الجمعة 17 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

باسيل يقطع مع الحريري ويفجّر ”الحكومة”… يضمن حصته مع العهد من موقع المعارضة!

ن يقصف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل جبهة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بقنابل من العيار الثقيل، فذلك يؤشّر إلى مرحلة جديدة من المعارك السياسية في البلد، لا تقف حدودها عند الخلاف على الحكومة وطبيعتها، إنما أيضاً في التوازنات السياسية والطائفية التي انفجرت على غير محور، وطوّقت الانتفاضة الشعبية اللبنانية بخطوط تماس بين أهل الحكم. قرر جبران باسيل ألا يشارك في حكومة تكنوسياسية برئاسة الحريري، حتى لو قرر “حزب الله” وحركة أمل المشاركة فيها، لأن مصيرها الفشل، برأيه، وطالب بحكومة اختصاصيين تحت عنوان “الإنقاذ”. لكن قراره ليس نهائياً في شدّ الحبال القائم وامتداداته الإقليمية والدولية، طالما أن “حزب الله” لم يعلن موقفاً حاسماً من حكومة الاختصاصيين التي يقترحها باسيل وبرئاسة شخصية غير الحريري، إذ إن الحزب لا يزال يصرّ على حكومة تكنو سياسية وبعنوان سيادي في مواجهة ما يعتبره حرباً أميركية تشنّ ضد لبنان وعقوبات تستهدفه، وبالتالي هو جزء من المواجهة الإقليمية أيضاً وليس في وارد أن يسلّم بهذا الأمر ويخرج من الحكومة.

 

خاطب جبران باسيل الناس وبعث برسائل إلى الجميع، ليس من موقعه فحسب بل بانتسابه أيضاً إلى العهد. لكن حتى الأمس القريب كان يصرّ على تمثيله في الحكومة، وأعلن عبر وسائله أنه لا يريد تسمية الحريري في الاستشارات، وإذا خرج من الحكومة، يستحيل على رئيس الجمهورية أن يلتزم شروط الحريري. وقبل ذلك مورست ضغوط كبيرة على رئيس حكومة تصريف الأعمال لتقديم التنازلات، في حين كان باسيل حاسماً في أن عدم مشاركته ستجيّر أسماء التيار إلى حصة رئيس الجمهورية ميشال عون، انطلاقاً من رفض عزله كمكوّن رئيسي في البلد ضمن الميثاقية.

قبل كلام باسيل وإعلان عدم مشاركته في حكومة يترأسها الحريري، وضع الرئيس نبيه بري في أجواء خياراته، وقبله “حزب الله”، وهو إذ ركّز على احترام نتائج الانتخابات النيابية، فيعني ذلك أن أي حكومة حتى لو كانت من الاختصاصيين ستعكس التمثيل النيابي، وهذا موقف “حزب الله” الذي أعلنه في أكثر من مناسبة، متوجهاً إلى الانتفاضة من أنه لا يقبل بتغيير نتائج الانتخابات. ذلك أن الحزب ومعه “حركة أمل” لن يقبلا بخروج باسيل من الحكم إذا كانت الأمور ستتجه نحو حكومة تكنوسياسية، لأن ذلك سيمثل انقلاباً على القوى التي حققت أكثرية في الانتخابات، لذا سيضغط “حزب الله” للعودة إلى ترتيب الأمور ومشاركة باسيل إذا تمّ التوصل إلى حكومة من أهل السلطة ذاتها بعنوان حكومة وحدة وطنية.

يذكّر جبران باسيل بأن “التيار الوطني الحر نسج اتفاقاً عام 2016، قام على تقوية الدولة وليس على أساس التسويات، وهذا الاتفاق حرر لبنان من الإرهاب، وثبّت الأمن، وأوصل قانون انتخاب، وشكّل حكومات متوازنة لأول مرة، وأوجد موازنات، وأطلق مشاريع عديدة على رأسها النفط والغاز”. قدّم الحكومة السابقة على أنها كانت نموذجية بإنجازاتها، وفي المقابل، حاول أن يستعطف الناس المنتفضين بالقول “إن الاتفاق فشل بتأمين أبسط حقوق الناس مثل البنى التحتية وأمور كثيرة، وهذا الفشل يدفع ثمنه الشعب اللبناني والعهد والقوى السياسية ومن ضمنها نحن”. لذا يقدّم نفسه على أنه ليس شريكاً في الفساد ولا مصالح تربطه مع الحريري، لأنه يتعرّض للاغتيال السياسي. وبأنه أيضاً الطرف الوحيد في الحكم الذي يستجيب لمطالب الناس بعدم مشاركته في الحكومة، وكأنه يعتبر نفسه الضحية الأولى للسلطة وتركيبتها، وهو ينتقل إلى معارضتها لكن في رعاية العهد، فمطالب الناس هي مطالبه قبل أن يرفعوها في ساحات الغضب، وبالتالي انتسابه إلى المعارضة يحرره من الضغوط الدولية ويعطي الانتفاضة فعالية أكبر طالما يحمل همومها ومطالبها وطموحاتها بحكومة إنقاذ.

سيتمسك “حزب الله” بجبران باسيل وسيعلنها في أكثر من مناسبة، كونه “الأكثر تمثيلاً للمسيحيين. قبل ذلك رفض الرئيس نبيه بري خروج مكوّن أساسي من التركيبة الحكومية، أي جبران باسيل. لذا لا تعود الأمور مهمة بعد ذلك حتى لو تشكلت حكومة برئاسة الحريري، إذ إن حصة جبران باسيل ستكون من حصة العهد، وهو يكون قد ربح بالعلاقة مع الشارع وحافظ على موقعه في الحكم والسلطة. لذا كان هجومياً بكلامه ضد الحريري الذي كان اتخذ موقفاً رافضاً من مشاركة باسيل في الحكومة، فقال إنه كان أعلن رفضه المشاركة في الحكومة المستقيلة إذا استمر الفساد واستمرت السياسة المالية المتبعة منذ التسعينيات من القرن الماضي، وأنه أبلغ شركاءه وهدد بقلب الطاولة والرجوع إلى المعارضة والناس، معتبراً أن “ما حصل هو أن الناس سبقتنا ولم تعد تحتمل”، وأنه لن يقبل بأحد أن يركب موجة الانتفاضة لضرب الميثاقية والشراكة الإسلامية – المسيحية.

موقف باسيل لا يبرِّئه من دوره في حكومة تصريف الأعمال، فهو الذي كان يقاتل لتحسين موقعه في التسوية السابقة، وهو كان يضع متاريس أمام الحريري في مختلف القرارات الحكومية، ويقدّم نفسه على أنه المقرر في الحكومة بتغطية العهد. وبالتالي كان يعتبر الحكومة حكومته، وهي مدخل لفرض أعراف وتقاليد جديدة تكرس صلاحيات أمر واقع للرئاسة الأولى. والأساس كان التحكم بملفات أساسية معينة في مجلس الوزراء وفي البلد أيضاً، ثم نقل اتخاذ القرارات الرئيسية إلى قصر بعبدا، وهو أيضاً تسلم قضية الكهرباء وفرض خطتها. كما أن تصعيده السابق في الحكومة كان يرتبط بموقع الرئاسة وصلاحياتها.

رفع جبران باسيل السقف. قدّم نفسه ضحية للضغوط، وخاطب الانتفاضة بمطالبها، لكنه يضمن في المقابل حصته في الحكومة وإن كان قرر السير نهائياً إلى خارجها. لكن كيف ستكون حكومة الإنقاذ التي اقترحها؟