الثلاثاء 28 شوال 1445 ﻫ - 7 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

"الوضع كارثي".. الأزمة المالية تعصف بمستشفيات لبنان العريقة

ألقت الأزمة المالية التي تعصف بلبنان بظلالها على القطاع الصحي وخاصة المستشفيات، التي كانت تصنف بين الأفضل في الشرق الأوسط، وتواجه المستشفيات اللبنانية صعوبة في دفع رواتب الموظفين، والحفاظ على استمرار خدماتها أو حتى البقاء مفتوحة وسط الارتفاع في معدلات الإصابة بفيروس كورونا.

 

وتحذر المستشفيات الخاصة، التي تعد قاطرة النظام الصحي في لبنان، من أنها قد تضطر إلى إغلاق أبوابها، وتخشى المستشفيات العامة التي تعاني من نقص التمويل، والتي قادت المعركة ضد الفيروس، من أن تسقط تحت وطأة حالة التفشي التي تشهدها البلاد.

وأبلغت المستشفيات والأطباء في جميع أنحاء البلاد، عن نقص في الإمدادات الطبية الحيوية مثل أدوية التخدير والخيوط الجراحية، في ظل انقطاع التيار الكهربائي لأغلب فترات اليوم، واضطرارها لضخ مزيد من الأموال لشراء وقود المولدات، ما اضطر الكثير من هذه المستشفيات إلى رفض استقبال الحالات غير الحرجة للحفاظ على الموارد.

وقال سليم أبي صالح رئيس نقابة الأطباء في شمال لبنان، أحد أفقر مناطق البلاد وأكثرها اكتظاظا بالسكان: “الوضع كارثي حقا ونتوقع انهيارا كاملا للمنظومة الصحية ما لم تضع الحكومة خطة إنقاذ”.

المركز الطبي بالجامعة الأميركية، أحد أقدم وأعرق المستشفيات الجامعية في البلاد، أعلن هو الآخر عن تسريح أكثر من 850 موظفا الأسبوع الماضي بسبب “الحالة الكارثية” للاقتصاد، ما أثار حالة من القلق، واضطرت عدة مرافق طبية إلى تسريح الممرضات والممرضين وخفض الرواتب، نتيجة لتراجع مواردها المالية وعدم قدرتها على تحصيل ملايين الدولارات المستحقة لها لدى الدولة.

الهجرة

وذكر مسؤول بنقابة الأطباء، أن ما يقرب من ثلث الأطباء اللبنانيين البالغ عددهم 15000 طبيب، أعلنوا عزمهم الهجرة أو تقدموا بالفعل للهجرة، وفقا لعدد الأطباء الذي تقدموا للحصول على الوثائق التي يمكنهم استخدامها في الخارج.

ومع ارتفاع أعداد الإصابات الجديدة بالفيروس، التي سجلت أقل من 3000 إصابة و41 حالة وفاة، يخشى الكثير من العاملين في القطاع الصحي عدم قدرته على الصمود في ظل الارتفاع الحاد في الأسعار وتفاقم الأزمة المالية،

وتسببت الأزمة المالية التي يشهدها لبنان في عدم قدرة الحكومة على توفير الوقود والكهرباء والخدمات الأساسية، وتسبب نقص الدولار في تراجع الواردات، بما في ذلك الإمدادات الطبية والأدوية، ومع ارتفاع الأسعار، ومعدلات البطالة إلى أكثر من 30 بالمائة يعيش الآن حوالي نصف السكان البالغ عددهم 5 ملايين شخص في فقر مدقع.

لعبت المستشفيات الخاصة، التي تشكل حوالي 85 % من مرافق القطاع الصحة في لبنان دورا رئيسيا بعد الحرب الأهلية الدامية التي استمرت 15 عامًا، لتصبح فخرًا للنظام اللبناني، واستقطبت المرضى من جميع أنحاء المنطقة بخدمات متخصصة وعمليات جراحية متقدمة.

