الثلاثاء 7 شوال 1445 ﻫ - 16 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

المصارف تستغل كورونا: ضاعت أموالنا؟!

ساقطٌ هو في شرع الأخلاق، من يستغل الأزمات والكوارث والأوضاع الاستثنائية، لتحقيق مصالح آنية ضيّقة. ملعونٌ هو في شرع الانسانية من يُغطّي الاستغلال ويساعد المُستغِلِّ، كائناً من كان، وبأي سلطة احتمى وبأي صلاحيات تذرَّع.

 

حتى الأمس القريب، كان مشروعاً صراع المصارف ومصرف لبنان والسلطة السياسية وجمهورها من جهة، ضد بضع أحرارٍ من الشعب، انتفضوا في 17 تشرين الأول 2019، من جهة أخرى. لكن أن تدخل البلاد في مرحلة إعلان التعبئة العامة وحالة الطوارىء بفعل انتشار وباء “كوفيد 19” المعروف بفيروس كورونا، وتستغل الجهة الأولى الإعلان لتزيد الضغط على المواطنين، فهذا أمرٌ لا يستطيع أي عاقل فهمه.

استغلال للأزمة

أقفلت المصارف أبوابها غيرَ مرّة، ثم فتحتها. أقفلتها بذريعة تنظيم العمل وضمان حقوق المودعين، وفتحتها على مكائد حيكَت مع أصحاب القرار السياسي وسلطة الوصاية. وفي كل مرة يدفع المودعون الثمن.

لوّحت المصارف ومن يغطّيها، بالكابيتال كونترول والهيركات وتحويل الودائع الدولارية إلى ليرة لبنانية وفق سعر الصرف الرسمي، أي 1515 ليرة للدولار الواحد، لكنها كانت تتحيّن الفرصة المناسبة لها، كي تتجنّب ما هو أسوأ من تكسير فروع المصارف وحرقها من قِبَل الأحرار الرافضين لهذا الظلم. وها قد أتت الفرصة على طبقٍ من وباءٍ عالمي.

فاستغلالاً لإعلان الحكومة حالة طوارىء عامة في البلاد، قررت جمعية المصارف إقفال أبواب المصارف مؤقتاً لغاية 29 آذار 2020 ضمناً. وتذرّعت الجمعية في المساهمة “بالحدّ من مخاطر التجول والتنقل على المواطنين”، وأكدت في بيان لها تم تسريبه بعد اجتماع لمجلس إدارتها يوم الأحد 15 آذار، أن المصارف “ستوفر لعملائها خلال فترة الإقفال المؤقت، خدمة السحب النقدي بالليرة اللبنانية من أجهزة الصرّاف الآلي، خدمة بطاقات الدفع كافة وفق ما هو معتمد حالياً من سقوف، تأمين الرواتب الموطّنة في المصارف في حسابات العملاء وتأمين سحب هذه الرواتب من خلال أجهزة الصرّاف الآلي، تأمين الأموال النقدية بالليرة اللبنانية للشركات والمؤسّسات الإقتصادية، من أجل تغطية الرواتب غير الموطّنة، تأمين خدمة مراكز التواصل (Call Center) بغية تلبية حاجات العملاء الملحّة، تأمين مراكز محدّدة في كل قضاء لتلبية العمليات التجارية الملحّة، تأمين عمليات الخزينة المتعلّقة بالتجارة الخارجية (الإعتمادات المستندية والتحاويل التجارية المتعلقة بالمنتجات الأساسية، لا سيّما تلك المدعومة من مصرف لبنان)”.

