الجمعة 19 رمضان 1445 ﻫ - 29 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

إلى المعركة: الإجراءات المصرفية الجديدة ستسرق ثلث ودائعكم

يسعى مصرف لبنان إلى قوننة إجراءات مصرفية، من شأنها الإطاحة بأي أمل لدى المودعين باستعادة أموالهم في المدى المنظور. كما ترسخ آلية السحب النقدي بـ”القطارة” لأصحاب الحسابات، بمن فيهم الموظفين الذين يصطفون أسبوعياً بالطوابير ليتقاضون رواتبهم.

والأخطر من هذا وذاك، أن بين الإجراءات التي “تناضل” السلطة المصرفية لقوننتها، حصر السحوبات بالليرة لأصحاب الحسابات الدولارية، لتقتطع بذلك من كل صاحب حساب بالدولار ما لا يقل عن 33 في المئة من قيمة أموالهم، بسبب فارق سعر صرف الدولار بين المصارف وسوق الصرافين الموازية. فما هي تفاصيل تلك الإجراءات؟ ما هي ثغراتها؟ وكيف يمكن مواجهتها والتصدي لها؟

ستة إجراءات مصرفية وردت في محضر الجلسة الأخيرة لجمعية المصارف مع حاكم مصرف لبنان ورئيس اللجنة على المصارف  شكّلت محور طلب سلامة من السلطات السياسية تغطيتها، بإصدار تعميم رسمي أو مرسوم حكومي أو قانون عن مجلس النواب، ما يعني أن السلطات المصرفية لم تعد مستعدة لتحمّل مسؤولية الإجراءات القائمة حالياً، والقيود غير القانونية على عاتقها، فاتجهت إلى السلطة السياسية لتُسنِد إليها “الجريمة” التي ترتكبها يومياً بحق المودعين.

حسم المعركة الأولى

هروب المصارف ومصرف لبنان من المسؤولية وطلبهم من السلطة السياسية تأمين تغطية قانونية للإجراءات المصرفية، لا يمكن قراءتها وفق المحامي والمدير التنفيذي للمفكرة القانونية، نزار صاغية، سوى بخضوع السلطة المصرفية لضغط الشارع، الذي أسقط عنها القناع وفضح تواطؤها مع السلطة بممارسات مُجحفة وتمييزية بحق المواطنين.

كل ما يحصل اليوم في المصارف مخالف للقانون ويمثّل اعتداءً واضحاً على الناس بالتواطؤ فيما بينها بشكل علني، ولذلك مفاعيل قانونية لا يمكن تغطيتها.. ومعركة الشارع هدفها الأساسي استعادة دولة القانون، لذلك مواجهة المصارف وانتهاكاتها للقانون هو صلب المعركة.

فمنذ بداية الأزمة والمصارف تمارس، وفق حديث صاغية لـ”المدن”، سياسة “السلبطة” على المودعين والمتعاملين معها، في حين لم تحرّك السلطة السياسية إزاء ذلك ساكناً. فتركوا للمصارف حرية التنكيل بأموال المودعين، لكن يبدو أن ضغط الشارع ومواجهة المصارف بالدعاوى القضائية حسم أول معركة. وهي وضع حد لسلبطة المصارف والتعامل باستنسابية مع المواطنين.

الإجراءات وثغراتها

الإجراءات المطلوب إيجاد تغطية قانونية لها تشوبها العديد من الإلتباسات، أضف إلى أنها جائرة بحق صغار المودعين، وتُحمّلهم حِملاً موازياً لكبار المودعين وتتلخّص الإجراءات بالآتي:

1- حرية استعمال “الأموال الجديدة” الواردة من الخارج بعد تاريخ 17 تشرين الأول 2019.

2- يقتصر التحويل إلى الخارج (خارج الأموال الجديدة) بالنفقات الشخصية الملحة، ضمن سقف 50 ألف دولار سنوياً، ولتمويل استيراد المواد الأولية للزراعة والصناعة ضمن سقف 0.5 في المئة من الودائع سنوياً.

