الثلاثاء 7 شوال 1445 ﻫ - 16 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

الحكومة بين التغيير... والـ"لا بديل"!

عندما تشكّلت حكومة حسان دياب، اعتُبرت فرصة للإنقاذ، وسلّم بهذه الفرصة معظم مكونات الحراك الشعبي وقوى المعارضة الاساسية: سعد الحريري، وليد جنبلاط وسمير جعجع.

قالت الحكومة في بداية ولايتها انّها وُلدت من رحم الحراك الشعبي، وانّها الأمينة على المطالب المحقة التي رفعت في انتفاضة 17 تشرين الاول، وانها في سبيل تحقيقها، بصدد اعتماد نهج جديد في الحكم مغاير تماماً لما كانت تتّبعه الحكومات السابقة التي تسبّبت بهذه الأزمة الموروثة الخانقة اقتصادياً ومالياً. فماذا كانت النتيجة؟

في اليوم المئة للحكومة، قدّم رئيسها ما سمّيت «»جردة إنجازات»، خلص فيها الى إعلان تحقيق ما يزيد عن 97% ممّا وعدت به الحكومة في بيانها الوزاري، لكن هذه الجردة قابَلها شبه إجماع سياسي ومن الحراك المدني، على اعتبارها «إنجازات ورقية» لا أكثر، لا مفاعيل ملموسة لها على الارض، وتفتقد الثقل لاعتبارها من عناصر معالجة الازمة. ولم تكن مقنعة حتى للشركاء في الحكومة، بل كانت محلّ تَندّر من قبل بعضهم عليها، وصولاً الى حد اعتبارها «زلة لسان» مرّت مرور الكرام ولم يعد لها أثر!

بمعزل عن «جردة الانجازات» تلك، فإنّ فرصة الإنقاذ التي منحت مع ولادة الحكومة، قد انتهت وتلاشَت؛ المعارضة تسنّ أسنانها عليها وتعتبر انّ الفرصة باتت مؤاتية لإسقاطها حتى ولو كان بديلها الفراغ. فالفراغ من وجهة نظر المعارضة يبقى أفضل من حكومة فاشلة، ضعيفة، ومُستسلمة لمشيئة فريق يريد ابتلاع كلّ شيء في الدولة، وإدارتها وفق مشيئته وبما يتوافق مع أهداف فريقه السياسي وتوجهاته ورغباته. والمقصود هنا رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر».

وبصرف النظر عن الكلام الرئاسي الذي يعتبر انّ الحكومة تتعرّض لحملة افتراء ظالمة عليها، فهذا الكلام لا يغيّر في قناعة المعارضين الذين يبدو أنهم قلبوا صفحة المُهادنة والرشق على الحكومة من بعيد، ويتحضّرون لفتح صفحة صدامية معها لتغييرها، خصوصاً انّ ظروف البلد باتت تتطلّب حكومة وحدة وطنية. ولعل الموجب الاساس لهذا الصدام هو انّ الانهيار الكامل حَتمي وأقرب ممّا نتصور، طالما انّ السلطة الحاكمة للبلد خاضعة لمجموعة مستشارين جهلة او من وزن الريشة، وتجّار المديح وشعراء البلاط ومحترفي النفاق وتمسيح الجوخ ومُصدّري فتاوى قانونية غبّ الطلب لتبرير ارتكابات وجرائم بحق الدستور والقانون، وفوق ذلك تتحكّم بها عقلية تأبى أن تكون إلّا على حجم أحزابها وجماعتها فقط، وليس بحجم وطن موجوع ودولة تعاني التفكك والإنحلال وتوشك أن تتداعى وتنهار.

تقول المعارضة ان لا مُرتجى من الحكومة، فهل ستتمكن من فرض تغيير الحكومة؟

قد لا تبدو مآخذ المعارضة على الحكومة اكثر من مآخذ الشركاء فيها عليها، فتأكيد المعارضة فشل هذه الحكومة يقابله إقرار بذلك ضمن الفريق السياسي الشريك فيها، حيث يسود نوع من شعور بالاحباط وخيبة الأمل، وهناك من يقول صراحة ضمن هذا الفريق: «ثمة محطات عديدة سنحت أمام الحكومة للشروع في خطوات اصلاحية، ادارية، كهربائية، قضائية. ولو أنها قارَبتها بروحية العناوين الانقاذية، والاصلاحية، والحيادية، والموضوعية، والشفافية، والنزاهة والكفاءة، التي طرحتها لحظة تأليفها، لكانت تلك المحطات شكّلت مانعاً لها من السقوط ولأتاحت لها إثبات نفسها قولاً وفعلاً بأنها الفرصة الجدية للانقاذ».

