كان واضحاً أن العنف السلطوي كما ظهر منذ يوم الثلاثاء الماضي سيستمر أيضاً وسيتصاعد. وعلى هذا أدرك المنتفضون أن الأحد هو يوم اللاعودة عن العنف والشغب بوجه سلطة تمعن في عنفها المعنوي والجسدي على جميع اللبنانيين، رافضة التنحي أمام هذه الإرادة الشعبية. هكذا بدا “أحد الغضب” الذي شارك فيه آلاف الأشخاص. غضب تمثل في تحطيم المقاعد والحواجز الحديدية في وسط العاصمة، لاستخدامها في محاولة اختراق السور والدفاعات التي حصنت بها القوى الأمنية ساحة النجمة. غضب مباح ومرحب به من الجموع الهاتفة له “ثورة ثورة”. جموع غاضبة وفرحة، راحت تحمّس الشبان الذين انهالوا على القوى الأمنية بالحجارة والمفقرعات.
“شبيحة.. شبيحة”
استبسل الشبان في مقارعة القوى الأمنية. تسلق أكثر من واحد منهم الحاجز الحديد أكثر من مرة لرمي الحجارة على القوى الأمنية. وعندما تمكن منهم في النهاية صرخت الحشود “عيدا عيدا”. بدا الإصرار على اختراق سور المجلس النيابي، والدفاعات التي وضعتها شرطته لحماية رؤوسهم من حجارة الثوار، مختلف عن بقية المرات السابقة. والملفت حماسة أكثر من خمسة آلاف متظاهر ومتظاهرة وهم يهتفون “ثورة ثورة” و”ثوار أحرار منكمل المشوار”.
آلاف اللبنانيين، نساء وشيوخاً وشبابأ وشابات، وقفوا يتفرجون ويحمسون الشبان الذين استبسلوا لفك الطوق عن المجلس. وقفوا ينتظرون تلك اللحظة للدخول إلى ساحة النجمة واستعادة البرلمان كونه “بيت الشعب”، كما هتفوا، قبل بدء جولة المواجهة الثانية مع القوى الأمنية، بعد ليلة السبت الدموية.
عندما يحمّس آلاف المتظاهرين الشبانَ الذين انهالوا بالحجارة على القوى الأمنية، الحامية لسور المجلس، ويهتفون بصوت هادر “شبيحة شبيحة شرطة المجلس شبيحة” و”حرامي حرامي نبيه بري حرامي” و”شبيحة شبيحة ريا الحسن شبيحة”.. ويظهر كل هذا الإصرار على أن هدف الثورة المباشر الآن هو “تحرير” ساحة النجمة ومبنى البرلمان، فهذا يعني أن المتظاهرين قطعوا أي خط للرجعة عن مطلب استعادة هذه الساحة، التي ما زالت عصية ومحمية. فربما يكون سقوطها إيذاناً بسقوط النظام نفسه.
الرصاص المطاطي
على عكس الأيام السابقة، حين كانت القوى الأمنية تعيد وترشق المتظاهرين بالحجارة التي يرشقونهم بها، صعد شبيحة إلى سطح المبنى على مفترق الطريق المقفل بالسور الحديدي والمحمي من قوات مكافحة الشغب، وراحوا يلقون الحجارة على المتظاهرين الذين سقط منهم جرحى عدة بالرأس. كان تشبيحاً غير مسبوق.
مشهد الشبان وهم يستبسلون للدخول إلى ساحة النجمة بدا بديهياً أمام حماسة جميع المواطنين، الذين يأبون التراجع رغم كثافة الإصابات والرصاص المطاطي، الذي نال من إصبع أحد المتظاهرين وقطعه إرباً، بسبب قربه الشديد من العنصر الذي أطلقها مباشرة عليه.
الجيش يتدخل
تأتي تعزيزات من قوى مكافحة الشغب، فتتساقط القنابل المسيلة للدموع بشكل عشوائي وتتدافع الناس متراجعة إلى أمام مبنى النهار، لتعود من جديد وتحتشد أمام القوى الأمنية وتستمر المفقرعات بالانهيال عليهم وتستمر الهتافات الحماسية.
الناس باتت مهيأة للعنف والشغب لمقارعة عنف السلطة وقمعها وتشبيحها. هذا ما بدا واضحاً يوم الأحد. ولم يتفرق المتظاهرون قبل رمي أحدهم قنبلة دخانية على الجيش، الذي تدخل وراح ينهال بالقنابل الدخانية على المتظاهرين ومتقدماً بأعداد كبيرة متراصة نحوهم، إلى أن نجح بتفريقهم وتشتيتهم في ساعة متأخرة من الليل.
جولة أخرى انتهت، ويمكن التأكيد في نتيجتها أن الانتفاضة أصبحت جاهزة لمواجهة طويلة لا مجال فيها للتراجع.