سببان رئيسيان دفعا في أيلول الماضي إلى خروج كميات كبيرة من الدولار من المصارف اللبنانية. الأول هو طلب مباشر من النظام السوري للمتمولين بإعادة “دولاراتهم” الموجودة بأغلبيتها في لبنان إلى سوريا للمساهمة بتخفيف الضغط عن العملة السورية وانتشالها من مأزقها بعدما لامس سعر صرفها الـ 1000 ليرة مقابل الدولار. أما الثاني، فكان سحب رجال الاعمال المقربين من “حزب الله” ودائعهم من البنوك بعد حادثة إقفال “جمّال ترست بنك”، وخشيتهم من أن تطال العقوبات مصارف أخرى وتحرمهم من الوصول إلى اموالهم.
متوفّر في “الضاحية”
الواقعتان كانتا بمثابة إزالة حجر الزاوية الذي يحمي الليرة اللبنانية من السقوط، والتي بدأت فعلاً بالتراجع لتصل اليوم إلى حدود 2300 ليرة مقابل الدولار بدلا من 1500 ليرة.
ظهور كميات كبيرة من الدولار للإستعمال في مناطق نفوذ “حزب الله” بحسب شهود عيان، وتسريب أخبار وإشاعات في نهاية الشهر الفائت عن أن ضخ “الحزب” كميات من الدولار وتسديده رواتب “موظفيه” بالعملة الصعبة ساهما في وصول سعر الصرف إلى 2000 ليرة، تثير التساؤلات عن مصدر “دولار” “الحزب”، والدور البديل الذي يحاول لعبه بعيداً من القطاع المصرفي.
مع استشعار خطر العقوبات بدأ “حزب الله” اعتماد استراتيجية “الكاش” وبالتالي عمد إلى تحييد نفسه تدريجاً عن المصارف، من أجل حماية منظومته، وضمان تأمين صموده لأطول فترة ممكنة وهذا برز في تصريح السيد حسن نصرالله حين قال “المقاومة ستبقى قادرة على دفع رواتب أعضائها (…) حتى لو أفلس البلد”، وهذا يعني بحسب أحد المتابعين للأزمة اللبنانية “ان الحزب لديه البنى التحتية والوسائل التي تخوّله الاستمرار بالدفع بالدولار. ومنها على سبيل المثال مؤسسة القرض الحسن وبنك صادرات إيران اللذان من الممكن ان يلعبا دوراً بديلاً عن القطاع المصرفي، إنما على صعيد مصغّر لا يتعدّى الضاحية الجنوبية”.
مصادر “الحلال”
تحوّل إقتصاد البلد نحو cash economy كان بمثابة الهدية المجانية التي تلقاها “الحزب”، والسبب الأساسي لبدء ظهور أمواله علانيةً، واستثمارها في العمليات النقدية التي تتزايد بوتيرة يومية.
– عمليات التجارة غير المشروعة في أفريقيا وأميركا الجنوبية.
– مبيعات الحديد الذي يصل الى لبنان.
– التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية.
الهدية المجانية
هذه العمليات التي بقي مردودها “مخبّأ” نتيجة التضييق المصرفي وصعوبة تسييلها، أصبح اليوم سهلاً جداً مع تحوّل الإقتصاد نحو “النقدي”، وساعد في ذلك “فقدان الثقة بالقطاع المصرفي وتوجه المودعين إلى سحب أموالهم، وتحوّل معظم المواطنين إلى التعامل بالكاش، مما صعب عملية ملاحقة مصادر الأموال والتدقيق بها”، يُضيف طويلة.
إذا كان من المبكر التعمق أكثر بقدرة ونية “حزب الله” على خلق سوق نقدية بديلة عن المصارف اللبنانية فإنه من الثابت أن هناك أمرين يحصلان: الأول، استفادة “الحزب” من عملية ضرب القطاع المصرفي اللبناني معنوياً وفعلياً، والثاني وجود العملة الصعبة بين أيديهم بوفرة، وبالتالي قدرتهم الكبيرة على تطبيق مقولة “عندما يتوفر الكاش يصبح الغالي ببلاش” لتنفيذ أجندتهم السياسية.