تبعاً لذلك، فإنّ ما يُقال في داخل الحاضنة السياسية للحكومة يتجاوز بكثير ما تعلنه المعارضة جهاراً، سواء حول الاصلاحات وتجاهلها بلا سبب مقنع، او العلاجات المعطّلة للقطاعات الحيوية كالكهرباء على سبيل المثال، او حول التشكيلات القضائية وفضيحة تعطيلها، او حول تعامي الحكومة عن اللعب المستمرّ بنار العملة الوطنية ورفع الدولار الى أسقف خيالية، وتكتفي بالايحاء بأنّ رفع سعر الدولار مفتعل ويُدار بالريموت كونترول عن بعد، او حول بعض الطروحات العشوائية كمِثل ما جرى في جلسة مجلس الوزراء ما قبل الاخيرة مع طرح زيادات على اسعار المحرقات وتناسي انّ زيادة بضع سنتات على الواتساب أشعلت الارض في زمن الحكومة السابقة، او حول كيفية التعاطي مع ودائع اللبنانيين وفضيحة توحيد أرقام الخسائر التي تستبطن هدفاً خبيثاً بالسطو على هذه الودائع وإعدامها نهائياً، او حول التخبّط في الذهاب الى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بوفد منقسم على نفسه، ويتصارَع على حلبة أرقام الخسائر بين الحكومة ومصرف لبنان. والمُضحك المبكي انّ صندوق النقد، وفي سابقة لم يعهدها الصندوق من قبل، تحوّل الى حَكم بينهما. او حول فضيحة سلعاتا وكيفية نسف مجلس الوزراء في بعبدا ما تقرّر حوله في مجلس الوزراء في السرايا الحكومية. وأخيراً وليس آخراً، حول موقف رئيس الحكومة نفسه من التعيينات، واستسلامه لمنطق المحاصصة الذي سبق أن رَفضه في آذار وعاد الى السير به في حزيران!

في الظروف الطبيعية، يشكّل كل واحد من سلة المآخذ المسجلة على الحكومة من المحيط القريب منها، سبباً موجباً لطرح مصير الحكومة على بساط البحث، لكنّ الظروف ليست طبيعية ولا تحتمل في نظر الموالاة الدخول حالياً في أزمة حكومة، وتكليف، وتأليف. والموالاة تدرك انّ المعارضة عاجزة عن إسقاط الحكومة، ولن تسلّفها ما هي عاجزة على تحقيقه.

وما تحسمه الموالاة في هذا السياق، من الطبيعي أن تسعى المعارضة الى تفشيل الحكومة. ولكن المعارضة بالتَشتّت الذي يسود مكوناتها، ليست السبب في فشل الحكومة، وكذلك انّ الحكومة نفسها لا تتحمل وحدها مسؤولية الفشل، بل انّ هناك اطرافاً سياسية داخلها ساهمت بهذا الفشل. ومع ذلك، لا إمكانية لأيّ تغيير او حتى تعديل للحكومة، لأن لا بديل عنها في الوقت الراهن. ومن هنا ظلّ هناك من يسعى الى منع الحكومة من الانجاز، فإنّ المطلوب ان تبقى حتى ولو صارت مجرّد هيكل عظمي. وفي الاساس تنتهي ولاية هذه الحكومة بعد الانتخابات النيابية المقبلة.

ولكن، هل يحتمل البلد استمرار حكومة بلا فعالية وغير قادرة على الانجاز؟

الجواب يأتي من قلب الحاضنة السياسية للحكومة: «يجب أن نعترف بأنّ مشهد البلد في حاله الانهياري الراهن يدين الجميع، ويجب الّا ننسى انّ الشريحة الكبرى من اللبنانيين راهنت على حكومة وَعدتهم بأن تجعل من نفسها جسر عبور بالبلد الى أمان سياسي وأمني واقتصادي ومالي وتربوي ومعيشي واجتماعي، إفتقدوه مع الحكومات السابقة، فإذا بها تجعل البلد وأهله يسيرون على «حبل سيرك» يتأرجح ذات اليمين وذات الشمال، ويتهدّدهم فقدان التوازن بالسقوط الى القعر في أي لحظة. من هنا لا بد من التغيير، وعدم الاستسلام لعقم الحلول، والاكتفاء بتوصيف المشهد القائم، بل بات المطلوب بإلحاح تغيير آليّات العمل، وهذا لا يتأمّن إلّا بجلسة حوار جدية بين القوى الاساسية المشكّلة للحكومة ووضع خريطة طريق تخرج البلد من هذا المأزق، وهذه مسؤولية الحاضنة السياسية للحكومة قبل أي طرف آخر».