الخميس 16 شوال 1445 ﻫ - 25 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

اللبنانيون يبحثون عن دولتهم الجديدة.. والأسد شريك بتأليف الحكومة

يزداد التعقيد في الملفات اللبنانية المتشابكة. ثورة شعبية خارجة على كل الاصطفافات السياسية والطائفية. مستمرة وتأبى التراجع قبل تحقيق أهدافها. مقابل قوى سياسية حاولت الاستثمار بها وحرفها عن مسارها، لكنها باءت بالفشل حتّى الآن. وقبل كل شيء، وضع اقتصادي ومالي مصاب بالانهيار من دون أي استعداد دولي للتدخل والمساعدة. قوى سياسية تتصارع فيما بينها على مواقع نفوذها، تحت مظّلة أكبر، هي عبارة عن الصراع الإقليمي والدولي الدائر في المنطقة، ما يترافق مع ضغوط دولية على لبنان كما على العراق وسوريا وإيران. ضغوط يضعها حزب الله (القوة المسيطرة على الواقع اللبناني) في خانة المواجهة المفتوحة معه ومع إيران من قبل الأميركيين.

 

الوضع الدولي وفقدان الثقة
خرج الوضع عن السيطرة. المواجهات التي شهدها وسط بيروت مساء السبت، ستكون عبارة عن نهج متكرر ومتطور بأشكال متعددة في الأيام المقبلة، بمعزل عن كل الحسابات السياسية والتركيبات التي تدور وراء الكواليس. هذه الأحداث أصابت القوى العاملة على خطّ تشكيل الحكومة بالكثير من التخبط والتفكك، ما أعاق تشكيل الحكومة وأخّرها. وهنا تبرز نظرتان للتعامل مع الواقع. الأولى، تعتبر أن ما يجري هو ضغوط مستمرة لمنع حزب الله من تشكيل حكومته، وبالتالي استمرار الانهيار والتشظي. والثانية، تعوّل على واقعية المجتمع الدولي في التعاطي مع أي حكومة تتشكل، وتلتزم برنامج الإصلاحات للحصول على المساعدات. هذا الرهان بني على كلام لعدد من السفراء حول تقديم المساعدات بعد تشكيل الحكومة.

في وجهتي النظر، ارتباط وثيق بالوضع الدولي. ولذلك كان القرار بالتمهل في تشكيل الحكومة من الأسبوع الفائت إلى الأسبوع الطالع. على هذا المنوال، يبقى الناس في احتجاجاتهم التصعيدية، والقوى السياسية في واد آخر، تبحث عن ظروف إعادة إنتاج التركيبة الحكومية التي يريدونها. الناس فقدت الثقة بالدولة ومؤسساتها، كما فقدت الثقة بمصرف لبنان والقطاع المصرفي. وتبقى الخشية من فقدان الثقة بالأجهزة الأمنية، والتي بدأت تهتز نتيجة ما يحدث. والمشكلة ستكون مستمرة ما بعد تشكيل هذه الحكومة. خصوصاً أن ما يظهر خلال عملية تأليفها هو صراع وتناتش على الحصص والنفوذ السياسي بارتباطات إقليمية.

دور النظام السوري
انعكس “التناتش” بين مكونات الفريق الواحد، تعطيلاً لتشكيل الحكومة، بسبب شروط فرضها كل من سليمان فرنجية وطلال ارسلان وأسعد حردان. الأسماء الثلاثة ربطاً بدور النائب جميل السيد وسليم جريصاتي في عملية التشكيل، تعيد إلى الأذهان زمن الحقبة السورية في لبنان، وتحديداً زمن النفوذ السوري الموجود بتفاهم مع حزب الله، وقوة هذا النظام ما قبل الثورة السورية. ما يجري يعيد إبراز دور للنظام السوري مؤثر في الملف اللبناني، أو على الأقل يُراد له أن يظهر كذلك. في الوقائع، لا يمكن للنظام التدخل في لبنان من دون حزب الله. لكن في هكذا ملفات غالباً ما يكون هناك أثمان للمقايضة. طبعاً، لحزب الله دور فاعل وقوي في سوريا، وله فضل كبير في الحفاظ على بقاء النظام، هو يريد الاحتفاظ بهذا الدور وتأمين خطوط إمداده الإستراتيجية من العراق إلى لبنان عبر سوريا. ويريد تأمين مناطق نفوذه في البقاع وفي الأراضي المتاخمة للحدود السورية أو داخلها. وهذه تفترض تفاهماً دائماً مع النظام. هذه الحاجة كفيلة بجعل النظام قادراً على أن يطلب ثمناً ما في لبنان، أو يعمل على تحقيقه في هذه الظروف بالذات.

يعرف حزب الله أنه يتعرض لضغوط دولية وعربية كثيرة، تقودها الولايات المتحدة الأميركية، وتحاول العمل مع روسيا للضغط أكثر على إيران وحلفائها، خصوصاً ما بعد اغتيال قاسم سليماني. بعض الدول العربية المخاصمة لإيران وحزب الله، تبدي الاستعداد للانفتاح على بشار الأسد مقابل إبعاده نسبياً عن إيران. حتماً، الأسد لا يأمن لغير الإيرانيين والروس، بحكم موقعهم وقوتهم. لكنه قد يجد فيما يجري فرصة لاستعادة تعزيز نفوذه بعد حصره في مناطق محددة بين دمشق والساحل، وهي آخذة بالتقلص في ظل الدور الروسي.

 

مشاكل اللبنانيين و”الوسخ”
اسم أيمن حداد لوزارة الصناعة جاء من دمشق. التزم به باسيل وجريصاتي والسيد، بينما عارضه أسعد حردان، الذي لم تعد علاقته بالسوريين كما كانت سابقاً. يرفض حردان هذا الإسم معتبراً أنه تجاوز له. هذا أبرز الأمثلة على التأثير السوري في المعادلة الحكومية اللبنانية. حزب الله انزعج حتماً، ويحاول التدخل مع حلفائه لتخفيض منسوب شروطهم. هذا لا يعني حدوث صراع كبير، فالخلافات ستبقى محصورة في نطاق التنافس على الحصص. وهذا ما تجلى في رفض فرنجية المشاركة في الحكومة إذا لم يحصل على ما يريد، ومنع باسيل من الحصول على الثلث المعطل. وهذا أيضاً ما دفع حركة أمل إلى رفض المشاركة بهذه الحكومة. فيما خرج السيد بهجوم عنيف داعياً حزب الله لنفض يديه من الوسخ.

مشكلة اللبنانيين بعيدة كل البعد عن حسابات النفوذ هذه. وهم لا يعنيهم إذا ما كانت روسيا سترعى بيعة ما في دمشق، تساهم بإعادة النظام السوري إلى بيروت بتفاهم مع الإيرانيين، ولا يعنيهم انتظار حزب الله لمآل المواجهة الإيرانية والأميركية. بالنسبة إلى الناس، فإن لبنان الذي بلغ عمره 100 عام، أصابته كهولة قاتلة، تتعقم فيه الحلول أو يمتنع عن التطور. وهم يريدون الخروج من حسابات استحكمت قرناً بحياتهم ومصائرهم، ويريدون الذهاب إلى نموذج جديد، خارج تشرذمات الأحزاب، والقوى الإقليمية والدولية، كما يرفضون العودة إلى تقاسم نفوذ سوري إيراني مع حزب الله بغطاء إقليمي دولي.

 

الواضح فقط أن تلك الدولة والنموذج الذي يسمى لبنان قد انتهى، ولا يمكن للبنانيين أن يركنوا إلى إعادة تدويره.