لكن القطاع الصحي برمته، كما هو الحال في معظم لبنان، تأثر أيضًا بالمنافسات السياسية والمحسوبية في النظام الطائفي في لبنان، ويعاني نظام التأمين الصحي في لبنان، الذي يعمل بنظام الصناديق، من فوضى، حيث فشلت صناديق التأمين الحكومية لسنوات في سد العجز في المستشفيات، في الوقت الذي أعلنت فيه المستشفيات الخاصة عن ديون تقدر بنحو 1.3 مليار دولار، يعود بعضها إلى عام 2011.

خط أحمر

وصرح فراس أبيض، مدير عام مستشفى رفيق الحريري الجامعي، المستشفى العام الذي يقود جهود مكافحة فيروس كورونا: “لا يمكننا محاربة كورونا وفي نفس الوقت نضطر للتساؤل بشكل دائم لمعرفة ما إذا كنا نمتلك ما يكفي من الموارد المالية والمادية.”

ويسعى أبيض للعمل بأقل قدر من التكلفة لسد الفجوة، فعندما دق ناقوس الخطر بشأن نضوب وقود المستشفى، تدفقت سلسلة من التبرعات الخاصة، وتعهدت الحكومة بتوفير الوقود للمنشآت العامة.

وأضاف: “لا أعتقد أن أي شخص يتملك استراتيجية طويلة المدى. نحن نعيش اليوم بيوم، ونكافح من أجل البقاء”، وأشار إلى أن التمويل يجب أن يكون الأولوية. فالمولدات لن تعمل من تلقاء نفسها، بدون وقود ولا يمكن للمستشفيات العمل بدون تمويل.”

أزمة القطاع المصرفي التي أغلقت حسابات العملات الأجنبية وفرضت تدابير لخفض الواردات وإصدار خطابات الاعتماد، ساهمت بشكل بارز في تضاعف معاناة القطاع الصحي، ففي قرية المجدلية شمالي لبنان، ظل مستشفى المركز الطبي العائلي الحديث الذي يضم 100 سرير، خاويا تقريبًا خلال الأسبوع الماضي، وقال مالكه طبيب الأورام، قيصر معوض، إنه اضطر إلى إغلاق أحد الطوابق الخمسة لتوفير التكاليف.

مسألة مصيرية

واضطر معوض لرفض قبول المرضى الذين لديهم تأمين حكومي (ضمان صحي)، وقال إن الحكومة مدينة له بالفعل بملايين الدولارات، وأضاف: “هذه مسألة مصيرية. هذا ليس مستداما”، وأشار إلى أنه استقبل خلال الأسابيع الأخيرة 20 مريضا على الأكثر، بينما يعامل الآخرين كمرضى خارجيين لتوفير التكاليف، وأوضح أن منشأته مستعدة لاستقبال حالات كورونا لكنها لن تفعل ذلك.

كان هناك طفل واحد فقط في وحدة حديثي الولادة ضمن 13 سريرًا في المستشفى، وفي قسم الكبار، كان هناك ثلاثة مرضى فقط، أحد هؤلاء المرضى يبلغ من العمر 83 عامًا يتعافى من جراحة في الشرايين، كان عليه أن يدفع من ماله الخاص لأن تأمينه الخاص لن يغطي العملية أو الدعامة القلبية. وقالت ابنته ميادة قدور إنه لولا تدخل أخيها لدفع تكلفة العملية “لكان والدها قد مات”.

وأكد أحمد مغربي، مدير مستشفى أورانج ناس، مستشفى الولادة الوحيد في لبنان التابع للحكومة، أن المستشفيات العامة الـ 32 لن تتمكن من القيام بدور المستشفيات الخاصة المهددة بالإغلاق.

مغربي، الذي تجاوز السبعين من عمره، أعاد بناء المستشفى في مدينة طرابلس بالكامل تقريبًا من خلال التبرعات الأجنبية عقب توليه منصبه عام 2003، برغم ذلك فهي تعتمد على أموال الدولة وأموال التأمين – على حد سواء – لذلك لم تتمكن من العمل بكامل طاقتها التي تبلغ 5000 حالة ولادة سنويا.