3- تبقى العمليات بالعملات الأجنبية داخل لبنان بما فيها التحاويل أو الشيكات أو البطاقات غير خاضعة لأي قيود.

4- يتحدّد السحب النقدي بالليرة بسقف شهري بقيمة 25 مليون ليرة للمودع الواحد، مع تطبيق إجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

5- يخضع استعمال البطاقات خارج لبنان للحدود المفروضة عليها.

6- دفع الشيكات بالليرة أو بالدولار بالحساب وليس نقدأ على شبابيك المصارف.

كثيرة هي الثغرات والملاحظات التي تشوب هذه الإجراءات، أهمها تحديد السحب النقدي بالليرة اللبنانية وبسقف محدّد، ما يعني أن السحوبات بالدولار ستتوقف نهائياً، تزامناً مع إصدار تعميم او مرسوم أو قانون بالإجراءات المذكورة أعلاه.

وتالياً، يعني خسارة أصحاب الودائع المعنونة بالدولار وأصحاب الرواتب الدولارية أكثر من ثلث أموالهم، بسبب فارق سعر صرف الدولار. فالمصارف ستُلزم المودعين بالسحوبات بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات، في حين أن سعر الصرف المعمول به لدى الصرافين وفي عموم البلد يتراوح حالياً بين 2100 و2300، ومرشّح للارتفاع قطعاً مع تراجع مستوى عرض الدولار.

وفيما خص استعمال البطاقات المصرفية خارج البلد، وربطها بالحدود المفروضة عليها، فإنها تخفي نية المصارف الإستمرار بالتعامل باستنسابية بين المودعين كما تفعل اليوم. ثم أن من الذي يحدّد ماهية النفقات الشخصية الملحّة في البند المتعلّق بحصر التحويل إلى الخارج ضمن سقف 50 ألف دولار سنوياً.

أما بما يتعلّق بتمويل استيراد المواد الأولية للزراعة والصناعة ضمن سقف 0.5 في المئة من الودائع سنوياً، فهو بند غير واضح بالنسبة إلى رئيس جمعية الصناعيين، فادي الجميّل، الذي أوضح في حديثه إلى “المدن”، أن هذا الإجراء غير مقبول مهما كان تفسيره. إذ أن المبلغ المقصود لا يمكن أن يلبي حاجات الصناعيين. فالصناعيون يحتاجون، وفق الجميّل، إلى 3 مليارات دولار سنوياً لاستيراد المواد الأولية، ليؤمّنوا إنتاج بقيمة 13 مليار دولار منها 3 مليارات للاستهلاك المحلي و10 مليارات للتصدير.

المعركة الأخطر

بعد حسم المعركة الأولى، وفضح تواطؤ السلطتين المصرفية والسياسية، وإلزام الأولى باللجوء إلى قوننة ممارساتها، تبدأ المعركة الثانية. وهي وفق نزار صاغية، الأخطر. فالمعركة اليوم تتركّز على دستورية التغطية القانونية للإجراءات المصرفية، سواء كانت مرسوماً أو قانوناً، ومدى إنصافها لصغار المودعين والمتعاملين مع المصارف. فالقانون أو المرسوم المُنتظر يجب أن يعيد توزيع الخسائر قدر الإمكان، بما يُحمّل كبار المودعين والمستفيدين من الفوائد المرتفعة، الثمن الأكبر، في مقابل تجنيب صغار المودعين خسائر كبيرة.

فالمعركة انتقلت من معركة ضد مصارف تنتهك القانون بشكل مباشر، إلى معركة شكل الغطاء القانوني وتوزيع الأعباء العامة والخسائر بشكل عادل. من هنا، يرى صاغية أن على الناس تركيز الضغط اليوم في الشارع وفي المحاكم على السواء، وتكثيف الدعاوى المرفوعة في وجه المصارف، إلى حين حسم المعركة الثانية.