الخميس 16 شوال 1445 ﻫ - 25 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

أداء السلطة السيء في لبنان غذّى الانتفاضة الشعبية

بعد مرور شهر على اندلاع الانتفاضة الشعبية، ثمة من في السلطة لم يدرك بعد معاني الثورة وما زال يعيش قبل تاريخ 17 تشرين الأول/اكتوبر من دون أن يأخذ بعين الاعتبار التحوّلات التي عصفت بالمشهد العام في البلاد، لا بل أظهر أداء الحكم في موضوع التكليف والتأليف وكأنه يعيش في زمن ما قبل اتفاق الطائف، الأمر الذي دفع أكثر من طرف إلى اتهام رئيس الجمهورية ميشال عون بخرق الأعراف وروحية الدستور وإلى التنبيه من أنه سجّل سابقة خطيرة للرؤساء الذين سيخلفونه ألا وهي إطلاق مشاورات التأليف قبل التكليف.

أكثر من ذلك، لاحظ متابعون لأداء السلطة أنها تراهن على تفكيك الانتفاضة عبر الترغيب والترهيب بعدما يئست من تعب المنتفضين وعودتهم إلى بيوتهم. وفي هذا السياق تسعى السلطة في خطّتها لتفكيك الانتفاضة أولاً من خلال محاورة بعضهم ومحاولة استمالة بعضهم الآخر في وقت يردّ المحتجون في الشارع برفض أي حوار مع العهد وبأن لا صفة تمثيلية لأحد للتكلّم بإسم الثورة. وثانياً من خلال زجّ الجيش في مواجهة مع المتظاهرين وإعطائه الأوامر لاستخدام العنف في تفريق الاحتجاجات وفتح الطرقات الرئيسية بعد سلسلة من الانتقادات لتراخي الجيش في التعامل مع المتظاهرين واتهام قائد الجيش العماد جوزف عون بعدم تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلّحة، ولا توجيهات وزير الدفاع الياس بو صعب الذي حذّر من أن قطع الطرقات يذكّر بمشاهد الحرب الأهلية وقطع أوصال البلد.

والواقع أن الانتفاضة الشعبية تغذّت أكثر من مرة من هذا الأداء السيء للسلطة، تارة من خلال استعجال إقرار الورقة الإصلاحية في مجلس الوزراء الذي بات فاقد ثقة الشعب وطوراً من خلال خطابات رئيس الجمهورية أو اطلالات كل من رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أو من خلال إدراج اقتراح معجل مكرر لإقرار قانون للعفو العام أو من خلال دعوة الرئيس عون الشعب إلى الهجرة أو من خلال إطلاق النار على شهيد الثورة علاء أبو فخر أو من خلال التمسك بحكومة تكنو سياسية.

كل هذه الوقائع ترافقت مع ردود فعل شعبية كان بينها نزول المتظاهرين بكثافة إلى الساحات والطرقات للرد على إطلالات وصفوها بـ “الاستفزازية” إضافة إلى الرد على تظاهرة التيار البرتقالي إلى قصر بعبدا والتي شكّلت مادة دسمة للثورة التي استهجنت السماح لمناصري التيار بالاقتراب من القصر في وقت رُفعت الأسلاك الشائكة في وجه المتظاهرين الآخرين.

وفي رأي مؤيدين للانتفاضة أن توقيت مقابلة رئيس الجمهورية جاء في غير محله ولاسيما أنها تزامنت مع جولة موفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ما فُسّر على أنه قطع للطريق أمام المسعى الفرنسي وتسجيل نقاط على الرئيس الحريري من خلال وصفه المتكرّر بأنه “متردّد” والتذكير أنه “نام بعد التكليف” وأن تأخير استشارات التكليف يهدف إلى تسريع التأليف لئلا يعيد الحريري الكرة وينام مجدداً بعد التكليف، الأمر الذي استفزّ الشارع السني الذي رأى في هذا الأداء تعدياً على صلاحية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة.

ترميم التسوية الرئاسية

وفي ضوء كلام رئيس الجمهورية عن الحريري ومن ثم إعلان الوزير باسيل عن موعد الاستشارات وتسريب التوافق على الوزير السابق محمد الصفدي ثمة من سأل عن امكانية ترميم التسوية الرئاسية بين عون والحريري التي اهتزّت قبل استقالة رئيس الحكومة وسقطت بعدها.

واللافت أن تمسك حزب الله وحركة أمل ببقاء الرئيس الحريري لا يقابله الحرص نفسه لا من الرئيس عون ولا من الوزير باسيل تطبيقاً للمعادلة إما يبقى الحريري وباسيل معاً في الحكومة أو يخرجان معاً. لكن عون وباسيل يحاولان في الوقت نفسه عدم تسمية رئيس حكومة من دون رضى الحريري حفاظاً على الميثاقية ولاسيما أن باسيل هو صاحب نظرية الرئيس القوي في طائفته، فلا يمكن أن يكون ميشال عون القوي في طائفته على رأس الجمهورية ونبيه بري القوي في طائفته على رأس البرلمان وألا يكون رئيس الحكومة هو القوي في طائفته أو المسمّى من أقوى شخصية في طائفته.

من هنا تظهر الحاجة إلى سعد الحريري وعدم القدرة على تجاوزه، لأن أي حكومة من دونه أو من دون رضاه ستستجلب غضب الشارع السنّي في الداخل وقد تستجلب العقوبات من الخارج وبالتالي فإن الصدمة الإيجابية التي يأملها اللبنانيون من الحكومة الجديدة لن تتحقق. وهذا ما عزّز أوراق الحريري التفاوضية الذي ما زال مصرّاً على حكومة تكنوقراط في مقابل شعور فريق 8 آذار أن “الحريري عرف موقعه فتدلّل”. فيما أوساط “تيار المستقبل” تعتبر أن هذا الفريق لم يلتقط الرسالة التي أطلقتها الانتفاضة الشعبية لجهة أن مرحلة ما بعد 17 تشرين الأول/اكتوبر ليست كما قبلها، وهو ما زال يتعامل مع موضوع تأليف الحكومة على قاعدة تمثيل سياسي ومقعد بالزائد أو بالناقص، ويريد الاحتماء بالحريري لمواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية ولمدّ الخطوط مع المجتمع الدولي.