الوضع الدولي وفقدان الثقة
خرج الوضع عن السيطرة. المواجهات التي شهدها وسط بيروت مساء السبت، ستكون عبارة عن نهج متكرر ومتطور بأشكال متعددة في الأيام المقبلة، بمعزل عن كل الحسابات السياسية والتركيبات التي تدور وراء الكواليس. هذه الأحداث أصابت القوى العاملة على خطّ تشكيل الحكومة بالكثير من التخبط والتفكك، ما أعاق تشكيل الحكومة وأخّرها. وهنا تبرز نظرتان للتعامل مع الواقع. الأولى، تعتبر أن ما يجري هو ضغوط مستمرة لمنع حزب الله من تشكيل حكومته، وبالتالي استمرار الانهيار والتشظي. والثانية، تعوّل على واقعية المجتمع الدولي في التعاطي مع أي حكومة تتشكل، وتلتزم برنامج الإصلاحات للحصول على المساعدات. هذا الرهان بني على كلام لعدد من السفراء حول تقديم المساعدات بعد تشكيل الحكومة.
في وجهتي النظر، ارتباط وثيق بالوضع الدولي. ولذلك كان القرار بالتمهل في تشكيل الحكومة من الأسبوع الفائت إلى الأسبوع الطالع. على هذا المنوال، يبقى الناس في احتجاجاتهم التصعيدية، والقوى السياسية في واد آخر، تبحث عن ظروف إعادة إنتاج التركيبة الحكومية التي يريدونها. الناس فقدت الثقة بالدولة ومؤسساتها، كما فقدت الثقة بمصرف لبنان والقطاع المصرفي. وتبقى الخشية من فقدان الثقة بالأجهزة الأمنية، والتي بدأت تهتز نتيجة ما يحدث. والمشكلة ستكون مستمرة ما بعد تشكيل هذه الحكومة. خصوصاً أن ما يظهر خلال عملية تأليفها هو صراع وتناتش على الحصص والنفوذ السياسي بارتباطات إقليمية.
دور النظام السوري
انعكس “التناتش” بين مكونات الفريق الواحد، تعطيلاً لتشكيل الحكومة، بسبب شروط فرضها كل من سليمان فرنجية وطلال ارسلان وأسعد حردان. الأسماء الثلاثة ربطاً بدور النائب جميل السيد وسليم جريصاتي في عملية التشكيل، تعيد إلى الأذهان زمن الحقبة السورية في لبنان، وتحديداً زمن النفوذ السوري الموجود بتفاهم مع حزب الله، وقوة هذا النظام ما قبل الثورة السورية. ما يجري يعيد إبراز دور للنظام السوري مؤثر في الملف اللبناني، أو على الأقل يُراد له أن يظهر كذلك. في الوقائع، لا يمكن للنظام التدخل في لبنان من دون حزب الله. لكن في هكذا ملفات غالباً ما يكون هناك أثمان للمقايضة. طبعاً، لحزب الله دور فاعل وقوي في سوريا، وله فضل كبير في الحفاظ على بقاء النظام، هو يريد الاحتفاظ بهذا الدور وتأمين خطوط إمداده الإستراتيجية من العراق إلى لبنان عبر سوريا. ويريد تأمين مناطق نفوذه في البقاع وفي الأراضي المتاخمة للحدود السورية أو داخلها. وهذه تفترض تفاهماً دائماً مع النظام. هذه الحاجة كفيلة بجعل النظام قادراً على أن يطلب ثمناً ما في لبنان، أو يعمل على تحقيقه في هذه الظروف بالذات.
مشاكل اللبنانيين و”الوسخ”
اسم أيمن حداد لوزارة الصناعة جاء من دمشق. التزم به باسيل وجريصاتي والسيد، بينما عارضه أسعد حردان، الذي لم تعد علاقته بالسوريين كما كانت سابقاً. يرفض حردان هذا الإسم معتبراً أنه تجاوز له. هذا أبرز الأمثلة على التأثير السوري في المعادلة الحكومية اللبنانية. حزب الله انزعج حتماً، ويحاول التدخل مع حلفائه لتخفيض منسوب شروطهم. هذا لا يعني حدوث صراع كبير، فالخلافات ستبقى محصورة في نطاق التنافس على الحصص. وهذا ما تجلى في رفض فرنجية المشاركة في الحكومة إذا لم يحصل على ما يريد، ومنع باسيل من الحصول على الثلث المعطل. وهذا أيضاً ما دفع حركة أمل إلى رفض المشاركة بهذه الحكومة. فيما خرج السيد بهجوم عنيف داعياً حزب الله لنفض يديه من الوسخ.
الواضح فقط أن تلك الدولة والنموذج الذي يسمى لبنان قد انتهى، ولا يمكن للبنانيين أن يركنوا إلى إعادة تدويره.