السبت 17 شوال 1445 ﻫ - 27 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

أدوار جبران باسيل "التخريبية" في السلطة وخارجها

غالباً ما يستند جبران باسيل على دعم مسبق، بعضه ظاهر وآخره خفي، في كل مواقفه التي يأخذها. دائماً يتشبث الرجل بمواقفه، التي تبدو “غير منطقية” بنظر القوى السياسية مجتمعة، ومع ذلك يصل دوماً إلى مبتغاه. ففي سبيله تعطّلت حكومات. وعندما كان يتحدث بيقينية عن وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، كان الجميع يعتبرونه يهذي. صحيح أن باسيل خرج من الحكومة، لكنه احتفظ بحصة وازنة وأساسية له فيها، وإن قدّم تنازلاً بالرضوخ لمطالب سليمان فرنجية بالحصول على وزيرين.

إرضاء المجتمع الدولي
كان حزب الله يعرف أن أي حكومة يجب تشكيلها، عليها أن تحظى بغطاء دولي. وهذا سرعان ما ظهر بموقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يمكن وصفه أنه الراعي الرسمي لاستمرار تسوية ميشال عون وعهده، والحريص على العلاقة بحزب الله، ومن خلفه إيران. والذي شدد على بذل فرنسا لجهودها لمساعدة لبنان.

لذا، جرى العمل على تشكيل الحكومة لتكون صندوق بريد توجيه الرسائل إلى الغرب والعرب معاً. وعبر بعض الوزراء الذين لديهم علاقات معينة وبنسب متفاوتة مع الأميركيين. فعندما جلس المخططون للتركيبة الوزارية، كان أمامهم جملة أفكار، أولاً بإظهارها بصورة جيدة، مغايرة بالنتائج لحكومات التحاصص الطائفي، وتقديمها بشكل مقبول إلى المجتمع الدولي، وبضمّها وجوهاً لديها تواصل مع هذا الغرب.

 

احتفظ باسيل بدوره كلاعب أساسي في عملية تشكيل الحكومة وصياغتها، وإن كان خارجها. فهو إلى جانب الوزارات الأساسية التي حصل عليها، شريك مضارب في حصص الآخرين، كوزير الاتصالات وفي حقائب طلال ارسلان. ولبنان الذي يرضخ إلى الضغوط الاقتصادية والسياسية، وشخصيات عديدة فيه كانت معرّضة لإدراجها على لائحة العقوبات، من بينها باسيل، هل يجرؤ على تشكيل حكومة مواجهة مع المجتمع الدولي؟ حتماً الحكومة ستكون للمواجهة السياسية مع القوى اللبنانية، لكنها تريد التواصل مع القوى الدولية وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية. هكذا، تم تقديم شخصيات فيها على أنها محسوبة على الأميركيين، صحّة ذلك ستظهر في الممارسة وفي النتيجة السياسية.

نظرية المؤامرة
باسيل الذي كان اسمه قابلاً للطرح على لائحة العقوبات الأميركية، يسعى إلى تجنّب ذلك. ومن كان ينتظر صدور العقوبات بحقه يتساءلون عن السبب وراء تأخيرها. فلا بد بالنسبة إليهم أن يكون هناك أمر أو رهان يحول دون ذلك. وهو يرتبط حتماً بما قادر باسيل على تقديمه. طبعاً، هنا لا يقدّم شيئاً باسمه.

وإذا ما استخدم المرء نظرية “المؤامرة الدولية” في تخريب المنطقة ودولها، قد يصل إلى وجود حسابات تفرض أداء باسيل هذا، والذي لم يبدأ اليوم، إنما منذ سنوات، بتعزيز النزعة العنصرية والطائفية مسيحياً، وباستفزاز أبناء البيئات الأخرى، سنة وشيعة ودروزاً، إن في مشاكله مع الرئيس نبيه بري، أو استفزازه للدروز خلال زيارته إلى الجبل، وصولاً إلى استفزاز السنّة في طرابلس، وقضم صلاحيات رئاسة الحكومة، ما أدى إلى توترات في الشارع. جزء من هذه الاستفزازات كانت تفيد حلفاء باسيل، أي حزب الله.

 

ومنذ أشهر، أجمعت قوى سياسية على وصف باسيل بأنه صاحب دور تخريبي في لبنان، قالها برّي بشكل أو بآخر، وكذلك جنبلاط، وفرنجية، فيما الحريري قالها على طريقتها عندما حمّل باسيل مسؤولية تعطيل كل شيء في لبنان لتلبية مصلحته الشخصية.

تغيير الصورة
اليوم، هناك من يقوم بجردة حساب لأداء باسيل السياسي، والذي يتجلى مؤخراً بفرض الشروط التي يريدها في عملية تشكيل الحكومة، والتغير في أدائه السياسي، عبر الإيحاء بأنه من خارج النظام والتركيبة السياسية، ويريد تبنّي خطاب المعارضة. لذلك، أصرّ نظرياً في شروطه التي فرضها على حسان دياب، بتشكيل حكومة تكنوقراط تحظى برضى المجتمع الدولي. وهو لا يزال يرفع هذا الشعار لعرقلة الحكومة لغايات في نفسه. لا ينفصل أداء باسيل هذا عن اللقاء الطويل الذي عقد بينه وبين ديفيد هيل، والذي بقي طي الكتمان، لكنه نمّ عن صفحة جديدة من العلاقة وحتماً من التنسيق.

في الموازاة تعاون باسيل مع إحدى الشركات الأميركية الكبرى لإجراء دراسة عن الواقع اللبناني، والبحث عن حلول ومقترحات لتلميع صورته اللبنانية، بعد كل الانتقادات التي تعرض لها في الشارع، وكيفية التعامل مع ذلك، لتقديم صورة مغايرة، كانت قد بدأت في إطلالته التلفزيونية الطويلة. حُمل باسيل مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة، لكنه أيضاً أراد أن يكون الشخص الذي عمل على تأليفها، خصوصاً أن حزب الله قد سرّب ظهر الثلاثاء بأنه أوقف كل مساعيه وجهوده في عملية تشكيل الحكومة، وترك الأمر لرئيسي الجمهورية والحكومة المكلف. عندها تحرك باسيل للوصول إلى حلّ، لا يظهر حزب الله كقوة فعلية في التشكيل. وبمعزل عن هذه الحكومة، فإن الأعراف التي تكرست بأدوار باسيل وعون، لن تقف عند حدّ ما تحقق من تحلل في المؤسسات وصراع الصلاحيات. حتماً سيكون مستمراً في المرحلة المقبلة وسيأخذ منحى أوسع وأبعد، لتغيير وجهة السياسة اللبنانية وتركيبتها.