المصارف تُصعّد

مضمون البيان شكّل تصعيداً غير مسبوق ضد المودعين. إذ أوقفت المصارف اعطاء المودعين دولاراتهم، حتى ضمن السقوف التي فرضتها، واكتفت باعطائهم الليرة، من دون تغيير السقوف. وبذريعة المساهمة في تسهيل حصول الموظفين على رواتبهم، أكدت الجمعية امكانية سحب الرواتب من الصراف الآلي، لكن بالليرة اللبنانية. وبالتالي، فإن إغفال الإشارة إلى الدولار، بأي شكل من الأشكال، هو إقرار ضمني بأن عهد الدولار انتهى، وأن المصارف ستُجبر المودعين على تحويل أموالهم طوعاً من الدولار إلى ليرة، من دون الاضطرار لإصدار قرار واضح باسم المصارف، وذلك عبر دفع المودعين لسحب الأموال في ظل عدم قدرتهم دخول المصارف للسحب ضمن السقوف الدولارية.

التصعيد لن يطال المودعين الأفراد فقط، بل سينعكس سلباً على الشركات، وبالتالي الاقتصاد ككل. فالمصارف ستفرج عن الليرة للشركات، ولهذا انعكاس خطير على ما تبقّى من اقتصاد يعاني الانكماش وينعكس على اللبنانيين مزيداً من البطالة والفقر. ولا يُشكّل التزام المصارف “تأمين عمليات الخزينة المتعلّقة بالتجارة الخارجية”، عملية إنقاذ للاقتصاد، ولا يعفي المصارف من الانتقاد. والمؤكّد، أن الافراج عن الدولار للعمليات الخارجية، أتى أولاً لتحاشي المصارف انهيار الاقتصاد بشكل فجائي، وتفاديها انتفاضة كبار التجّار وضغط الشركات الاجنبية، وثانياً لعدم تعارض قراراتها مع قرار مصرف لبنان.

من ناحية ثانية، سمحت المصارف لنفسها بالالتفاف على سماحها بدفع الدولارات الجديدة غير المدرجة ضمن الايداعات، والتي تُسمى “فريش موني” Fresh money. إذ لم يرد في بيانها أي إشارة للدولارات الجديدة. بل إن حصرها الحديث عن الليرة، هو تأكيد غير مباشر على إلغاء “إمتياز” الـFresh money.

نفي فاضح

نفت الجمعية ما ورد في البيان الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، فأعلن المكتب الإعلامي لرئيس جمعية المصارف سليم صفير أن “أي إعلان أو بيان رسمي حول آلية عمل المصارف اللبنانية في المرحلة المقبلة، سيصدر بعد إعلان مقررات جلسة مجلس الوزراء، وبالتالي لا يتبنّى المكتب أي بيانات مسربة في هذا الإطار”.

واثباتاً للنفي، وبعد انتهاء جلسة الحكومة، أعلن مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان أن “فروع المصارف سوف تقفل أبوابها الإثنين في 16 آذار 2020 ريثما يتسنّى للإدارات العامة، بالتنسيق مع السلطات النقدية، تنظيم العمل في المصارف طوال الفترة الواقعة بين 16 و29 آذار الجاري”.

التنصّل من مضمون البيان المسرّب، لم يفلح في محو آثاره، فسرعان ما أكدت مصادر مصرفية لـ”المدن”، أن “البيان صحيح، والمصارف اتخذت القرار، لكن تسريبها قبل الإعلان الرسمي وقبل انتهاء جلسة الحكومة، أثار غضب صفير، وطَلَب نشر النفي”.

بعيداً عن النفي أو الاثبات، فإن مضمون البيان ليس إلاّ بنود تحلم المصارف بتطبيقها منذ انفجار أزمة الدولار وانكشاف تواطؤ المصارف مع مصرف لبنان، لجهة تأمينها الدولارات للمصرف المركزي الذي بدوره موَّل مشاريع الهدر والفساد. والمصارف لم تتوانَ عن تقديم الخدمات للسياسيين وكبار رجال الأعمال وأصحاب الثروات، فهي، وفي كلّ عملية إقفال، تُحوّل الأموال للخارج، وتعيد ترتيب أوراقها خدمةً لأصحاب النفوذ، فيما تزيد الخناق على صغار المودعين وأصحاب الحسابات الجارية، والذين لا يملكون سوى رواتبهم الشهرية، إلاّ إن كانت المصارف تريد إقناعنا بأن السياسيين يقفون في الطابور لقبض سقوفٍ مالية شهرية.