسبوقة لاسترداد صورة ردعها التي من دونها ينتفي وجودها، وهذا ما تمّ تداوله منذ اللحظة الأولى.
وخطأه الثاني افتقاده إلى أي معلومات عن جهوزية إسرائيل الأمنية والعسكرية، واعتقاده أنّ عشرات الآلاف من صواريخه كفيلة بردعها وإخافتها.
وخطأه الثالث أنّه توقّع انتهاء الحرب سريعاً فيكون حَفِظ ماء وجهه بدخوله وخروجه منها كما دخل من دون خسائر كبرى ولا تغيير في الصراع معها.
وخطأه الرابع أنّه لم يخرج منها بإعلانه انتهاء حرب المساندة عندما أنهت إسرائيل عمليتها العسكرية الأساسية، ولو خرج كان وفّر على نفسه الخسائر الكبرى، خصوصاً أنّ واشنطن كانت تضغط للفصل بين الجبهتَين، وكانت على استعداد لترتيب الوضع بما يبقيه على وضعيّته خارج مسافة الـ10 كلم التي تطالب بها إسرائيل، وكان نجح في بيع هذه الورقة لواشنطن التي هي بأمسّ الحاجة إليها، لكنّه أخطأ في دخوله الحرب، وأخطأ في عدم التقاط لحظة الخروج منها.
وكان النقاش على مدى أشهر يتمحور حول التفاوض الأميركي غير المباشر مع الحزب، وإهمال المكوّنات السياسية الأخرى في البلد التي تريد دولة وسيادة ودستور. ووصل هذا النقاش إلى حَدّ التخوّف من أن يؤدّي إبعاده عن الحدود إلى سعيه للتعويض في الداخل ومزيد من وضع يده على البلد، لكنّه لم يلتقط الفرصة التي منحته إياها واشنطن، على الرغم من أنّ معالم المواجهة كانت توضحّت والأهداف الإسرائيلية كانت تكشفّت، بالتالي أضاع فرصة الخروج من الحرب في الوقت المناسب وبأقل خسائر ممكنة، خصوصاً أنّ حرب غزة انتهت عملياً ولا يقدِّم أي شيء فيها.